أن يتحول حارس العقار إلى واحد من أعيان الحى، فيكون نفوذاً ويجمع ثروة ويصبح بعد فترة من الوقت تطول أو تقصر صاحب أملاك، يبدو الأمر مجرد كوميديا ساخرة جسدها الفنان الراحل أحمد زكى فى فيلمه «البيه البواب» بإتقان شديد، لكن العمل السينمائى ليس بعيداً عن الواقع، فحالات عديدة تتشابه مع «عبدالسميع» الذى نزح إلى القاهرة باحثاً عن لقمة العيش فتمكن بعد سنوات قليلة من تحقيق حلمه فى الثراء، لكنه مع ذلك لم يخلع جلبابه ولا عمامته ولم يترك المهنة التى مكنته من ذلك، «مفيش حاجة تعيبنى إنى أكون بوّاب، اللى يعيب الراجل إن يكون جيب سيالته فاضى، ومايكفيش أهل بيته»، بلهجة تقترب إلى لهجة «عبدالسميع» وبتفاخر ووجاهة مماثلين، يتحدث «سعيد الحلفانى» حارس أحد العقارات الشاهقة بميدان المساحة فى حى الدقى، بشرته سمراء ولكنته صعيدية وعمره يبدو قد تجاوز الـ65 عاماً، جاء إلى القاهرة تاركاً بيت عائلته بأسيوط قبل حوالى 3 عقود، «كنت فى عز شبابى، ومعايا مراتى وابن وحيد، دلوقتى أنا معايا 5 أولاد و11 حفيد».
عائلة كبيرة كونها فى العاصمة، واستطاع معها أن يكون ثروة، صحيح أنها ليست طائلة، لكنها تحقق لأفراد عائلته الأمان حسب قوله، «ما حدش من أهلى ماعندوش السكن الملك بتاعه، عندنا بيت كبير كل أسرة لها شقتها فيه، وبيت تانى 7 أدوار بناخد منه إيجار كل شهر»، وكى يتمكن من بناء هذين العقارين، اضطر «الحلفانى» أن يمسك من نفقاته إلى أقصى حد فى بداية حياته بالقاهرة، كذلك لم يكتف بدخله الشهرى نظير عمله حارساً للعقار أو المقابل الذى يتحصل عليه من الخدمات التى يقدمها للسكان، فاتجه إلى مصدر رزق آخر إلى جانب عمله، «اشتغلت فى السمسرة، حد محتاج شقة إيجار، أو مكان ملك، بيع أو شراء، اشتغلت فى كل حاجة وكنت بوفى بالغرض، واطلع بحسنتى»، العمل فى سمسرة العقارات هو الجزء الأكثر ربحاً فى المهام العديدة التى ظل يقوم بها «الحلفانى» وزوجته، حتى تولى أبناؤه الأمر من بعده، «دلوقتى أنا بساعدهم وبنصحهم، لكن ما بتعاملش إلا مع السكان اللى فى ملكى»، 22 ألف جنيه إجمالى الإيجار الشهرى الذى يحصل عليه الرجل الستينى من مستأجرى 14 وحدة سكنية بعقاره الخاص، وربما يطمح بالمرحلة المقبلة فى زيادة هذا العدد.