في مقدمة الكتاب
من المعلوم أن العرب قبل الإسلام لم يكن لديهم فكر منظم، ولكن كانت لديهم حِكَم متفرقة ونظرات فلسفية متمثلة فيما خلفوه لنا من نثر وشعر. ولم تكن هذه الحكم المتفرقة والنظرات الفلسفية المتناثرة تعني شيئًا أكثر من كونها من فلتات الطبع وخطرات الفكر وهكذا لم تكن المعارف المختلفة التي لديهم في شتى مناحي الحياة تدخل في باب الفكر العقلي المنظم أو المذاهب الفكرية المتكاملة؛ فهذا أمر لم يعرفه العرب إلا بعد ظهور الإسلام الذي بعث فيهم روحًا فكرية واعية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وصاغ الإسلام حياتهم صياغة جديدة جعلها ترتبط بأعلى الغايات وأسمى القيم، ونقلهم إلى آفاق فسيحة من العلم والمعرفة، وبذلك استطاعوا أن يقيموا صرح دولة عظمى تمتد من أقصى الصين شرقًا إلى أقصى الأندلس غربًا. وأنشئوا حضارة زاهرة كانت من أطول الحضارات عمرًا في التاريخ. وفي المناخ الجديد ازدهرت العلوم والمعارف على اختلاف أنواعها، وأسهم المسلمون في بناء الفكر الإنساني إسهامًا عظيمًا، وأصبح لديهم علم وفلسفة وفكر وفقه وفن. وقدموا كل ذلك للإنسانية لتنهل من معينه وترتوي من نبعه، ولم يكن ليحدث ذلك كله إلا إذا كانت تعاليم الإسلام ذاتها تشتمل على العناصر الأساسية لهذا التحول العظيم. والإسلام عندما يخاطب العقل فإنه يخاطبه بكل ملكاته وخصائصه؛ فهو يخاطب العقل الذي يعصم الضمير ويدرك الحقائق، ويميز بين الأمور، ويوازن بين الأضداد. وإذا كانت وظيفة العقل على هذا النحو فإن محاولة تعطيله عن أداء هذه الوظيفة يعد تعطيلاً للحكمة التي أرادها الله من خلق العقل، مثلما يعطل الإنسان حاسة من الحواس عن أداء وظيفتها التي خُلقت من أجلها. وهؤلاء الذين يفعلون ذلك يصفهم القرآن بأنهم أحط درجة من الحيوان. ويعتبر الإسلام عدم استخدام العقل خطيئة من الخطايا وذنبًا من الذنوب، قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير. فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ…}. الملك: (10، 11).ولهذا كانت دعوة القرآن للإنسان لاستخدام ملكاته الفكرية ـ دعوة صريحة لا تقبل التأويل؛ فقد جعل الإسلام التفكير واجبًا دينيًّا وفريضة إسلامية، وإذا كانت ممارسة الوظائف العقلية تعد واجبًا دينيًا في الإسلام فإنها من ناحية أخرى تعد مسئولية حتمية لا يستطيع الإنسان الفكاك منها وسيحاسب على مدى حسن أو إساءة استخدمه لها، كما يُسأل عن استخدامه لباقي وسائل الإدراك الحسية، وفي ذلك يقول القرآن الكريم: {… إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}. الإسراء: (36).وقد اختص الله تعالى الإنسان بالتكليف والمسئولية، وخلق له هذا الكون الفسيح بما فيه ليمارس فيه نشاطاته المادية والروحية على السواء، قال تعالى: {يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون. وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. النحل: (11، 12).لقد كان حجر الأساس في هذا البناء الجديد يتمثل في نظرة الإسلام إلى الإنسان؛ فالإسلام ينظر إلى الإنسان على أنه خليفة الله في الأرض، وقد فضله الله على جميع الكائنات وكرمه أعظم تكريم كما تعبر عن ذلك آيات كثيرة في القرآن الكريم. وهذه الكرامة التي اختص الله بها الإنسان كرامة ذات أبعاد مختلفة؛ فهي حماية إلهية للإنسان تنطوي على احترام حريته وعقله وفكرة وإرادته، وتنطوي أيضًا على حقه في الأمن على نفسه وماله وذريته.
وقد قرر الإسلام وحدة الأصل الإنساني؛ فالله قد خلق الناس جميعًا من نفس واحدة، واعتبر الإسلام المساس بحقوق أي فرد من الأفراد أو الإجرام في شأنه بمثابة اعتداء على الإنسانية كلها، واعتبر تقديم العون والمساعدة لأي فرد بمثابة إحياء للإنسانية. وشرع مَن قبلنا شرع لنا ما لم يرد نص بالإباحة أو التحريم حيث قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا…}.
المائدة: (32). وبما أن الله سبحانه وتعالى قد سخر للإنسان كل المقومات فلابد ألا يستخدمها إلا في الخير ولا يستخدمها في الشر، ولا يجوز للإنسان أن يقف من الكون المسخر له موقف اللامبالاة، بل ينبغي عليه أن يتخذ لنفسه منه موقفًا إيجابيًّا، وإيجابية تتمثل في دراسة الكون والبحث فيه بالتفكير وحرية الرأي؛ وذلك للاستفادة منه بما يعود على البشرية بالخير. والاستفادة من كل هذه المسخرات في هذا الكون لا تكون إلا بالعلم والتفكير والدراسة والفهم والنظر في ملكوت السماوات والأرض، مما سيؤدي إلى الرقي المادي والرقي الروحي والحضاري، قال عز وجل:
{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ}.الرحمن: (33).ومن منطلق حرص الإسلام على ممارسة العقل لوظائفه التي أرادها الله ـ كان حرص الإسلام شديدًا على إزالة كافة العوائق التي تعوق العقل عن ممارسة نشاطاته، ومن أجل ذلك عمل الإسلام على تحطيم هذه العوائق ليشق العقل طريقه إلى الفهم الصحيح والتفكير السليم. ويتجلى لنا ذلك واضحًا في رفض الإسلام للتبعية الفكرية والتقليد الأعمى. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك حين قال: (لا يكن أحدكم إِمَّعة)، أي مقلدين للآخرين تقليدًا أعمى. كما قضى الإسلام على الدجل والشعوذة والاعتقادات الخرافية والأوهام؛ فلا ضُرَّ ولا نفع إلا بإرادة الله الذي هو أقرب إلينا من حبل الوريد. وقد ركز الإسلام على المسئولية الفردية وحرر الفرد المؤمن بعقيدة التوحيد من الخوف من أي سلطة دنيوية، ورَفَعه إلى مقام العزة التي كتبها الله لنفسه ولرسوله وللمؤمنين. وقد قرر الإسلام مبدأ الاجتهاد؛ حتى يعتمد العقل على قدراته فيما لم يرد فيه نص ديني.
وهكذا أطلق الإسلام سلطان العقل من كل ما كان يقيده، وخَلَّصه من كل تقليد كان يستعبده. ومَن نظر إلى الإسلام كدين يجد أنه يُقدِّر المفكرين، لذا اعتبر الإجماع دليلاً من أدلة أحكامه تقديرًا لجهدهم واحترامًا لدورهم في كشف ما غمض على العقول. والناظر لتاريخ الأمة يعرف أنها توسعت في مجال الفكر والمعرفة حتى القرن الرابع الهجري، ثم بدأت في التقلص والضمور من القرن الخامس الهجري؛ حيث بدأت المجتمعات الإسلامية في غيبوبة الكسل والخمول بسبب ما تراكم عليها من هموم الاستعمار ونكد الفرقة وتمزق الجماعة. ولكن الركود الذي أصاب الأمة حرك المؤسسات الدينية لتعلب دورًا رائدًا في نشر العلم والثقافة وتنشيط جهود المخلصين من أبناء هذه الأمة الذين يحملون الرغبة في التجديد الفكري، وأصبح لهم دور علمي لتصحيح الاتجاهات في مسار الحركة الإسلامية. وإذا كانت الأمة الآن في أدنى مرتبة علمية قياسًا على غيرها من الأمم ـ فذلك لأن الأمة الإسلامية تعرضت للاستعمار ولهزائم شتى، فضلاً عن أن الغاصب استباح دماء أبنائها الذين تعرضوا لكثير من أنواع الخداع والاستغلال، فضلاً عن تعمد لتشويه سمعتهم والنيل من أمجادهم. فعلى العلماء أن يجددوا الفكر الصحيح وأن يربطوا الناس بخالقهم عن طريق القرآن الكريم الذي هو أساس الفكر الواعي المستنير. وتبدأ مهمة إصلاح الفكر الإسلامي عن طريق التوعية والعمل على تفقه طبيعة الأزمة التي عاشتها الأمة وتحديد معالم العلاقة بين قصور الفكر وقصور منهجيته وبين غياب الأمة ومؤسستها ونظمها. وعندما تتمكن الأمة من العلم النافع وتهتدي إلى تصحيح علاقتها الأصلية مع الإسلام بالقرآن الكريم والسنة المطهرة ـ تستطيع أن تعود إلى قوتها وأصالتها في الفكر العالمي؛ لأن القرآن هو الصلة الوثيقة بين الإنسان وغيره لتأصيل المعلومات وتصحيح الفكر وإنارة معالم الحياة. وصدق الله العظيم إذ يقول: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}. الأنعام: (122).ومع ذلك فالقرآن أخذ منهج الأدب في طلب العلم، وأدَّب الإنسان بالآداب العظيمة والأخلاق العالية الرفيعة ليحفظ كل شخص احترامه واحترام الآخرين له، وكان الغرض من ذلك أن يعيش المجتمع في أمن وسلام ورخاء. قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا}. الفرقان: (63). الإسلام دين كَرَّم العلم ودعا إليه عن طريق النظر والتأمل في ملكوت السماوات والأرض، وهو يمنح الفكر حريته، وهذا أمر تضافرت عليه الأدلة، ويكفي أن سبيل دخول الإسلام هو العلم والبرهان الساطع. والقرآن وضح لنا آداب الحوار؛ لأن الحوار وسيلة اتصال بين اثنين أو أكثر. وهو أهم نوع من أنواع الاتصال الجماهيري. ولما كانت للكلمة الهادئة أثرها الهادف في ترقيق العواطف الجانحة وتسكين النفوس الثائرة وتهدئة الأعصاب المتوترة ـ نَبَّه الله نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته إلى أن يعملوا على انتقاء الكلمات التي تتصف بالحكمة وفيها الموعظة المتسمة بالحسنى؛ لتصل دعوة الإسلام إلى مسامع الدنيا فيُقبل عليها الناس ويستمعون إليها. لذا قال عز وجل: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ…}. النحل:(125).
ذلك منهج الإسلام في العلم فعلى الدعاة أن يفتحوا قلوبهم لكل الناس، وأن يقيموا جسرًا للتفاهم في جو يسوده السلام مع مَن طلب العلم حتى ولو كان مشركًا. قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ…}. التوبة: (6).ورسول الإنسانية كانت لكلماته النيرة أثر عظيم في تهدئة النفوس الثائرة التي رفضت ما معه من علم حتى جاء القرآن الكريم يعلمه الرد عليهم.
قال تعالى: {قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ. قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ}.سبأ: (25، 26). لذلك انتشرت دعوته كالنسيم من بيت إلى بيت، بل انطلقت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم في الآفاق تستمع الدنيا إلى كلماتها المشرقة بأنوار الإيمان التي تدعوا إلى العلم والرفق ونشر المحبة وتدعيم السلام بالعلم والحجة. قال تعالى: {…وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِين}. سبأ: (24). القرآن الكريم له أساليب متنوعة تختلف من آية إلى أخرى؛ ليشد انتباه السامع ويبهره عندما يتلوه على الوجه المراد.
فشرفنا منوط باعتزازنا بهذا الكتاب العظيم، وعزنا راهن ببقاء هذا الذكر الحكيم؛ فهو الحق المبين، والدواء الناجع، والإعجاز القاطع، مَن تمسك به نجا ومَن حاد عنه غوى، وضل ضلالاً مبينًا؛ فهو أفضل العلوم، وهو منهج حياة ودستور أمة، حوى طالبه الدنيا والآخرة. اللهم اجعلنا من أهله. آمين. و يعتبر البعض أن أرسطو واضع علم المنطق أنه رائد الفكر للبشرية من خلال نظرياته وآرائه وقوانينه والبعض الآخر يجعل كلمات أرسطو لها القداسة لذلك فى هذا الكتاب التفكير أعرض لك أخى القارئ النقد العلمى لمنطق أرسطو دون تهجم عليه وأعرض الجوانب الإيجابية لهذا المفكر الذى هو بشر قد يخطئ ويصيب وليس هو نبيا من الأنبياء من خلال :-الاستفادة من الظروف المحيطة به ، السفسطائيون – سقراط – أفلاطون ، تتلمذ أرسطو على يد أفلاطون ، نقد أرسطو لأستاذه أفلاطون فى بعض القضايا ، استفادة أرسطو من طريقة الجدل الأفلاطونية ، أرسطو اقل من أفلاطون فى الخيال و الرياضة ، منطق أرسطو ، تعريف أرسطو للمنطق ، موضوع المنطق الأرسطى و أقسامه ، نقد منطق أرسطو لدى علماء الإسلام ولدى الغربيين و مع ذلك فهو موضع اهتمام و له مجالات كثيرة غير المنطق فى السلوك والأخلاق و علم النفس و الفلسفة ثم كان التعقيب بعد ذلك فى حقيقة التفكير السليم الذى هو وحى من الله سبحانه و تعالى ففى الكتاب مجالات التفكير – وكيف يدعو الله سبحانه وتعالى لنفكير فى فهم النصوص – ومن هو المفكر – وأسباب الفقر الفكري في العالم الإسلامي و كيفيه معالجته – وآخر الكتاب فضل المفكرين من خلال الشعراء و الأدباء
و كان خاتمتها مسك بفضل اقوال أشرف الخلق سيدنا محمد في التفكير
