أخبار عاجلة
الرئيسية / منوعات / 118 بطريركا على الكرسى البابوى الكنيسة المصرية .. الانحياز إلى الوطن

118 بطريركا على الكرسى البابوى الكنيسة المصرية .. الانحياز إلى الوطن

«لولا وطنية الأقباط وبطريركهم كيرلس الخامس وإخلاصهم الشديد وحبهم لوطنهم لتقبلوا دعوة الأجنبى لمساندتهم ولفازوا بالجاه والسلطان والمناصب الكبيرة بدلا من النفى والسجن والاعتقال، لكنهم فضلوا أن يكونوا مصريين معذبين محرومين من المناصب والجاه ويذوقوا الموت والظلم على أن يكونوا محميين بأعدائهم وأعدائك» هكذا تحدث زغيم الأمة سعد باشا زغلول مخاطبا المصريين فى 19 سبتمبر 1923 عن الدور الوطنى والتاريخى للأقباط .

ظلت الكنيسة المصرية متمسكة بالرباط الوطنى القوى الذى يجمع المصريين مسلمين ومسيحيين وتنظر إلى محاولات المحتل بالريبة بل وترفضها علانية وفى صراحة ففى بداية القرن التاسع عشر وخلال حكم محمد على باشا أرسل قيصر روسيا الى البطريرك بطرس السابع المشهور بالجاولى يحاول استمالته والدخول فى حمايته، ولما حضر مندوب القيصر الى البابا ابدى اندهاشه من حياة الشظف والزهد التى يعيش فيها رأس الكنيسة المصرية ثم عرض عليه رغبة ملك روسيا فرد البابا قائلا يا ولدى هل ملكك لايموت قال يموت يا سيدى، فقال فنحن لاندخل فى حماية ملك يموت ولكننا نعيش فى ظل ملك لايموت وهو الله وحكى المندوب لمحمد على وقائع لقائه مع البابا الذى ابدى سعادة غامرة برد البابا على مندوب القيصر والتى رأى فيها اعتزازه بوطنه وشراكته لاخوانه من المسلمين.

 

فى عام 1853 أصدر السلطان العثمانى قرارا باقامة كنيسة للاقباط بمصر وذلك بعد وساطة قدمتها أميرة عثمانية كانت قد مرت بمصر فى طريقها للحج فقام على وفادتها وإكرامها شخص قبطى وأرادت تلك الأميرة مكافأة ذلك القبطى الذى طلب بناء كنيسة يتعبد فيها الأقباط وفور عودتها استصدرت القرار والتى عرفت بالكنيسة المرقسية بالأزبكية والتى اتخذها البابا فيما بعد مقرا للبطريركية إلى أن تم بناء المقر الحالى للكاتدرائية بالعباسية وافتتاحها فى يونيو 1968 الذى يوافق 1900 عام على وفاة القديس مرقس أحد صاحب الأناجيل الأربعة الكبرى والذى كان له الفضل فى دخول المسيحية مصر وأول بطريرك للإسكندرية غير أن الخلاف مع محمد سعيد باشا والى مصر مع البابا كيرلس الرابع ووفاته أدى الى تعطل بناء الكنيسة الى أن جاء البابا كيرلس الخامس فأتم بناء الكنيسة فى 1889 والبابا كيرلس الخامس له مواقف وطنية مشهودة فى مواجهة الاحتلال البريطانى الذى حاول مرارا عبر مندوبه السامى اللورد كرومر وخلفه اللورد كتشنر فرض وصاية وحماية على الكنيسة والأقباط وهو ما رفضه كيرلس الخامس البابا رقم 112 فى تاريخ الكنيسة المرقسية المصرية وهو من أطول الآباء فى منصبه منذ عام 1874حتى 1927 كما كان لمواقفه فى دعم الثورة العرابية قائلا إن الإنجليز ليسوا مجرد معتدين بل إنهم مكمن للخطر وكان من الموقعين على العريضة التى تطالب بخلع الخديو توفيق لاستدعائه الانجليز لمواجهة المصريين كما رفض الإرساليات التبشيرية الإجنبية أو قبول دعم ومنح مالية من الإنجليز لمدارس الأقباط الأمر الذى أثار حفيظة اللورد كرومر الحاكم الفعلى لمصر فى الفترة من 1883 حتى 1906 فقرر إبعاده عن منصبة ونفيه إلى أحد الاديرة وهو الأمر الذى أثار إستياء المصريين مسلمين ومسيحيين لما للرجل من دور فى دعم المطالب الوطنية ورفض محاولات الوقيعة بين المصريين يقول اللورد كرومر فى كتابه «مصر الحديثة « إن الفرق الوحيد بين القبطى والمسلم هو أن الأول يعبد الله فى كنيسته والثانى فى مسجده ولا نستطيع أن نفرق بينهما»

أما كيرلس الخامس فقال عنه عباس محمود العقاد كان ناسكاً متعبداً مؤمناً برسالته الدينية أشد الإيمان وكان مع رعايته لفرائض الدين لا ينسى فرائض الكرامة الدنيوية فى معاملته لأصحاب السلطان ولو كانوا من الملوك أو فى حكم الملوك وقد خطر لعميد الإحتلال البريطانى لورد كيتشنر أن يلقاه كيرلس على غير موعد فذهب إلى دار البطريركية وأمر الحاجب أن يُبلغ صاحب الغبطة أن فخامته موجود فى الدار هرول الحاجب وهو يلهث صائحاً اللورد يا أبانا اللورد يا أبانا فسأله فى أناة من اللورد يا هذا؟ ولما علم جلية الأمر لم يزد على أن قال إذهب يا ولد وقل لفخامته إن البابا لا يقابل أحداً بغير ميعاد»

فى كتابه خريف الغضب يقول محمد حسنين هيكل «كانت العلاقات بين جمال عبدالناصر وكيرلس السادس علاقات ممتازة وكان بينهما إعجاب متبادل وكان معروفاً أن البطريرك يستطيع مقابلة عبدالناصر فى أى وقت يشاء وكان كيرلس حريصاً على تجنب المشاكل وقد استفاد كثيراً من علاقته الخاصة بعبدالناصر فى حل مشاكل عديدة»

ويواصل هيكل «وكانت هناك مشكلة أخرى واجهت البطريرك كيرلس السادس فقد كان تواقاً إلى بناء كاتدرائية جديدة تليق بمكانة الكنيسة القبطية لكنه لم يكن يريد أن يلجأ إلى موارد من خارج مصر لبنائها وفى الوقت نفسه فإن موارد التبرعات المحتملة من داخل مصر كانت قليلة لأن القرارات الاشتراكية أثرت على أغنياء الأقباط كما أثرت على أغنياء المسلمين ممن كانوا فى العادة قادرين على مساعدة الكنيسة بتبرعاتهم إلى جانب أن المهاجرين الأقباط الجدد لم يكونوا بعد فى موقف يسمح لهم بمد يد المساعدة السخية ثم إن أوقاف الأديرة القبطية أثرت فيها قوانين إلغاء الأوقاف وهكذا وجد البطريرك نفسه فى مأزق ولم ير الوقت مناسباً أن يفاتح جمال عبد الناصر مباشرة فى مسألة بناء الكاتدرائية فلقد تصور فى الموضوع أسبابا للحرج وهكذا فقد تلقيت شخصياً دعوة من البطريرك لزيارته وذهبت فعلاً للقائه بصحبة الأنبا صموئيل الذى كان أسقفاً بدار البطريركية وفى هذا اللقاء حدثنى البطريرك عن المشكلة وأظهر تحرجه من مفاتحة جمال عبدالناصر مباشرة فى الأمر حتى لا يكون سبباً فى إثارة أى حساسيات ثم سألنى ما إذا كنت أستطيع مفاتحة الرئيس فى الموضوع دون حرج للبطريرك ولا حرج على الرئيس نفسه يقول هيكل
«وعندما تحدثت مع الرئيس عبدالناصر فى هذا الموضوع كان تفهمه كاملاً كان يرى أهمية وحقوق أقباط مصر فى التركيب الإنسانى والاجتماعى لشعبها الواحد ثم إنه كان يدرك المركز الممتاز للكنيسة القبطية ودورها الأساسى فى التاريخ المصرى وتم بناء الكاتدرائية وحضر جمال عبدالناصر احتفال افتتاحها «ذلك الافتتاح الذى واكب مرور 1900 عام على وفاة القديس مرقس اول من بشر بالمسيحية فى مصر
وفى كل الحوادث الكبرى ظهر ذلك التجانس بين المصريين ففى حرب اكتوبر ظهر المهندس باقى زكى الضابط المهندس المسيحى صاحب فكرة استخدام خراطيم المياه لفتح ثغرات خط بارليف وكذلك العميد فؤاد عزيز غالى قائد الفرقة 18 فى حرب أكتوبر ثم قائدا للجيش الثانى الميدانى بعد ذلك ولاينسى المصريون العميد مترى سدراك اول ضابط يستشهد على ارض سيناء وهو صاحب مقوله ان القائد امام جنوده وليس خلفهم وهو الذى خطب فى ضباطه وجنوده بالآية الكريمة «وإن جندنا لهم الغالبون»
سوف تستمر قافلة المصريون فى النجاح وتجاوز محاولات فصم عرى الرابطة التى تجمع تلك الأمة المصرية بعنصريها وهى المحاولات التى لن تتوقف ولكن نجاح المصريون فى إجهاضها سوف يستمر وسوف تستمر تكبيرات الآذان مع أجراس الكنائس مادامت هناك حياة.

 

28_20140814213035cam00111

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *