أخبار عاجلة
الرئيسية / منوعات / الطريق إلى العدالة الناجزة

الطريق إلى العدالة الناجزة

العدالة الناجزة حق للمواطنين جميعا، لكن هناك أسبابا كثيرة تعوق تحقيق هذا الهدف ، بعضها مرتبط بنصوص قانونية، والبعض الآخر يرتبط ببطء التقاضى لكثرة عدد القضايا وطول الإجراءات وقلة عدد القضاة، ونقص عدد الخبراء ،وطول أمد تنفيذ الأحكام وتعطيله أو الامتناع عنه، سواء بالنسبة للأحكام الصادرة ضد الجهات الإدارية أو الأفراد أيضا، كل هذه الأسباب وغيرها نرصدها فى السطور التالية التى نستطلع فيها آراء نخبة من الفقهاء القانونيين.

ظاهرة «بطء التقاضي» صارت مستحكمة ومستعصية رغم أن لجوء المواطنين إلى ساحة القضاء يكون من أجل الحصول على حقوقهم أو القصاص من المعتدين على حياتهم ، ولهذا تأتى أهمية ملف «تيسير إجراءات التقاضى وتحقيق العدالة الناجزة»، هكذا بدأ الدكتور شوقى السيد الفقيه الدستورى والقانونى حديثه معنا موضحا أن البطء الذى تشهده ساحات المحاكم وأروقة التقاضى هو مجرد عرض لأمراض مزمنة تحتاج لعلاج جذرى وفعال، فمنذ مؤتمر العدالة الأول فى الثمانينيات ونحن نبحث عن حلول لهذه القضية.

ويرى أن العدالة الناجزة هى قضية ذات جوانب اجتماعية واقتصادية وأيضا تشريعية، ولتحقيقها لابد من دراسة كل الجوانب بشكل متعمق، فعلى سبيل المثال لابد من بحث الأسباب الحقيقية التى أدت لازدحام أروقة المحاكم بالمتقاضين الذين يتنازعون فيما بينهم ويكون الخيار الأول هو «اللجوء للقضاء» ولا يتم النظر اذا كانت هناك بدائل يمكن اللجوء لها وبخاصة بعد غياب ثقافة التسامح بين الأفراد.

ويقول: التقاضى هو حق دستورى مكفول للجميع ولكن محاولة التصالح فى الكثير من القضايا قبل اللجوء للمحاكم سوف تغير الكثير من الواقع.

وأن هذه القضية الخطيرة تعود إلى نصف قرن من الزمن، وتحدث آثارا متعاقبة تقف فى سبيل الإصلاح وتحقيق الديمقراطية وحقوق المواطنة« وأن سرعة تنفيذ الأحكام احد المحاور المهمة فالجهات التنفيذية مطالبة بتحقيق الحكم على ارض الواقع حتى لا يتجه الناس إلى المحاكم مرة أخرى ليحصلوا على حقوقهم فتتحول القضية الواحدة لعدة قضايا بين استئناف واستشكال وعدم اعتداد واسترداد وغيرها من أشكال التقاضي، فالقضايا قد تستمر لعشرات السنوات فى المحاكم بدرجاتها المختلفة ولا يحصل المتقاضون على حقوقهم بشكل فوري، أو ما يمكن أن نطلق عليه «العدالة البطيئة» التى تمثل أقسى أنواع الظلم لأصحاب الحقوق

ويسوق لنا مثالا من احدى القضايا التى استمرت 32 عاما ووصل عدد الخصوم وورثتهم إلى 67 خصما بعد أن بدأت بأربعة متخاصمين فقط، ولعل النصوص القانونية نفسها يكمن بها جزء كبير من الأزمة فبعض التشريعات لا يتم تطبيقها والبعض الآخر صدر سريعا كرد فعل ، أو أنه قديم وفى حاجة لتعديل ويوضح: على سبيل المثال ينص قانون المرافعات على أنه «لا تؤجل القضية أكثر من مرة لسبب واحد» ونص آخر يقول «لا يجوز مد أجل الحكم لأكثر من مرة» ولكن على ارض الواقع يتم التأجيل لعدة مرات، نص آخر فى قانون الإجراءات ينص أنه »على القاضى فى حالة طلب الشهود أن يأخذ ما يشاء ويكتفى بما تراه المحكمة« ومع ذلك يلتزم قضاة محكمة الجنايات بسماع جميع الشهود، وإلا فمن حق الشهود المطالبة بنقض الحكم .

«العبث بالعدالة»

ويرى الدكتور شوقى السيد أن الحكومة نفسها قد تكون احد اسباب بطء الإجراءات فى بعض الأحيان فمئات القضايا التى يرفعها المواطنون على الحكومة تكون بسبب تأخر الأخيرة فى سداد حقوقهم أو انها تطبق القانون بشكل خاطئ، ويضيف: قد نحظى فى احدى القضايا بمبدأ واحد راسخ فى الأحكام ولكن الحكومة تصر على أن يحصل كل مواطن على حكم بذات المبدأ أمام ساحات المحاكم بشكل منفصل وهكذا تظل القضايا متراكمة ومكتظة أمام القضاء وربما تتيح الفرص للفساد الإداري.

وهنا نواجه مشكلة اخرى وهى تنفيذ القرارات الإدارية بالطريق المباشر وامتناع الجهات الإدارية عن تنفيذ الأحكام القضائية فقد تقدمت ـ ومازال الكلام للدكتور شوقى السيد ـ بطلب مناقشة عام 2004حول «العبث بالعدالة» والذى يعنى أن حقوق الأفراد وسيادة القانون قد تراجع، وتفوقت عليه حقوق السلطات سواء بسبب الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية أو بالمبادرة إلى تنفيذ القرارات الادارية بالطرق المباشرة والتى قد تمس حقوق الافراد وحريتهم والتى قد يترتب عليها ايضا دفع تلك الادارة للتعويضات.

فإذا ما صدرت احكام قضائية ضد الجهة الادارية لمصلحة هؤلاء الاشخاص والافراد فسرعان ما تثير الإدارة العراقيل فى مواجهتها وتمتنع عن التنفيذ وهو ما يؤدى بالطبع إلى زيادة عدد المنازعات وتعطيل الفصل فيها ولا يملك الأشخاص من الأفراد أو الشركات حيال تنفيذ القرارات الادارية بالطريق المباشر سبيلا لوقف تنفيذها أو فى أقل تقدير إرجاء التنفيذ حتى يتم البت فى الخلاف القائم بينهما إلا باللجوء للقضاء الإدارى بطلب وقف التنفيذ والذى قد يتعذر قبل تمام التنفيذ بسبب تكاثر القضايا وتعطيل الفصل فيها بمعرفة الجهة الإدارية ذاتها كل ذلك قد يؤدى فى النهاية إلى صدور احكام بالتعويضات ضد الإدارة تدفعها من ميزانيتها ولا تعبأ بعدها بتحديد المسئول عن إصدار تلك القرارات وقال: سواء كان ذلك باتخاذ إجراءات إدارية للتظلم أمام جهة محايدة أو اتخاذ اجراءات لمساءلة المتسبب عن عدم تنفيذ الأحكام القضائية.

«سرعة الفصل»

من جانبه يرى المستشار رفعت السيد رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق أن العدالة الناجزة تعنى سرعة الفصل فى القضايا واعادة الحقوق الى أصحابها فى اقرب وقت وأقل تكاليف وبخاصة فى القضايا المدنية التجارية التى يستغرق الوصول الى حكم بات فيها العديد من السنوات، وكذلك بالنسبة للاحكام الجنائية التى يتراخى الحكم فيها لسنوات الى ضعف الردع العام لكل المواطنين فضلا عن الزجر الخاص بالمتهم ذاته المحكوم عليه بالتالى فإننا نحتاج لتحقيق العدالة الناجزة أولا: بزيادة عدد القضاة بما يتناسب مع اعداد القضايا المتراكمة فى المحاكم وذلك لن يتأتى إلا بقبول من تتوافر فيهم شروط العمل كقضاة أو مستشارين وليس كأعضاء نيابة وتأهيلهم بأكاديمية القضاء واختيار الاصلح والاكفأ والاجدر بتبوؤ هذا المنصب، ثانيا: ضرورة إخضاع كل اعضاء الهيئات القضائية فى فترة الصيف لدورات مكثفة لتحديث معلوماتهم واطلاعهم على الجديد وتنمية المعلومات القانونية والادارية حتى نتلافى الاخطاء التى من شأنها ان تطيل أمد التقاضى ، الامر الثالث: ضرورة تعديل القوانين المتعلقة باعلان الخصوم بالقضايا المتداولة من خلال استخدام التقنيات الحديثة التى عرفها العالم كله ويتم تطبيقها سواء كان من اعلان الخصوم بالدعاوى وتأجيلاتها والاحكام الصادرة فيها باسلوب علمى وادارى يضعه الخبراء المتخصصون وبالتالى تلغى الاحكام الغيابية وتكون جميع الأحكام حضورية طالما اعلم الخصم بالدعوى وعرف موعدها ولم يحضر أو يبعث بمحام عنه يبدى دفاعه للمحكمة، الآن ينظر البرلمان فى تعديلات قانون الاجراءات الجنائية والمعاملات المدنية المرافعات ولجان فض المنازعات ونأمل أن يفتح مجلس النواب قاعاته للاستماع الى رجال القضاء والمحامين واساتذة كليات الحقوق وأصحاب الرأى والفكر قبل الموافقة على هذه التعديلات.

«الحق والعدل »

المستشار عبد العاطى الطحاوى نائب رئيس قضايا الدولة يشير الى أن بطء التقاضى يتمثل جلياً وعلانية وبشكل ظاهر وصادم فى تأخر الفصل فى القضايا وعدم إنجازها فى وقت معقول ومقبول لدى المواطنين الذين يضطرون للدخول فى دوامات المحاكم على اختلاف أنواعها للحصول على حقوقهم والفصل فى مظالمهم بالحق والعدل، والملاحظ أن هذه الأزمة وتلك المشكلة تزداد يومياً وتتفاقم وتتعقد، حتى صار التأخير والبطء بالفصل فى القضايا سمتين سائدتين وواقعا مريراً وظلماً قاسياً، إذ يطول نظر القضايا وتتعدد جلساتها إلى أمد طويل وآجال بعيدة، ولذلك فقد صار أمراً واجباً على مجلس النواب إجراء تعديلات تشريعية جوهرية وعاجلة.

ويقترح المستشار الطحاوى الاكتفاء فى مجال الطعن أمام محكمة النقض بأن يكون لمرة واحدة دون إعادة كما هو الوضع الحالي، فإذا ما نقضت الحكم المطعون عليه لأى سبب، فعليها التصدى بنفسها لموضوع الطعن بحكم حاسم وبات، على أن يستتبع ذلك ويقترن به إلغاء فكرة دوائر فحص الطعون سواء بمحكمة النقض أو المحكمة الإدارية العليا ، وضرورة إلغاء المعارضة فى الأحكام الغيابية فى الجنح، والتى ترتب عليها صيرورة التقاضى على اربع مراحل بما لا نظير له فى العالم أجمع، إذ يكفى فى هذا الشأن أن يكون الحكم حضورياً بموجب إعلان المتهم، وله الحق فى الطعن عليه بالاستئناف كما هو متبع فى دول العالم المختلفة، ومن المفارقات أنه يوجد بأحكام قانونى العقوبات والإجراءات الجنائية اهتمام ومراعاة أكثر لحقوق المتهمين على حساب حقوق الضحايا فى مجال القصاص وتعويض المجنى عليهم من الأضرار التى حاقت بهم من جراء الجرائم التى وقعت عليهم، مما يلزم معه العدول عن هذا الوضع لتحقيق التوازن العادل بين الطرفين .

تحضير الدعاوي

كما يقتضى المقام ـ والكلام مازال للمستشار عبد العاطى الطحاوى التأكيد كذلك على ضرورة إلغاء العمل بنظام تحضير الدعاوى لدى كل من مفوضى الدولة بمجلس الدولة ومفوضى المحكمة الدستورية ونيابة النقض المدني، لكون رأيهم غير ملزم للمحكمة 0ويجب عدم إغفال مواجهة إحدى حلقات ظاهرة بطء التقاضى ومعوقات العدالة وتوابعها، وهى الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية، الأمر الموجب لجعل الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية جريمة عامة فى حق الجميع وليس الموظف العام فقط دون غيره كما هو مقرر الآن بأحكام قانون العقوبات، وان تحقيق إقرار هذا الاقتراح يحول نهائيا دون وقوع جريمة الامتناع عن تنفيذ أحكام القضاء، بل وينهى أيضاً وفى الوقت ذاته متاعب المتقاضين فى اتخاذ إجراءات الحجز البطيئة والمعقدة ـ المعمول بها حالياً ـ والتى بلغت ما يقرب من أربعة ملايين قضية أمام المحاكم المختلفة، من منطلق حقيقى أن جميع من يصدر ضدهم أحكام سيهرعون إلى تنفيذها فوراً خشية دخول السجن من جراء الامتناع عن تنفيذها .

ومن الأهمية استحداث فكرة نظام قاضى المظالم اليومية للمواطنين، للقضاء على شكاوى الناس ومتاعبهم اليومية داخل أجهزة الدولة المختلفة، ومن هنا فإنه لا يستقيم أبداً لا قانونا ولا حقاً ولا عدلاً أن يتم الاحتكام بالشكوى أو التظلم إلى الجهة ذاتها التى أفرزت المشكلة وجنح تابعيها إلى السوء من الفعل والباطل عن العمل، ولذا فإن واجب وضرورة التخفيف عن كاهل القضاء كإحدى نواحى علاج ظاهرة بطء التقاضى يستوجب إقرار هذا النظام وإسناد الاختصاص بالقيام به إلى لجان فض المنازعات الحالية بعد تعديل مسماها واختصاصها ليصبح الوضع بإصدار أمر قضائى عاجل ويومى ملزما، يقضى على المشكلة وينهى الشكوى والمظلمة فى مهدها، ودون أن يخل ذلك بالحق فى الطعن على هذا الأمر أمام المحاكم وفقاً للأحكام القانونية المقررة أو التى تتقرر فى هذا الشأن.

وتكتمل الحلقة الأخيرة فى تشخيص أسباب تلك الظاهرة، وهى قلة أعداد القضاة فى مواجهة سيل جارف من كثرة أعداد القضايا وتزايدها اليومي، فالأمر يقتضى ضرورة بقاء واستمرار القضاة وسائر أعضاء الهيئات القضائية فى أداء أعمالهم دون قيد زمنى أسوة بالكثير من دول العالم المختلفة ، لكون خبراتهم لا تعوض ومن ثم فإن احالتهم إلى المعاش خسارة كبيرة، على أن يكون الاستفادة بهم مقصورة وفقط على مجال خبرتهم بالعمل القضائي، دون أن يمتد ذلك إلى الاستمرار فى رئاسة المناصب القضائية، وذلك أسوة بأعضاء هيئات التدريس بالجامعات، كما يجب التصدى لسيطرة وتحكم القلم الإدارى وموظفيه فى قيد الدعاوى وسيرها وتحديد جلساتها واتخاذ إجراءات تنفيذ الأحكام الصادرة فيها، إذ يظل المتقاضى تائهاً وحائراً لا يعرف مصير دعواه وإلى أين يذهب وسط دهاليز ودوامات المحاكم، فيجد الطريق مسدوداً أمامه، ولا سبيل إلى إنهاء مصلحته سوى الاضطرار للخضوع للقاعدة الشيطانية التى تحكم مسيرة هذا العمل 0

«قانون الخبراء »

من ناحية آخرى يمثل خبراء وزارة العدل حلقة أساسية فى عملية التقاضى وفى بعض الأحيان يأتى بطء العدالة من تلك الحلقة ويرجع المهندس محمد ضاهر رئيس نادى الخبراء هذا لعدة أسباب أولها عدد الخبراء الذى لا يتعدى 2300 خبير يعملون فى القضايا المحالة إليهم والتى يصل عددها سنويا إلى 600 ألف قضية ومن الواضح أن هذا العدد لا يتناسب ابدا مع عدد الخبراء.

ومن جانب أخر فإن الخبراء يعملون وفقا لمرسوم بقانون منذ عام1952 ولم يتم تغييره حتى الآن ويوجه الخبراء كثيرا من المعوقات بسبب هذا القانون، ويقول:«قدم نادى خبراء وزارة العدل مشروعا بقانون أمام البرلمان لتغيير هذا القانون بما يتناسب مع المتطلبات الحالية«

واشار رئيس نادى الخبراء إلى أهمية حصول الخبراء على الاستقلالية فلا يكونوا تابعين للسلطة التنفيذية موضحا أن هذه التبعية تكلف الوزارة اعباء اضافية حيث يتم تخصيص موازنة مصلحة الخبراء من جانب الوزارة بالإضافة إلى ما تهدره التبعية من اموال طائلة على الدولة وقال موضحا: صرح النائب العام السويسرى خلال الأيام الماضية بأن الأموال الموجودة ببنوك سويسرا لبعض رموز النظام السابق سوف يتم ردها لأصحابها بسبب عدم تقديم المسئولين المصريين للمستندات الدالة على احقية الدولة فى تلك الأموال كما لابد أن يحصل هؤلاء المتهمون على أحكام نهائية من خلال محاكمات عادلة وأن تكون جهات التحقيق مستقلة وذلك وفقا لبنود اتفاقية مكافحة الفساد التى وقعتها مصر عام 2005.

وكما يتضح فإن بطء استرداد الاموال المنهوبة يرجع أيضا لمواد هذا القانون الذى نطالب بتغييره بما يتيح للهيئة الاستقلالية وإنشاء المكاتب وتعيين خبراء جدد .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *