أخبار عاجلة
الرئيسية / منوعات / «المرضى» تحت رحمة شركات الدواء

«المرضى» تحت رحمة شركات الدواء

كان الله فى عون المريض المصري، فقد أصبح تحت رحمة شركات الأدوية، سواء كان عاجزا عن شراء الدواء لارتفاع سعره، أو لعدم وجوده أصلا بالصيدليات.. وبالرغم من زيادة الأسعار، فإن تلك الشركات تطالب بزيادة جديدة، بدعوى ارتفاع سعر صرف الدولار، وهو ما يتناقض مع تصريحات وزير الصحة والسكان الذى سبق أن أعلن فى حواره المنشور على صفحات «الأهرام» فى عددها الصادر فى 15 نوفمبر الماضي، أن مكاسب شركات الأدوية تصل لأكثر من 2000%، بينما تلوح فى الأفق زيادة وشيكة جديدة للدواء !!

نعود إلى الشهور القليلة الماضية، حيث سبق أن تمت الموافقة على زيادة سعر الدواء للأصناف الأقل من 30 جنيها بنسبة 20%، ومع ذلك لايزال هناك عجز شديد فى المئات من الأصناف الدوائية، وأصبح المرضي، يواجهون أزمة حقيقية، فلا هم يستطيعون تحمل آلام المرض, ولا هم قادرون على شراء الدواء، بسبب ارتفاع سعره أيضا!!.

وبالرغم من زيادة أسعار الدواء، اكتشفت «تحقيقات الأهرام» خلال جولتها بعدد من الصيدليات، اختفاء أصناف عديدة من الأدوية، كأدوية الضغط، والسكر، والجلطات، والقلب، وقطرات ومراهم العين, والكحة، وأدوية خفض الحرارة للأطفال مثل الباراستيامول بأنواعه،وكثير من أدوية الجهاز الهضمي، ودواء الأتروبين المستخدم فى حالات الطوارئ إلى جانب انواع من أدوية البرد ووقف القيء لدى الأطفال، فضلا عن نقص ادوية جراحات القلب المفتوح، وجلطات القلب، وأدوية علاج امراض الجهاز التنفسي، والدوري، والغدة الدرقية، والصرع، والأورام، والسيولة، وعضلة القلب، والبروستاتا وغيرها من الأدوية الرخيصة، ما يؤكد وجود أزمة طاحنة فى أدوية الغلابة، بالرغم من قرار رفع سعر الدواء.

خسائر مستمرة

ومن حيث المبدأ ــ كما يقول محمد البهى عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات المصرية ــ يوجد فى مصر نحو 13 ألف دواء مسجل لدى وزارة الصحة، وأكثر من 12 ألف دواء تحت التسجيل، وكماهو معروف، فإن لجنة التسعير بالإدارة المركزية لشئون الصيدلة بوزارة الصحة هى المنوط بها تسعير الدواء، حيث يصدر بشأنه قرار من وزير الصحة، كما أن أغلب الأدوية يتم تسجيلها فى مصر، وفقا لنظام حساب التكلفة وهامش الربح، وكانت لجنة التسعير تقوم بتدقيق أسعار المواد الفعالة من مصادرها فى الخارج قبل اعتماد تكلفة المستحضر، ثم تقوم بإضافة هامش ربح مقابل التصنيع والتسويق، مشيرا إلى أن نحو 80% من الأدوية المسجلة فى مصر يقل سعرها عن 20 جنيها، وتم تسعيرها وقت أن كان سعر صرف الدولار أقل من 3 جنيهات، وأغلب هذه الأدوية تنتجها شركات قطاع الأعمال العام، وقبل ارتفاع سعر صرف الدولارفى ميزانية عام 2013-2014، وميزانية 2014-2015، كانت الشركة القابضة لصناعة الأدوية والشركات التابعة لها تحقق خسائرتصل لأكثر من 150 مليون جنيه سنويا، علما بأنه يوجد فى مصر نحو 154 مصنعا للدواء أغلبها مصانع متوسطة وصغيرة، وهى الآن على أبواب التوقف أو الإغلاق نتيجة ارتفاع تكلفة الانتاج بما يعادل 3 أضعاف، كما أن الشركات العالمية (متعددة الجنسيات) والتى يصل عددها إلى نحو 20 شركة، لديها مشكلة أيضا حيث إنها قامت بتسعير الدواء طبقا لأقل تكلفة لأقل سعر دواء فى نحو 36 دولة فى العالم، وقد أدى ارتفاع سعر صرف الدولار إلى تهديد هذه الشركات بالخروج من السوق المصرية، حيث كان سعر الدولار مستقرا وقت أن قامت هذه الشركات العالمية بتسعير الدواء ، .

والواقع، أن منظومة التسعير أدت الى تراجع صادرات الدواء المصري، حيث كانت مصر تحتل المرتبة الأولى على المستوى العربى والإفريقي، وعند ارتفاع التكلفة، وانخفاض قيمة الدواء المصري، توقفت العديد من الشركات العربية عن التعامل مع الشركات المصرية، بدعوى أن تلك الأدوية لا تغطى تكلفة التسويق فى بلادها، وقد يقول قائل أنه بإمكان تلك الشركات العربية المستوردة للدواء المصرى بإمكانها رفع السعر، لكننى أقول أن بلد المنشأ هى المرجع فى تحديد سعر الدواء.

قلت: أعلن وزير الصحة أن مكاسب شركات الدواء تصل إلى 2000 % ومع ذلك تطالب الشركات برفع سعر الدواء بحجة ارتفاع سعر صرف الدولار، وارتفاع أسعار الخامات المستوردة من الخارج واللازمة للتصنيع ؟

البهي: الشركات العالمية هى التى تربح، حيث تحدد السعر مضافا إليه تكلفة الاختراع، حيث من المعروف أن الشركات تنفق مليارات الدولارات على بحوث الدواء، والتجارب السريرية، ومن ثم تسعى الشركة لتعويض نفقاتها وتفرض مدة حماية على تصنيعه، وكما هو معروف أيضا لا يوجد فى مصر مركز لإجراء التجارب السريرية التى تمكنا من إنتاج دواء مصرى خالص، كما أن شراء ماكينات حديثة للتصنيع يحتاج ملايين الدولارات، وبالتالى من الطبيعى أن يتم تعويض تلك التكلفة، والذى تجاهله البعض أن شركات الدواء تحقق خسائر، حيث ارتفع سعر صرف الدولار بنسبة 120% ، وحتى لو سلمنا بأن شركات الدواء تربح 100%، فإنه لا يغيب عن الأذهان أن نحو 85% من مدخلات صناعة الدواء مستوردة من الخارج بالعملة الصعبة.

سألناه: كيف يمكن إنقاذ صناعة الدواء؟

البهي: لابد من نظام تسعير عادل يعتمد التكلفة الحقيقية وتطبيقات التصنيع الجيد، وكذلك سعرعادل للتصدير حتى تستطيع الشركات تحقيق عائد على صادراتها، ولابد من صدور قانون يسمح بإجراء التجارب السريرية، كما يجب إنشاء مركز أبحاث لاستنباط أدوية مصرية خالصة اعتمادا على خامات مصرية، لتحقيق القيمة المضافة الأعلى والمناسبة، وقبل كل ذلك لابد من إنشاء هيئة الدواء المصرية، بحيث تكون معنية بجميع شئون الدواء، وتكون مهمتها ضمان جودة الدواء، وصلاحيته، والتفتيش والرقابة على الأدوية لضمان جودتها وفعاليتها والموازنة بين حق المريض وصناع الدواء.

مكاسب خيالية

فى المقابل، فإن الدكتور أحمد فاروق، الأمين العام السابق للنقابة العامة للصيادلة يؤيد تصريحات وزير الصحة التى قال فيها إنه لا توجد أزمة فى الدواء، وأن مكاسب الشركات تصل إلى 2000%، حيث يؤكد أن أرباح بعض المستحضرات تصل إلى 2000%، ومع ذلك فإن شركات الدواء تطالب بزيادة جديدة فى السعر تصل لأكثر من 50%، حيث يتم الاستناد إلى المادة رقم 11 من القرار الوزارى رقم 499 لسنة 2012، الخاصة بإعادة تسعير الدواء كل عام، متعللين بارتفاع سعر صرف الدولار، ونحن فى المقابل نرفض زيادة أسعار الدواء، لانخفاض أسعار المواد الخام عالميا، كما انخفض سعر الكيلو من مادة أموكساسيلين من 1200 دولار إلى 17 دولارا، ويتعجب الدكتور أحمد فاروق من مطالبة شركات الدواء برفع الأسعار بين الحين والآخر، فى وقت تراجعت فيه أسعار المواد الخام عالميا، ونحن ـ كصيادلة ـ نقبل بمضاعفة سعر الدواء الذى تشترى به وزارة الصحة الأدوية من الشركات فى مناقصاتها، لكن الشركات لن تقبل بالتأكيد ، لأنهم يريدون تحقيق أكبر قدر من الأرباح على حساب المريض المصرى المكلوم.

ويبادرنا الدكتور أحمد فاروق بأن مجلس النواب قد شكل لجنة تقصى حقائق منذ شهر، وتضم 5 وزراء، وأعضاء من مجلس النواب، وآخرين من نقابة الصيادلة، لكنها تعطلت، ومن ثم نطالب بتفعيل دور هذه اللجنة، لكشف حقيقة ما يجرى فى سوق الدواء، فالدواء المصرى أمن قومي، ولذلك فإننى أطالب بعدم الرضوخ لمطالب المصانع والشركات متعددة الجنسيات والشركات المحتكرة للدواء، كما ينبغى إنقاذ شركات قطاع الأعمال العام، التى كانت تمثل نحو 60% من سوق الدواء، وتراجعت إلى 2.6%، وأذكر هنا أن ديون شركة واحدة لدى وزارة الصحة بلغت مليارا ونصف مليار جنيه، وقد أوشكت على الإفلاس، كما أن الشركات توقفت عن توريد الدواء للصيدليات، ومن ثم فإن الأزمة ليست أزمة تسعير، ولكنها قضية أمن قومي.

وإذا كانت كما يقول د. أحمد فاروق ـ مافيا الدواء ظاهرة عالمية، فإننى أؤكد أن «مافيا» الدواء قد تحكمت فى قطاع الدواء المصري، وقد قدمنا بلاغات وتقارير بشأن ما يجرى فى سوق الدواء للعديد من الجهات المستمرة برفع سعر الدواء.

أولويات الاستيراد

وعلى الرغم من قرار رفع سعر الدواء، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، الذى أدى بدوره لارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة لتصنيع الدواء، فإنه لم يستفد أحد من قرار رفع سعر الدواء، والسبب كما يقول الدكتور محيى محمد حافظ، عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات ورئيس شعبة الصناعات الدوائية ولجنة الصحة بجمعية المستثمرين ومجلس الأمناء بالعاشر من رمضان، يكمن فى عدم استقرار سعر صرف الدولار، وكأن الزيادة الأخيرة فى سعر الدواء لم تكن، حتى إذا تقرر رفع سعر الدواء 10 أضعاف، فإن المصانع ستظل تواجه أزمة فى تدبير الدولار.

حلول عاجلة

وفى سبيل حل الأزمة، ـ والكلام هنا للدكتور محيى محمد حافظ ـ اجتمع رئيس مجلس الوزراء المهندس شريف إسماعيل مع جميع الأطراف المعنية بالدواء، كغرفة صناعة الأدوية، ووزارة الصحة، ونقابة الصيادلة، وقرر تدبير نحو 2.6 مليار دولار، لاستيراد الخامات الدوائية والمنتجات الأجنبية تامة الصنع، والمستلزمات الطبية، وتم تحديد مجموعة من الأولويات فى شأن الاستيراد، بحيث تكون الأولوية للأدوية المنقذة للحياة، تليها فى المرتبة الثانية أدوية الأمراض المزمنة، تليها الأدوية التقليدية أو العادية.

 

2017-636189844581311751-131

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *