أمستردام، السبت 22 فبراير 2025
بداية التسعينيات
أمستردام، مطلع التسعينيات. كنت أبني حياة جديدة: غرفة طلابية ضيقة في مركّز المدينة، دراسة اللغة والثقافة الهولندية بجامعة أمستردام، وعمل جزئي للبقاء على قيد الحياة. كل يوم كنت أتعلم الهولندية، أطرق أبواب المراكز الثقافية وبيوت الجيرة، وأبحث عن التواصل. البعض رآني إنسانًا له طموحات. آخرون رأوا فقط غريبًا، صوتًا دخيلًا في محيطهم المألوف.
الجانب المظلم لسوق العمل الهولندي
أول وظيفة نصف وقت؟ قطاع المطاعم والفندقة. هربت من القطاع الذي يسيطر عليه المهاجرون حيث كانت الاستغلالية تُقام علنًا. هنا، ظننت أن اتفاقيات العمل الجماعية تُطبق. وَهْم. حتى هنا: قوائم سوداء للعمال “المشاكسين”، مفردات رواتب مُبتكرة، وثقافة “التوظيف والفصل”. أرباب العمل يلعبوا بالقواعد – بينما العمال يجهلوا حقوقهم.
بداية زائفة
في مقهى فاخر، دخلت في حديث مع مدير. “أنت تتحدث الهولندية أفضل من موظفيّ الهولنديين!” دهشته شعرتُ بها كتصفيق… بفضله حصلت على الوظيفة. أخيرًا شعرتُ بأن المجتمع يراني، ويسمعني. خلال أشهر قليلة، أصبحت مشرفًا على دوام الصباح – حتى فحصت صديقتي، طالبة الحقوق، مفردات راتبي.
سقوط القناع
زميلي مارسيل – المولود والناشئ في شمال مدينة أمستردام – كان دائمًا يتأكد من ساعات عمله. “لا تثق أبدًا في هؤلاء البشر ومفردات الرواتب الخاصة بمطاعمهم ومقاهيهم،” حذرني. وبالفعل النقابة الخاصة بعمال المطاعم والفنادق أكدت لي الأمر: بدلات العطلات مُختفية، العمل الإضافي غير مدفوع. عندما واجهت المدير، انقلب حديثه: أنت لا تستحق ثقتنا بعد هذا اليوم؟” خطط دراستي؟ فجأة أصبحت “غير واقعية” لعامل “جزئي”.
النضال
لجأت لمحامية، بمساعدتها لم أرسل طلبًا بل إنذارًا: “اِدفعوا المبالغ المتأخرة خلال 14 يومًا.” صمت. حتى الساعة 17:40 في اليوم الرابع عشر: بينجو. ظهر المال. مفارقة؟ هم انتهكوا العقد، لكن أنا كنت “الخائن”. درس: العدالة تُنتزع – يورو مقابل يورو.
نظام فاشل
هذه ليست قصة فردية. إنها نظام مهيكل. وظائف تافهة كفخاخ للهولنديين الجدد. بلد يطلب “الاندماج” لكنه يحجب الفرص. نتحدث اللغة، نُساهم – ونُعامَل كمواطنين من الدرجة الثانية. جوازاتنا باللون الأحمر-الأبيض-الأزرق، لكن فرصنا؟ غالبًا رمادية.
الأزمة الصامتة
إذهب بدراجتك الى أحياء المهاجرين. انظر لليمين: مقاهي أنيقة بلافتات “التجارة العادلة”. لليسار: عمال نظافة بلا تأمين بطالة أو معاشات، عمال مؤقتين بوعود ورقية. عالمان، حقيقة واحدة: رفاهيتنا تُدفع من استغلالهم. كم من المواهب تُهدر هنا؟
المفارقة السياسية
الشعبويون يصرحون من وقت لآخر عن “فشل الاندماج”. لكن اسألوا: مَن بنى هذا النظام؟ أرباب العمل الذين يستوردون العمالة كسلع قابلة للاستهلاك. حكومات تُغْمض عينيها – حتى تنفجر فضيحة جديدة. حتى الهولنديون الجدد يصوتون الآن لليمين المتطرف. ليس اقتناعًا. بل يأسًا.
وقت التحرك
أنا لا العب دور الضحية هنا. لكن هذا نداء كفاح:
– أوقفوا الاستغلال في قطاع المطاعم والفندقة، البناء، الزراعة، النظافة، والنقل– نفذوا القانون بلا رحمة
– اعترفوا بالهولنديين الجدد كجيران، لا “ضيوف” – الاندماج يبدأ بحوار متساوي
– حطموا الجدران– الموهبة تزهر فقط عندما تُترك لتتدفق
بعد 35 عامًا من وصولي، أقف هنا. لا كمهاجر ممتن. لا كناشط غاضب. ولكن كمواطن شريك في ملكية هذا البلد. السؤال يبقى: هل ترون ذلك أيضًا؟
لأن الاندماج ليس طريقًا ذا اتجاه واحد. إنه مرآة. هل تجرؤ هولندا على النظر فيها؟
عاطف حمدي، ماجستير
في العلوم السياسية ومواطن