بقلم: الأستاذ الدكتور / محمد بركة
أستاذ أمراض التخاطب بكلية الطب – جامعة عين شمس
قد يتساءل البعض ما سبب دراسة هذا الموضوع هذه الأيام ؟ فنقول : أن أمراض التخاطب قد زادت فى التوائم لأن نسبة حدوث حمل التوائم ذاتها قد زادت فى الثلاثين عاماً الأخيرة بنسبة 75%، ففى عام 1980 كانت نسبة حدوث حمل التوائم 19 من كل ألف ولادة، أما فى عام 2009 فأصبح هذا العدد 33,3 من كل ألف ولادة.
وما سبب زيادة احتمالية حدوث حمل التوائم ؟
يرجع هذا إلى المتقدم الجبار فى علاج العقم (تأخر الإنجاب) وحتى عندما يحدث الحمل يكون عمر الأم عند هذا الحمل قد كبر والمعروف أن نسبة حدوث العيوب الخلقية تزيد بزيادة عمر الأم (والأب أيضاً نادراً) ويحدث هذا الحمل بعد عدة محاولات ويكون فرصة حدوث العيوب الخلقية أكثر.
وما هو التقدم الذى حدث فى علاج العقم (تأخر الإنجاب) ؟
يرجع هذا إلى :
(أ) التقدم فى العلاج بالأدوية المحفزة على التبويض فبدلاً من أن ينتج المبيض بويضة واحدة كل شهرين بالتبادل مع المبيض الآخر ينتج المبيض عدد أكبر من البويضات وإذا أخصبت هذه البويضات بعدد مماثل من الحيوانات المنوية زادت فرصة حدوث الحمل المتعدد.
(ب) التقدم فى تكنولوجيا الإخصاب المساعد وهو ما يعرف مجازاً بأطفال الأنابيب حيث يتم الإخصاب “معملياً” لأكثر من بويضة لضمان حدوث ولو جنين واحد، فإذا حدث ونجحت هذه العملية ونمت هذه الزيجوتات كلها أو غالبها حدث حمل متعدد (توائم) أيضاً.
ومن أين تأتى مشاكل الحمل المتعدد (التوائم) ؟
تأتى المشاكل من أن فراغ الرحم المفترض أن يكون لجنين واحد يصبح فيه أكثر من جنين وكلما زاد عدد الأجنة داخل الرحم صغر حجم هؤلاء التوائم وقلت فترة حملهم التى تصبح من 2 – 3 أسابيع قبل الموعد الطبيعى، كما أن غذاء (جلوكوز + أكسجين) الأم المفروض أن يكون لجنين واحد يصبح مقسماً على أكثر من واحد وبالتالى صغر حجمهم وقل الوزن عند الولادة لكل توأم.
والأرقام تقول أن 90% من التوائم يقل وزنهم عن 2500 جم عند الولادة.
يضاف إلى ذلك مجهود الأم الذى سيقسم على عدد الأجنة بدلاً من واحد ودخل الأسرة المقسم على أكثر من طفل فى نفس الوقت.
أى أنه كلما زاد عدد التوائم كلما قلت فترة الحمل وقل الوزن عند الولادة وزادت المخاطر على الأم وعلى الجنين.
وما هى المخاطر على الأم من حمل التوائم ؟
تزداد احتمالية تسمم الحمل وسكر الحمل والأنيميا وسوء عمل (وظيفة المشيمة).
وما هى المخاطر على الجنين ؟
(1) قلة الوزن عند الولادة وهذا هو العامل الأخطر.
(2) قلة فترة الحمل بـ 2 – 3 أسابيع عن الطبيعى.
(3) كثرة العيوب الخلقية فى التوائم.
(4) احتمالية الأمراض الوراثية أكثر فى التوائم.
(5) ازدياد حدوث صفراء حديث الولادة.
وكيف تحدث المشاكل للجنين ؟ ولأطفال الأنابيب ؟
صغر الوزن ونقض الأكسجين وزيادة نسبة الصفراء تؤدى إلى إضطراب فى الجهاز العصبى المركزى وهذه تحدث بمعدل تسعة أضعاف الحمل المفرد، حيث تؤدى الصفراء إلى ضمور المادة الرمادية بالمخ والأدوية التى تعطى لتمدد الرئة قبل الولادة تؤدى إلى ضمور المادة البيضاء بالمخ، أما نقص الأكسجين فيؤدى إلى ضمور المادتين.
وما هى أمراض التخاطب التى تحدث للتوائم من هذا ؟
أولاً : (1) أمراض اللغة الناتج عن ضعف سمعى :
نتيجة لزيادة نسبة الصفراء حيث أن المخ البشرى حساس لزيادة الصفراء بأى كمية كما يحدث تأخر نمو اللغة من الضعف السمعى الحسى العصبى مهما كانت درجته وإن كانت الدرجة ضئيلة.
(2) تأخر نمو اللغة النوعى : وهذا يحدث لـ 72% من التوائم المتماثلة و 49% للتوائم غير المتماثلة.
(3) نسبة حدوث الطفل كثير الحركة وتشتت الإنتباه ثمانية أضعاف حمل المفرد.
(4) نسبة حدوث الشلل الدماغى (التوافقى) أربعة أضعاف فى التوائم عن حمل المفرد.
(5) يحدث التوحد فى 60% من التوائم المتماثلة و 5% فى التوائم غير المتماثلة.
ثانياً : أمراض النطق : يحدث التلعثم فى 63% من التوائم المتماثلة و 19% من التوائم غير المتماثلة، كما تحدث جلسة كلامية ناتجة عن زيادة نسبة الصفراء بالأنوية القاعدية بالمخ.
ثالثاً : أمراض الصوت :
* احتمالية حدوث عيب خلقى خطير فى الحنجرة (انسداد الحنجرة) وارد وهذا مميت إذا لم نعرفه أثناء الحمل واستعددنا له عند الولادة.
* نظراً لأن التوائم غالباً لهم نفس العادات الصوتية فنسبة حدوث الحبيبات الصوتية فيهم واردة.
هل هناك عوامل مجتمعية تزيد من تأثير الإعاقة التخاطبية فى التوائم ؟
نظراً لأن هذه الأسر قد وهبها الله هذه الأطفال بعد عدة محاولات ونفقات مالية كبيرة فيحيط أهل هؤلاء الأطفال بعزلة مجتمعية شديدة من خوفهم عليهم من الحضانة والأحوال الجوية المتقلبة فهذا يزيد فرصة حدوث تأخر نمو اللغة، وقد تفضل الأم أحد هذين التوأمين على الآخر وتتكلم معه طوال الوقت وتهمل الآخر ويتعرض الأخير لتأخر نمو اللغة أيضاً، ولا ننسى مجهود الأسرة والعبء المادى على الأسرة فى نفس الوقت أيضاً هذه كلها عوامل تزيد من ضراوة أمراض التخاطب.
وبعد هذا السرد التفصيلى عن أمراض التخاطب فى التوائم، ما هى النصائح للوقاية من حدوثها وللحد من تأثيرها ؟
1 – نلفت نظر أطباء أمراض النساء والتوليد إلى زيادة احتمالية حدوث أمراض التخاطب فى التوائم فإن أمكنه مراعاة كمية الهرمونات التى تنشط التبويض أو عدد الأجنة المخصبة معملياً نقدم له الشكر ما أمكن ذلك.
2 – يرجى من طبيب الأطفال أن يسجل “كتابة” وزن كل جنين عند الولادة وفترة الحمل كاملة أو ناقصة وهل حدثت صفراء أو نقص أكسجين عند الولادة أو إن كانت هناك أى عيوب خلقية فى هؤلاء.
3 – إنتباه الأسرة لضرورة عمل قياس سمع عند الولادة وهذا يتم الآن عالمياً بمسح شامل للسمع فى اليوم الأول للطفل وهذا إجراء يتم فى ثلاث دقائق بالضبط.
4 – تراقب الأسرة التطور الحركى واللغوى والتفاعل للطفل وإخبار طبيب الأسرة بأى تأخر فى النمو الحركى والتطور المعرفى أو اللغوى عن الطبيعى للتدخل بالتدريبات والحضانة بعد التقييم الشامل مبكراً.
5 – إذا وجد طبيب أمراض التخاطب توأماً به مرض تخاطب فالأجدر به أن يقيم الطفل (التوأم) الآخر حتى وإن أخبرته الأسرة أن التوأم الآخر ليس به أى أمراض تخاطبية فالأوقع هو تقييم التوأم الأخر حتى وإن وجدنا قدراته اللغوية والمعرفية فعلاً طبيعى حتى لا يتأخر أى من أطفالنا فى اللغة والتعلم والإندماج فى المجتمع.