ضرغام الدباغ / برلين
الجولة الثانية تمت، وفرزت الأصوات، وأصبح الجميع أمام موقف جديد يتسم بالجدية التامة، والفرز أسفر كما يلي :
انتخابات البرلمان الفرنسي : توزيع المقاعد ومجموعها : 577 مقعد
193 التحالف اليساري
166حزب ماكرون
139 اليمين المتطرف
63 الجمهوريون
15 آخرون
أي أن كافة الأطراف لا تمتلك الأكثرية، ويتعين عليها حتما إقامة، تحالف/ ائتلاف( coalition) وهذا ينطوي على تقديم تنازلات للطرف الأقوى الذي يقود التحالف. وهنا في حالة فرنسا، فإن على الطرف الفائز (التحالف اليساري إما أن يقيم تحالفاً مع اليمين المتطرف، وهو مستبعد، أو مع حزب مكرون.
اليمين الحزب الفائز بالمرتبة الثالثة، لا أحد يريد التحالف معه، ولكن ….. لا بد من تشكيل ائتلاف متماسك للوصول إلى 289 نائبا” في المجلس النيابي المؤلف من 577 مقعدا.
حزب مكرون / الوسط (يمين معتدل) سيلعب على حبال الأئتلاف، إذا تحالف مع اليمين المتطرف بصفقة تنازلات، وهذا ما مرجح ويلوح في الأفق، فأنه سيبقيه في سيطرة جزئية، ولكن اليمين المتطرف يدرك أن مكرون وحزبه يلجأن لذلك مضطرين ومرغمين، وسوف يتوازن في طلباته، ولكنه سوف لن يقبل بأقل من مراكز مهمة في الدولة، وتنفيذ بعض من طلباته، وعينه على الانتخابات المقبلة.
ولكن من المستبعد أن يقبل مكرون وحزبه اليمني المعتدل التحالف مع اليسار ككتلة واحدة، وهناك أطراف يسارية متشددة حيال الموضوعات الاجتماعية / السياسية الداخلية والخارجية. ولكن مكرون إذا توصل (وها محتمل بدرجة ما) إلى إحداث بغثرة في أصوات التجمع اليساري، فلربما ستتغير معطيات الموقف، وهذا ما سيحاول مكرون فحصه قبل أن يقرر قراره.
هل يقبل مكرون بالتفاهم مع اليمين المتطرف، على الأرجح نعم، فهم في الأخير من فئة واحدة (بتقديري)، فاليمين المتطرف تاريخياً لم يحرز الكاسب إلا بالتفاهم والتحالف مع اليمين الوسط كبداية لمرحلة التفوق التام،، فاحزاب الوسط كحزب مكرون هي يمينية في الواقع، ولكنها أقل تطرفاً وعدوانية (قليلًا أو كثيراً) من اليمين الفاشي، وأحزاب اليمين الوسط تجد اللغة المشتركة مع اليمين المتطرف أكثر وأسهل عليها من التفاهم مع قوى اليسار وخاصة إذا كانت قوى اليسار تهيمن عليها قوى راديكالية، ولم يستوعبوا تجربة اليمين النازي في الثلاثينات.
مكرون إذا تفاوض مع اليسار، فسوف يغالي في طلباته، (فهو باق في سدة الرئاسة حتى يكمل المدة ـــ (7 سنوات)، ولكن بدون أكثرية في البرلمان، حسب توزيع المقاعد في البرلمان. واليسار يدرك أن عدم التفاهم مع اليمين الوسط (مكرون) فهذا يعني أنهم يدفعون بمكرون إلى اليمين المتطرف وهو يمثل مكسباً وتقدما لليمين ومتاعب سياسية ليست سهلة …!
الموقف محرج، ولكافة الأطراف : اليسار والوسط، واليمين المتطرف صدرت منه تلميحات تشير أنه اقترب من الفوز، وعينه على الانتخابات المقبلة، وإن خسر هذه الجولة، لكنه سيبقى بعبع صناديق الانتخابات والرقم الصعب في الإئتلافات البرلمانية، وفي هذه المرحلة سيلعب دور المهدد، والمتسبب بالمتاعب والمعرقل، باعتباره قوة لا يستهان بها في الشارع الفرنسي وسلوكه في هذه المرحلة ستؤثر في الانتخابات المقبلة.
اليساريون دعوا الرئيس مكرون إلى تكليفهم بتشكيل الحكومة، ولكن مكرون وحزبه لدية الوقت الكافي ليعمل على تحقيق أفضل وضع لنفسه وذلك بمحاولات سيبذلها لتفكيك عرى التحالف اليساري المؤلف من عدة قوى …إذ من غير المرجح أن يقبل بالنتائج النهائية كما هي فعلاً.
بتقديري أن السنوات المقبلة في فرنسا هي مرحلة انتقال، قوى اليسار حققت تقدماً ملحوظاً، و استعداداً للانتخابات المقبلة، ستشهد فرنسا تزايداً ملموساً في ظاهرة تعدد الأقطاب السياسية، والتوجه المضاد للاتحاد الأوربي، الذي يشهد تراجعاً في تطويره وتماسكه.