الرئيسية / مقالات / د. ضرغام الدباغ يكتب.. حقوق الإنسان في ظل الاحتلال

د. ضرغام الدباغ يكتب.. حقوق الإنسان في ظل الاحتلال

د. ضرغام الدباغ/ رئيس المركز الألماني العربي / برلين

حين شرعت الأمم المتحدة لائحة حقوق الإنسان عام( 10 كانون الأول/ديسمبر/ 1948 )، لم يكن ليخطر في بال مشرعيها، ولا المصوتين عليها، أن اللائحة تفتقر بشدة إلى حقوق الانسان في زمن الحروب،  وإلى جرائم الحروب التي هي اليوم الأكثر شيوعاً، وأشد ما تعانيه البشرية.

وبادئ ذي بدء، يستحق التأكيد أن الحرب بحد ذاتها التي وقودها البشر، عمل مخالف لحق الانسان في الحياة، البشر يلجأون للحروب لأنهم يعجزون عن حل مشكلاتهم بواسطة الدبلوماسية، لأن التشبث بالمصالح حتى آخر سنتمتر، تفقد البشرية ملايين الأرواح، من الشباب والنساء والأطفال، فالحروب والاحتلال لا تعني القتلى فحسب، بل وجرحى ومعاقين، وأسرى وأرامل وأيتام،  وفقدان للممتلكات ثقافية وفنية، خاصة وعامة، وبهذا يستوي كافة الأطراف المتحاربة . فالجنود هم الضحايا من كافة الأطراف، والقتلى بالملايين ..! وبعدها مآسي المعاقين والأسرى وتقويض عرى ملايين العوائل، ومشكلات اجتماعية ونفسية للمحاربين الناجين من الحروب تتواصل حتى 50 عاماً بعد الحرب وأكثر …!

البشرية خسرت في الحرب العالمية الثانية 85 مليون إنسان، أي ما يعادل 4% من سكان العالم وقتذاك. وحجم يصعب تقديره من الخسائر الاقتصادية والثقافية لمشكلات سياسية كان يمكن حلها دون اللجوء للحرب، التي لا مكسب فيها سوى الكوارث .ولكن خلف هذه الأرقام كوارث وفواجع إنسانية تفتح أيضاً جراحاً يصعب علاجها، حتى بعد مرور 80 عاماً  على نهاية الحرب، وسنذكر بعض من تلك الأرقام للتذكير، فهناك اليوم من ينفخ في كير الحروب ..

  • قام الجنود الأمريكيون باغتصاب ما يقارب من 190 ألف إمرأة وفتاة وطفلة المانية خلال الحرب العالمية الثانية.. وهذا نصيب الأمريكيين فقط دون حلفائهم .. حيث :
  • قام الجنود البريطانيون باغتصاب 45 ألف فتاة،
  • والقوات الفرنسية 50 الف فتاة .. وهكذا !!
  • بالإضافة لذلك قام الجنود الأمريكان باغتصاب 3,500 فتاة فرنسية، على الرغم من أن الفرنسيين كانوا حلفاء لهم!!

ـــ يقول مايكل ميركسمولر، وهو راهب في قرية رامساو بالقرب من بيرشتسغادن، في 20 تموز 1945، على سبيل المثال : ” ثمانية فتيات ونساء تعرضن للاغتصاب، وبعض منهم أمام والديهم”.

ـــ يكتب الراهب اندرياس وينجاند من بلدة هاغ دير امبير، وهي قرية صغيرة تقع الى الشمال مباشرة من حيث مطار ميونيخ اليوم، في 25 يوليو 1945: كان أتعس حدث أثناء التقدم ثلاث حالات إغتصاب، واحدة منهم كانت امرأة متزوجة، وأخرى امرأة غير متزوجة والثالثة فتاة عذراء عمرها 16 سنة ونصف. ارتكبت من قبل الأمريكيين وهم في حالة سكر شديد”.

ـــ يكتب الراهب الويس شيمي من مونسبرغ في 1 أغسطس 1945:  بأمر من الحكومة العسكرية الأمريكية، كان لابد من تعليق لائحة على كل باب منزل تتضمن أسماء جميع المقيمين وأعمارهم , ونتائج هذا المرسوم ليس من الصعب أن نتخيلها.

سبعة عشر فتاة وأمرأة أحضرت إلى المستشفى، بعد أن تعرضوا لسوء المعاملة جنسيا مرة واحدة أو عدة مرات”. أصغر ضحية مذكورة في هذا التقارير كانت فتاة عمرها سبع سنوات. واكبرهم امرأة عجوز عمرها 69 عاما.ثم نجد أناس من بني جلدتنا يتشدقون بعدل الغرب وحضارتهم ويتهمنا نحن بالإرهاب!.المصدر:  المؤرخة ميريام جيبهارت, عندما أتى الجنود  / als die soldaten kamen

Miriam Gebhardt: When the Soldiers Came

ولكن المأساة الملهاة هي أن يقوم 100 ألف جندي أمريكي، و160 من القوات الحكومية الأفغانية (82 ألف جندي حكومي، 80 ألف شرطي حكومي) وعشرات الألوف من قوات 42 دولة بعمليات عسكرية تستخدم فيها أحدث التكنولوجيا الحربية وأسلحة دمار، بهدف نشر الديمقراطية…..!

ومن الضروري التنويه أن الولايات المتحدة الأمريكية لم توقع على الاتفاقيات الخاصة بمحكمة الجنايات الدولية، كما أنها ترفض إخضاع عناصر قواتها المسلحة للمساءلة بما يقترفونه في البلدان التي تتدخل فيها بأستخدام القوة المسلحة، ومعظمها يخالف نصوص القانون الدولي التي لا تجيز استخدام القوة المسلحة في العلاقات الدولية، وتكتفي بإجراءات وأحكام شكلية للغاية بحق من يرتكب جرائم الحرب أمام جهات قضائية أمريكية حصراً، ومن تلك حادثة إبادة قرية ماي لاي (1968) في الفيثنام في أواسط السبعينات، حيث أدين فيها ضابط أمريكي(ويليام كايلي)، ولكن ما لبث أن غادر السجن قبل انقضاء حكمه(كان قد حكم  بخمسة سنوات) بموجب عفو خاص، ومثل هذا جرى كذلك مع المجندة الأمريكية ليندى انغلاند المتهمة بجرائم حرب في العراق (سجن ابوغريب) أبان الاحتلال الأمريكي غير القانوني للعراق  2003. التي أطلق سراحها وتبؤت منصبا رفيعاً في بلادها. والمجتمع الدولي ما يزال يتعامل للأسف مع العراق بواقعية الاحتلال رغم عدم الشرعية القانونية والدولية للعراق، وهذا ما يضعف مصداقية المنظمة الدولية بدرجة كبيرة.

ويقود الغزو والاحتلال إلى عوامل مدمرة ليس في الدول المحتلة، بل وأيضاً في مجتمعات الدول التي تقوم بالاحتلال، حين يعود الجنود وقد قاموا بعمليات قتل لا علاقة لها بالعمليات الحربية،  ففي جيش الولايات المتحدة بصفة خاصة، تتكرر عمليات القتل العشوائي ( سعار القتل / Amok) الذي يصيب الجنود وبأيديهم أسلحة فتاكة ورخصة بالقتل المجاني، والنتيجة هي: خسائر بشرية كبيرة جداً، معظمها من النساء والأطفال والمدنيين، لأن المقاتلين يعرفون كيف يحمون أنفسهم، وبذلك يتسلى الجنود بقتل الناس الأبرياء غالباً، ولكن جنود الجيوش المحترفة قد امتهنوا  القتل ولم يعودوا جنود .. بل شيئ آخر تماماً، ومعظمهم يعودون إلى أوطانهم محطمين كبشر في مرتبة لا إنسانية، مدمنين على القتل، أو على المخدرات، أو الكحول، يجدون عائلاتهم مبعثرة، وهي أمراض اجتماعية قرأنا عنها الكثير مما يحصل في أميركا بعد حرب فيثنام والحروب الحديثة، بسبب استخدام أسلحة بشعة وفتاكة للغاية، وفي الغالب محرمة دولياً، نستطيع أن نعرف ماذا يصيب الجنود العائدين من جبهات القتال في الحروب الحديثة، فالأمر ليس سراً، وعالم اليوم لا يحتفظ بالأسرار، عن الجرائم في كل ساحات الحروب المخالفة للقانون . ولكن القتلة يبقون خارج المساءلة.

ويمكن أن توجه تهمة جرائم الحرب لأي فرد سواء كان مسؤول كبير كرئيس دولة، أو قائد سياسي أو عسكري، أو لغزاة ممن قاموا بأعمال ترويع، أو تجويع، واضطهاد ديني أو عرقي أو جنسي، أو الإرغام على العمل (أعمال سخرة) سواء ضد شعوبهم أو شعوب أخرى، بما في ذلك تجنيد القاصرين في القوات المسلحة أو شبه المسلحة، بالقيام بنفسه أو بإصدار الأوامر  لتنفيذ هذه الاختراقات، التي تخالف قواعد الحرب، ومنع امتداد آثارها إلى المدنيين وتقديم العون والحماية لهم. وحتى شروط التعامل مع العسكريين من الجرحى والأسرى والقتلى وغيرها مما تنص عليه اتفاقية جنيف 1949، ومن تلك:

  1. القتل العمد.
  2. التعريض للتعذيب الجسدي والنفسي.
  3. إجراء التجارب البيولوجية.
  4. الاستيلاء أو تخريب أموال وممتلكات الغير.
  5. الاعتقال غير القانوني.
  6. أخذ الرهائن.
  7. العقوبات الجماعية أو الثأرية.
  8. الاستخدام الخاطئ للرموز الدولية، واستخدام الثياب العسكرية لدولة أخرى.
  9. تهجير السكان وتغير أماكن إقامتهم بالقوة.
  10. شن هجمات عشوائية بأسلحة ذات تأثيرات واسعة.
  11. ممارسة سياسة التميز العنصري والعرقي والعزل.
  12. استخدام الأسرى كأدوات ضغط سياسية.
  13. الإساءة إلى الرموز الدينية أو الوطنية والثقافية والآثار التاريخية.
  14. استخدام الأسلحة المحرمة دولياً.
  15. استخدام أسلحة تحدث أضراراً وآلاماً لا ضرورة لها.
  16. إلحاق الأضرار بمباني ومجمعات مدنية.

ومن البديهي أن يحتاط فقهاء القانون لتنوع أساليب الانتهاكات ضد الإنسانية، فنلاحظ أن النصوص وشروحها تشير إلى حالات أو ما يماثلها، فعلى سبيل المثال فإن إطلاق صواريخ بعيدة المدى، بالستية، حاملة لرؤوس تقليدية أو كتلوية، أو نووية لا يمكن أن تكون دقيقة الإصابة، لذلك فإن معدل الخطأ قد يبلغ مئات الأمتار، وكذلك استخدام الغازات السامة، أو النابالم السريعة والواسعة الانتشار، والتي تقدر درجة انتشارها لتصيب أشخاص مدنيين لا سيما إذا استهدفت مراكز تجمعات سكانية، أو بإلقاء براميل تحتوي على مواد متفجرة وحارقة غير موجهة، على أهداف مدنية تحدث الكثير من التدمير والإصابات، فهي من المؤكد من جرائم ضد الإنسانية وتدخل في عداد جرائم الحرب.

إن جرائم الحرب تمتاز بوصفها جرائم غير قابلة للتقادم، ستجلب المتهمون والقائمون بها أمام المحاكم الدولية أو المحلية، ولا يمكن إسقاطها، بوصفها ليست حقوق فردية، ففي هذه الحالة المكوث أمام المحكمة هي مسألة وقت ليس إلا.

لنقف صفا واحدا ضد الحروب ….

ولندين معاً كافة أصناف الحروب ومن يثيرها ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *