عادت مجددا التهديدات الأناضولية للحليف الأمريكي، وحول ذات الهم المزدوج، وكلاهما مٌر والدليل على ذلك أن صانع القرار وضعهما نصب عينيه معتبرا مقاومتهما والقضاء عليهما أمرا وجوديا ،
فبقاؤهما هلاك ما بعده هلاك له ولنظامه ولتركيا كلها، الأول فتح الله جولين المقيم بولاية بنسلفانيا الذي أصبح يقود تنظيما إرهابيا لينضم إلى داعش ومنظمة حزب العمال الكردستاني الإنفصالية، ومن ثم تواصل إلحاحها وضغوطها على البيت الأبيض من أجل تسليمه لها، أما الوجه الثاني من الهم فهو الاتحاد الديمقراطي السوري الكردي المدعوم من الرئيس المنتهية ولايته بارك أوباما .
غير أن إدارة الأخير ــ دون أن تفصح رسميا بطبيعة الحال ــ قررت أن تصم آذانها عن سماع شكاوي أنقرة المتكررة بخصوص الداعية الديني المتهم بتدبير الإنقلاب الفاشل في منتصف يوليو الماضي، وهو ما أدركته وزارة العدل التركية التي قالت، تعليقا على ما اعتبرته مٌراوغة وتلكؤا، أن الملفات الأربعة التي تم إرسالها إلى نظيرتها بالعاصمة واشنطن في 19 يوليو أي بعد أربعة أيام فقط من المحاولة الفاشلة ، وتحمل وثائق دامغة تدين جولين ، كان يفترض أن ترسل إلى القضاء الأمريكي المعني إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن وهو ما يعزز الشكوك المتنامية ، في وجود تواطؤ ما للولايات المتحدة، بيد أن ممارستها في هذا الملف يوحي وكأنها تمنت بالفعل التخلص من الرئيس رجب طيب اردوغان.
هذا إضافة إلى إصرارها ــ وتشددها في آن ــ احتضان أكراد سوريا المسلحين ، ورفضها القاطع مسايرة حكومة العدالة والتنمية في نعتهم بالإرهابيين فوفقا لما ذكرته صحيفة « ستار « الموالية بالمطلق لأردوغان رفضت أنقرة مقترح أمريكي وصفته بغير أخلاقي وأضافت أن أحد مسئولي وزارة الدفاع الأمريكية قال أن بلاده اقترحت على تركيا أن تقدم لها الدعم اللوجستي والاستخباراتي لعملية درع الفرات حول منطقة الباب السورية،شريطة ألا تتدخل بشئون مقاتلي الحزب الديمقراطي الكردي، الأمر الذي اعتبرته الصحيفة إعترافا أمريكيا بحماية منظمة إرهابية تشكل إمتدادا للكردستاني الإنفصالي وهذا بمثابة خيانة لدولة حليفة.
من هنا راح الوعيد ينطلق من رأس السلطة في قصره الرئاسي بالعاصمة أنقرة ، وقد أخذ صياغات ولهجات عدة متدرجة ، بدءا بقوله أن الذين لا يملكون شجاعة الخروج لمجابهة بلاده علنا يسعون لإخضاعها عبر المنظمات الإرهابية التي تعمل في الداخل والخارج «، ولكن هيهات « سوف نقف في وجهها جميعا « مرورا بالمؤامرة التي تحاك ضدها، إذ « لم يعد باستطاعة أحد إنكار حقيقة أن أحدهم يرعى ويسلح ويقوى ويواجه حزب العمال الكردستاني الإنفصالى، وداعش، ومنظمة جولين ومنظمات إرهابية أخرى، ويطلقها على تركيا» .
ولم يكن عصيا على المتابع ، فهم من هي الدولة المقصودة ، فهو نفسه كشف النقاب عنها تلميحا عندما اختتم حديثه لجماهير « مختارون بعناية « تم شحذهم لسماعه في ميدان مدينة « شانلي أوروفا جنوب شرق البلاد مؤخرا قائلا «الدول التي نقول عنهم حلفاءنا، إذا ساندونا خلال هذه المرحلة، سنفهم أنهم أصدقاءنا، وإذا لم يدعمونا سنواصل في طريقنا بإمكاناتنا الذاتية.
وطبيعي أن يكون هذا ايذانا بحملات إعلامية محمومة تفضح الغرب إجمالا وأمريكا بوجها خاصا « ويكفي ما نشرته صحيفة وطن القومية المقربة لأهل الحكم مؤخرا، فى إستطلاع للرأى أعدته هى نفسها وشمل 42 محافظة وجاءت نتائجه كالتالى، أن ثلاثة من أربعة أشخاص تم إستطلاعهم يثقون ويؤمنون أن أمريكا تحتل المرتبة الاولي في دعم المنظمات والعمليات الإرهابية التي تحدث وحدثت ببلادهم يليها إسرائيل وأخيرا الإتحاد الأوروبى.
هذا علاوة على أدبيات حفلت بها وسائل إعلام مرئية ومقروءة ـ كتلك التي ذهبت تعزف على وتر الأمجاد الخالدة مخاطبة أصحاب المؤامرات كتب إبراهيم كارا جول الكاتب بصحيفة ينى شفق « نعلم جيدًا بأننا مستهدفون لأننا كبرنا وقوينا وبدأنا بمبادرات التحرر من أنظمة الوصاية التي حكمتنا طيلة مائة عام، اليوم تركيا تواجه أصعب الاعتداءات منذ الحرب العالمية الأولى وفيها دمّروا إمبراطوريتنا وفي هذه المرة يحاولون إيقاف مسيرتنا ورهننا وأسرنا لقرن آخر» ، ثم يصل إلى بيت القصيد « مطالبا إيقاف القواعد العسكرية التي يُجري فيها الاجتماعات للتخطيط للعميات الإرهابية! وإمعانا في التأكيد اعترف وزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو بأن هناك حقيقة واقعة وهي أن تركيا تعاني من أزمة ثقة مع الولايات المتحدة.
وبالتوازي، وفي ترتيب لا يمكن أن يكون مصادفة اعلن ويسي كانياك نائب رئيس الوزراء أن حكومته ستعيد النظر بمسألة وجود التحالف الدولي في تلك القاعدة، يأتي هذا بعد يوم واحد من انباء تداولتها أوساط إعلامية حول توجه محتمل بغلق القاعدة العسكرية «إنجريلك» أمام المقاتلات الامريكية وقالت «حريت» أن الحكومة ستعقد اجتماعها الاول في العام الجديد برئاسة أردوغان لبحث تلك القضية .
وكان وزراء قالوا أن الهجمات الارهابية التي شهدتها انحاء مختلفة بالمدن التركية، تصاعدت بالتزامن مع السماح للولايات المتحدة إستخدام إنجيرليك اعتبارا من 20 يوليو 2015 ، في اطار مكافحة تنظيم داعش كما أن مقاتلات الإنقلاب انطلقت منها وبرعاية القائمين عليها من المارينز الأمريكي.
لكن تركيا تعود للوراء خطوة إن لم تكن خطوات وذلك بنفي وزير خارجيتها تشاويش أوغلو، إغلاق «إنجرليك» إذ قال عقب لقائه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس في مدينة نيويورك : « أن ما أثير في هذا الشأن غير مطروح على أجندتنا حاليا» ولا بأس، وهذا لحفظ ماء الوجه، أن يستطرد بعبارة هي أشبه بالعتاب قال فيها « إلا أنه أيضا لا معنى لوجود دول هناك (في إنجرليك) لا تقدم الدعم في محاربة داعش، وهي التي جاءت لهذا الغرض «
هذا التقهقر إن دل على شئ فهو يؤكد أن الساسة الأتراك ادركوا أنه لا يمكن لهم المساومة بورقة القاعدة على الأقل خلال المدي المنظور لأن الأمر سيكلفها الكثير، خاصة مع ضغوط الإعلام الأوروبي والأمريكي المتواصلة والتي لا تتوقف مطالبة بطرد تركيا من حلف الناتو على خلفية سجلها السيئ والمخيف في مجالي حقوق الانسان وحرية التعبير ، فالحقيقة أن أنقرة ، ونظرا لحاجتها الشديدة للأطلسي ، وليست واشنطن، هي التي تنحشر في نفق القاعدة التي يبدو أنها أصبحت أمريكية.