لا يزال معسكر اعتقال يديره الجيش الإسرائيلي، ويحتجز داخله فلسطينيين اعتقلهم خلال الحرب في قطاع غزة، يثير الكثير من الجدل، إذ قالت جماعات معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان إنه “شهد انتهاكات بحق السجناء”.
وفي هذا الصدد، أجرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية تحقيقا بشأن ثكنة “سديه تيمان” العسكرية الإسرائيلية، استمر على مدار 3 أشهر، أجرت فيه مقابلات مع معتقلين سابقين، ومع ضباط عسكريين إسرائيليين، وأطباء وجنود خدموا به.
وقال ممثلون للادعاء للمحكمة العليا الإسرائيلية، إن السجناء في ذلك المعسكر، الذي فُتح بعد هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر على إسرائيل ونشوب الحرب على أثره في قطاع غزة، سيُنقلون بالتدريج لمنشآت احتجاز دائمة، وفق وكالة “رويترز”.
وأضافوا أن “النقل بدأ”، وأن “أغلب السجناء سيوزعون على منشآت أخرى في غضون أسبوعين، مما سيسمح بتحسين ظروف الاحتجاز في الوقت الراهن”.
وقال ممثل الادعاء، أنير هيلمان، في رد على التماس رفعته جمعية حقوق المواطن في إسرائيل للمحكمة، إن 700 معتقل نقلوا بالفعل إلى سجن عوفر العسكري بالضفة الغربية.
كما أنه من المقرر نقل 500 آخرين في الأسابيع المقبلة، مما يبقي 200 فرد في “سديه تيمان” الذي لم تقرر السلطات مستقبله بعد.
والثلاثاء، أعلن الجيش الإسرائيلي تشكيل لجنة استشارية برئاسة رئيس الأركان، لدراسة أوضاع المعتقلين في 3 معسكرات منذ السابع من أكتوبر الماضي، موضحا أن “الظروف الحالية على خلفية العدد منقطع النظير من المعتقلين وعدم اتساع السجون التابعة لمصلحة السجون لاستقبالهم”، تطلبت استمرار احتجاز الكثيرين بمعتقلات وسجون تخضع لمسؤولية الجيش “لفترات أطول مما كان متوقعاً”.
وفي تحقيقها، وجدت صحيفة “نيويورك تايمز” أن “1200 مدني فلسطيني جرى احتجازهم في ثكنة سديه تيمان، في ظروف مهينة”، حيث لم يكن لديهم أي قدرة المثول أمام المحاكم لمدة تصل إلى 75 يوماً.
وأوضحت الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي سمح لطاقمها بالاطلاع لفترة وجيزة على جزء من مركز الاحتجاز، وكذلك إجراء مقابلات مع قادته ومسؤولين آخرين، لكن بشرط الحفاظ على عدم الكشف عن هويتهم.
ووفقا للصحيفة، فقد مُنع المعتقلون أيضاً من الاتصال بمحامين لمدة تصل إلى 90 يوماً، وتم حجب مكان وجودهم عن أقاربهم ومحاميهم.
في المقابل، قال الجيش الإسرائيلي إن هذه الترتيبات “مسموح بها بموجب اتفاقيات جنيف” التي تحكم الصراع الدولي، والتي تسمح باعتقال المدنيين لأسباب أمنية.
وقال القادة في الموقع، إنه “من الضروري تأخير الوصول إلى المحامين من أجل منع مقاتلي حماس من نقل رسائل إلى قادتهم في غزة، مما يعيق المجهود الحربي الإسرائيلي”.
“تكسير للضلوع”
وقال 8 معتقلين سابقين في سديه تيمان، إنهم تعرضوا “للركل والضرب بالهراوات وأعقاب البنادق وجهاز كشف المعادن المحمول، أثناء احتجازهم”.
وذكر أحدهم أن “ضلوعه كُسرت بعدما جرى الجلوس على صدره”، فيما قال سجين آخر إن “ضلوعه كُسرت بعدما رُكل وضُرب ببندقية”.
وزعم 7 معتقلين أنهم “أُجبروا على ارتداء الحفاضات فقط أثناء استجوابهم”. وقال 3 إنهم تعرّضوا “للصعق بالكهرباء” أثناء استجوابهم.
ووفقاً لقادة المعسكر، فإنه بحلول أواخر مايو، كانت إسرائيل قد اعتقلت ما يقرب من 4 آلاف شخص من غزة في “سديه تيمان”، بما في ذلك عشرات الأشخاص الذين تم اعتقالهم خلال هجمات حركة حماس، المصنفة إرهابية، على جنوبي إسرائيل في أكتوبر الماضي.
وقال القادة إنه بعد استجوابهم، تم إرسال نحو 70 في المئة من المعتقلين إلى سجون مخصصة لهذا الغرض لمزيد من التحقيق والملاحقة القضائية.
أما من تبقوا، أي ما لا يقل عن 1200 شخص، فقد تبين أنهم مدنيون وعادوا إلى غزة دون اعتذار أو تعويض، وفق الصحيفة.
وقال معتلقون سابقون إنهم كانوا “معزولين تماماً عن العالم الخارجي، وأُجبروا في بعض الأحيان على الاستماع إلى الموسيقى الصاخبة للغاية التي منعتهم من النوم”. واعتبر عدد منهم ذلك “شكلاً من أشكال التعذيب”، حيث قال أحدهم إنه كان “مؤلماً للغاية لدرجة أن الدم بدأ يسيل من داخل أذنه”.
ومن الذين تحدثوا إلى الصحيفة الأميركية، محمد الكردي (38 عاماً)، وهو سائق سيارة إسعاف احتُجز في ذلك المعسكر أواخر العام الماضي، حيث قضى 32 يوما، لكنه شعر أنهم كانوا 32 سنة، على حد تعبيره.
وأوضح أنه كان قد جرى اعتقاله في نوفمبر الماضي، بعد أن حاولت قافلة سيارات الإسعاف التي كان يقودها المرور عبر نقطة تفتيش عسكرية إسرائيلية جنوبي مدينة غزة.
وبدوره، قال فادي بكر، الذي يدرس الحقوق والبالغ من العمر 25 عاما، إنّه قد اعتُقل في 5 يناير، قرب منزل عائلته.
وأوضح بكر الذي نزح مع عائلته من مدينة غزة بسبب القتال، أن اعتقاله جرى خلال عودته إلى حيه للبحث عن بعض الطحين، لكنه وجد نفسه وسط تبادل لإطلاق النار، حيث أصيب ببعض الجروح.
ولفت إلى أن الجنود الإسرائيليين عثروا عليه وهو ينزف بعد توقف القتال، قائلا إنهم “جردوه من ملابسه، وصادروا هاتفه ومدخراته، وضربوه مراراً واتهموه بأنه مسلح نجا من المعركة”.
وتابع: “هددوني وطلبوا مني أن أعترف وإلا فإنهم سيطلقون النار علي”.
طبيب “يستغرب”.. وجندي “يعترف”
من جانبه، قال يوئيل دونشين، وهو طبيب عسكري يخدم في المعسكر، إنه لم يفهم لماذا اعتقل الجيش العديد من الأشخاص الذين عالجهم هناك، مؤكدا أنه “من غير المرجح أن يكون بعضهم مسلحين شاركوا في هجمات أكتوبر على إسرائيل”.
وشرح قائلاً: “كان أحد السجناء مصاباً بشلل نصفي، وآخر يزن نحو 300 رطل (135 كلغ)، وثالث يتنفس منذ الطفولة من خلال أنبوب جرى إدخاله في رقبته”.
وأضاف: “لماذا أحضروا أولئك الأشخاص إلى المعسكر؟ لا أعرف. لقد كانوا يحتجزون أي شخص على ما يبدو”.
وقال 8 معتقلين سابقين آخرين، إنهم “تعرضوا للكم والركل والضرب بالهراوات وأعقاب البنادق وجهاز كشف المعادن المحمول أثناء احتجازهم”. وأوضح أحدهم أن “ضلوعه كُسرت بعد أن ركله جندي في صدره”، فيما قال آخر إنها كُسرت “بعد أن رُكل وضُرب ببندقية”، وهو اعتداء قال محتجز ثالث إنه “شهده”.
وقال جندي إسرائيلي خدم في نفس الثكنة ورفض الكشف عن هويته، إن زملاءه “كانوا يتفاخرون بضرب السجناء بشكل منتظم”.
ولفت إلى إن أحد السجناء “نُقل للعلاج في المستشفى الميداني المؤقت بالموقع، بسبب كسر في إحدى عظامه أثناء احتجازه، بينما أُخرج آخر لفترة وجيزة بعيداً عن الأنظار وعاد مصاباً بنزيف حول قفصه الصدري”.
وزعم ذلك الجندي أن “فلسطينيا توفي في معسكر الاحتجاز متأثراً بجروح أصيب بها في صدره”، رغم أنه أشار إلى أنه “من غير الواضح ما إذا كانت إصابته قد حدثت قبل أو بعد وصوله إلى القاعدة”، وفق “نيويورك تايمز”.
أما الممرض يونس الحملاوي، البالغ من العمر 39 عاما، فذكر أنه جرى اعتقاله في نوفمبر عقب مغادرته مستشفى الشفاء في مدينة غزة، قائلا إنه “جرى وضعه على كرسي موصول بالكهرباء، حيث تعرض للصدمات لدرجة أنه أصبح يتبول بشكل لا إرادي، قبل أن يتوقف بعد ذلك عن التبول لعدة أيام”.
وفي نفس السياق، ذكر تقرير لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، أن أحد المعتقلين السابقين يبلغ من العمر 41 عاماً، ذكر في شهادته أن “بعض المحققين في الثكنة أجبروه على الجلوس على شيء مثل عصا معدنية ساخنة كالنار”.
من جانبه، قال المعتقل السابق إبراهيم شاهين (38 عاماً)، إنه كان يعمل سائق شاحنة قبل احتجازه مطلع ديسمبر، لمدة 3 أشهر تقريباً.
وادعى شاهين أنه “تعرض للصعق ما يقارب 6 مرات أثناء جلوسه على كرسي”.
ويحقق الجيش الإسرائيلي في وفاة فلسطينيين اعتقلوا خلال الحرب في غزة، إضافة إلى ما جرى في معسكر “سديه تيمان”.
واندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس، إثر هجوم الحركة “غير المسبوق” على مناطق ومواقع محاذية لقطاع غزة في السابع من أكتوبر، والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.
وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل “القضاء على حماس”، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، أسفرت عن سقوط أكثر من 36550 قتيلا، معظمهم من النساء والأطفال، وفق ما أعلنته وزارة الصحة في القطاع.