قبل تقفيل السنة المالية بالشركات ، والغالبية العظمى من البنوك ،اعلنت بعـض الشـركات من خلال 9 جمعيات مستثمرين ، عن مشكلة كبيرة تواجه الشركات بعد تحرير سعر الصرف ،
الا وهى فروق العملة على المديونيات الدولارية على الشركات لصالح البنوك ، الاعلان جاء من خلال مؤتمر صحفى لممثلى هذه الشركات ، الى جانب استغاثة فى الصحف فى اليوم التالى مباشرة للمؤتمر الصحفى ، من افلاس وتصفية نشاط هذه الشركات فى حال عدم ايجاد حل لهذه المشكلة ، ما هى حقيقة هذه المشكلة؟ وماهو حجمها؟ ومن يتحمل اعبائها ؟وهل من المعقول او المناسب اقتصاديا ان تتحمل البنوك اعباءها ؟ .
بداية القضية ترجع الى يناير 2013 ، عندما اصدر محافظ البنك المركزى السابق هشام رامز قرارا للبنوك بتقديم ومنح تسهيلات ائتمانية بالعملات الاجنبية لعملائها من المنتجين لاستيراد خامات ومستلزمات الانتاج والسلع الاساسية ، ،على ان يقوم كل عميل بتغطية قيمة التسهيلات الدولارية بالجنيه زائد 10% من القيمة ، لدى البنك ،من اجل استمرار دفع عجلة الانتاج وتوفير السلع الاساسية بالاسواق ،والتيسير على المنتجين والمستوردين لهذه السلع الاساسية ، لحين قيامهم بتدبير قيمة هذه التسهيلات من العملات الاجنبية ، التى تعتبر فى حكم المديونيات على العميل ، اذن الامر محسوم لدى الطرفين ، حيث اصبح على العميل المستفيد من هذه التسهيلات تدبير العملة الاجنبية لسداد قيمة هذه المديونيات ، واسترداد هذا الغطاء بالجنيه ..وقد استمر البنك المركزى فى تشجيع البنوك على الاستمرار فى هذا النهج بعد تولى محافظ البنك المركزى الحالى طارق عامر .
الهدف من القرار استمرار حركة التجارة ودفع عجلة الانتاج والاداء الاقتصادى ، وتوفير السلع الاساسية ، والتى حددها البنك المركزى وفق قائمة اطلق عليها قائمة السلع الاساسية وتشمل السلع الغذائية الى جانب مستلزمات الانتاج والآلات والمعدات وقطع الغيار للمصانع الى جانب الادوية والامصال والمبيدات ، وقد استفاد من هذا الامر جميع الاطراف ، وحافظ على استقرار الاسواق وعدم شعور المواطن بنقص او غياب فى هذه السلع بالاسواق ، كما ساعد الشركات على التصدير وفق الجداول الزمنية الملتزمة بها، اضافة الى حصار السوق الموازية من خلال تلبية طلبات تدبير العملات الاجنبية للطلب الفعلى لاستيراد الاحتياجات الضرورية والمهمة للانتاج والاستهلاك .
استفاد من القرار عملاء البنوك كما استفاد الاقتصاد ، بما فيها البنوك ، حيث ان قيمة تغطية هذه التسهيلات الدولارية بالجنيه لديها تفوق قيمتها بنسبة 10% ، دون حصول العميل على فوائد على هذه الاموال ، وفى نفس الوقت ،يقوم كل بنك بالحصول على تعهدات مكتوبة من كل عميل بالتزامه وتعهده بتدبير المديونية الدولارية مع تحمل مخاطر تقلبات سعر الدولار ، وفى المقابل فقد استفاد عملاء البنوك – المستفيدون من هذه التسهيلات الدولارية حيث لم يكن من السهل تدبير الدولار من السوق الموازية ، كما ان الغالبية العظمى- ان لم يكن الجميع – كانوا يقومون بتسعير منتجاتهم والسلع المستوردة بسعر الدولار فى السوق الموازية ، وهذا امر يعرفه جميع المراقبين ، وليس خافيا على احد ممن يتابعون الاسواق .
عندما تولى طارق عامر منصبه قام بتغطية نحو2مليار دولار من مديونيات المستوردين الدولارية لدى البنوك بسعر الصرف وقتها 7.83 جنيها للدولار ، واعلن ان الهدف هو تشجيع المنتجين والمستوردين من اصحاب هذه المديونيات الدولارية بتسعير منتجاتهم والبضائع والسلع الاساسية بسعر الدولار الرسمى بالبنوك ،لصالح المستهلك ، وايضا من اجل زيادة تنافسية المنتج المصرى ومساعدته على التصدير ، وبالتالى زيادة موارد العملة الصعبة ، وقد اسهم ذلك الامربالفعل فى تهدئة الاسعار بالفعل بالاسواق ،وقد استمرت عمليات البنوك فى تقديم التسهيلات الدولارية لعملائها من اجل استيراد قائمة الاولويات التى حددها البنوك المركزى ، الى ان صدر قرار تحرير سعر الصرف ، والذى ادى الى تضاعف قيمة هذه المديونيات ، واصبح الامر يحمل فى طياته مخاطر على البنوك ، واصحاب هذه المديونيات ،مع التأكيد على استمرار مطالبة البنوك لعملائها بضرورة تدبير الدولار وتسديد مديونياتهم تحسبا لمخاطر ارتفاع سعر الدولار وزيادة الاعباء، الى ان وصل الامر الى تضخم حجم هذه المديونيات الدولارية .
يبقى السؤال المهم ، من يتحمل المسئولية ؟ وهل اخطأت البنوك فى منح التسهيلات الدولارية للمنتجين والمستوردين لمساعدتهم على توفير مستلزماتهم واحتياجات السوق ؟ وهل لم يكن اصحاب هذه المديونيات على علم وبينة من تحمل مخاطر تقلبات سعر الدولار ؟
لاشك ان قرار المركزى كان لصالح الاقتصاد بالدرجة الاولى ، كما ان اقبال البنوك – اختياريا – حيث تتفاوت نسبة وحجم المشكلة لدى كل بنك وفقا لمدى استجابته وتحوطه فى تنفيذ هذا الامر – على تنفيذ القرار ، كان ايضا من اجل الحفاظ على عملائها واستمرار النشاط فى فتح الاعتمادات وتمويل نشاط التجارة الخارجية ، مع أخذ التحوط اللازم من خلال الضمانات فى الزام العميل بتدبير العملة مع تحمل المخاطر كاملة ازاء تقلبات وارتفاع سعر الدولار .
المنتجون والمستوردون ، استفادوا ايضا ، من تدبير البنوك للدولار، مع قيامهم بتسعير السلع والمنتجات بسعر الدولار بالسوق الموازية ، وهل فوجئ اصحاب هذه المديونيات بقرار تحرير سعر الصرف ؟
وهل كان من الملائم اللجوء الى ممارسة الضغوط على البنوك من جانب اصحاب هذه الشركات ؟ ام كانت هناك وسائل اخرى للتفاوض والوصول الى حلول ملائمة لهذه المشكلة ، خاصة وان محافظ البنك المركزى يؤكد فى كل مناسبة على حرصه الشديد على دعم البنوك للانتاج المحلى ، وحل المشكلات التى تواجه ذلك ،لاشك ان الوسائل الاخرى كانت افضل ، وهو الامر الذى اكد عليه رئيس اتحاد جمعيات المستثمرين محمد فريد خميس ، وذلك من خلال عقد لقاءات مع محافظ البنك المركزى ، لبحث الموقف والحلول المناسبة لهذه المشكلة ، كما تحقق فعليا من خلال اجتماع المهندس محمد السويدى رئيس اتحاد الصناعات ،مع محافظ البنك المركزى حيث تم الاتفاق على جدولة المديونيات على 3 سنوات ، مع تثبيت قيمة الدولار لهذه المديونيات ولم يستغرق الامر سوى ساعة او اقل .. اذن الامر لم يكن يحتاج الى كل هذا التضخيم بل كان يتطلب مزيدا من الحكمة والبحث عن الوسائل الملائمة !
الاقتصاد المصرى يمر بمرحلة مهمة، تحتاج الى تكاتف وتضافر جميع الجهود ، وتقاسم الخسائر والتداعيات السلبية ، كما ان القطاع المصرفى هو شريان الاقتصاد والداعم الاساسى للانتاج المحلى .