الرئيسية / مقالات / السلام على أمة تشتت بينها السلام.. أحمد سلام

السلام على أمة تشتت بينها السلام.. أحمد سلام

السلام على أمة السلام،
السلام على أمة ضاع وتشتت بينها السلام.
امتلأت عقولنا منذ الصغر، بالتمجيد للأمة العربية وسعيها للسلام، وتعلمنا في طفولتنا أنَّ الاتحاد قوة، وأصبح ما تعلمناه ما هو إلا عبارات نسمعكم تتغنون بها في مسارحكم، ولقاءاتكم، وأغانيكم. حتى في جامعة الدول العربية مجرد قاعة لا تجتمعون في زواياها إلا باسم السلام والاتحاد والاعتصام بحبل الله قولا فقط، وبعد الانتهاء كأن شيئا لم يكن.
فكيف تزرعون في قلوبنا هذه العبارات التي تربت عليها أجيال كثيرة وأنتم تحصدون الفرقة بينكم؟ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)
وإن كنا نحن خير أمة أخرجت للناس كما تعلمنا، فلماذا نقبل أن تحتسب علينا التنظيمات المتطرفة الإرهابية وهي من صناعة أعدائنا؟ لماذا نعانى من الجهل والتخلف والمرض والفقر؟ لماذا نضطهد علمائنا ونقضي عليهم حتى تشتريهم دول أخرى وتتقدم علميا واقتصاديا بهم، ومنهم مَنْ يُباع ومنهم مَنْ يُقتل ومنهم مَنْ يموت قهرًا وحزناً على ما أتاه الله من علمٍ ولم يستطع الارتقاء به؟ لماذا غرقنا في ظلمات الجهل؟ لماذا دمرنا أوطاننا التي بناها أجدادنا؟ لماذا أصبحت بعض الشعوب العربية شريدة تمضغ الذُل وتشرب المهانة، وتنصب لهم المخيمات كالجسد الممزق وتُزرع أوتادها كالخناجر في قلوبهم دون نظرة منكم، وإن رقت قلوبكم لهم، أرسلتم المعونات !
ما زلنا نضحك على أنفسنا ونتوهم بأننا في الربيع العربي، وقد أصبحنا أكثر الدول في استيراد الأسلحة والمستفيد الوحيد هو مَنْ يبيع لكم كي تقتلون أنفسكم بأنفسكم.
ومن المؤسف أننا الآن نعمل عند الغرب بمواردنا التي سُلبت منا فى الماضى والحاضر، وأفكار علمائنا التي بيعت لهم، علاوة على أننا نستورد كل مستلزماتنا من الغرب، نساندهم في تقوية اقتصادهم حتى يستطيعون تدميرنا دولة تلو الأخرى، فكم من سنة تنمو الشعوب العربية وينمو الجهل معها دون أن تنمو أو تتقدم الأوطان.

لماذا لا ننظر قليلاً إلى الأمم الأخرى التي لا تجمعها إلا مصالحها المشتركة، رغم اختلاف لغتهم وأعراقهم وعقائدهم واختلاف عادتهم، إلا انهم توحدوا لخدمة مصالحهم الاقتصادية وخدمة أوطانهم وشعوبهم.

ونحن مَنْ كرمنا الله، بأن جمعنا تحت راية واحدة بلغة واحدة وهي اللغة العربية، تفرقنا نتيجة اجتهادنا جيدًا في عنصرية العرب على العرب وتعصبهم ضد بعضهم البعض، مثل السني والشيعي، المسلم والمسيحي الأبيض والأسود ابن الوزير وابن الخفير، وكأن هذا خلقه إله وذاك من صنع إله أخر.

التعصب والعنصرية سبب أنَّ العرب لم يستطيعون العيش في بلادهم ويفرون ويلجأون إلى أوطان منها العربية ومنها أوطان أعدائهم، ولم يستطيعوا صُنع كرامة ولا مكانة لأنفسهم في العالم، وبعد أن كنا خير أمة كما علمتمونا، أصبحنا الآن عنوانا للتطرف والجبن والخوف والانكسار والجهل والفرقة التي صنعناها بأيدينا.

وبفضلكم اجتاحت الحروب الطاحنة المدمرة المعد لها خارجيا لتدمير الأراضي العربية شمالا وجنوبا بالاستيلاء على ثرواتها ومواردها وحضارتها وعلمائها باتخاذ ( داعش) وغيرها كأداة حرب في العراق وسوريا وحروب مفتعلة في مصر بالصراع الدائم مع الإرهاب والسلطة، والعراق بيعت للغرب، والسودان تقطعت وكأنها قطعة قماش بين شمال وجنوب، مصر والسودان، المغرب والجزائر، والسعودية في صراع دائم مع إيران، والأردن في صراع حدودي مع السعودية، الخلاف القطري مع السعودية والإمارات ومصر، وفلسطين التي رميناها لإسرائيل. عفوا لا يتسع المقام لذكر الكثير ولكن كل هذا بسبب فرقتنا الحمقاء وتشتت بعض الدول التي ولائها لأمريكا وبعضها مع روسيا وبعضها مع إيران وبعضها مع أوروبا والبعض لا حول له ولا قوة.

لقد أصبحنا دول كارتونية تلعب دور الضحية لا تملك سوى الخطابات، الاستغاثات والدعوات التي ندعو فيها أعدائنا للعطف والمعونات، وحكامنا تناست أنَّ الشعوب تتقدم وتنهض بألف طريقة وطريقة.

لابد وأن تعوا جيدا أنَّ مستقبلكم واحد، ولابد من تغير النظرة إليكم، نظرة الاستخفاف والاستهزاء بكم لتفرقكم واختلافكم الذي أضعفكم إلى الحد الذي جعل بعض الدول تتجرأ عليكم ويستهينون بكم.
أصبح منى الأجيال العربية أن يتحقق الحلم الذي دائما ما تتغنون به وهو الاتحاد والتقاء العرب يوما على قلب قائد واحد، تاركين وراء ظهوركم كل أسباب الخلافات التي تضر وحدتكم وتعيق تقدمكم ونهضتكم.
لابد وأن يوضع مستقبل الأجيال العربية فوق أي اعتبار وفوق المصالح الشخصية، ويحظى باهتمام المسؤولين، وأن يكلف العلماء وذوي الاختصاص بإعداد العدة ووضع الخطط، لمواجهة هذا العصر الذي تتصارع فيه الدول من أجل شعوبها.
أتمنى من الله في هذا العام الجديد 2018 بأن يولد من بين قادتنا قائداً يقود الأمة العربية إلى بر الأمان ويشهر اتحادنا في وجه الفساد دون خوف، ويحل كل النزاعات التي دُبرت لأوطاننا ونحن استسلمنا لكل فخٍ نُصب لنا، وما لنا أن نتحد، وعلينا أن نعى جيدا بأن، إذ اتحد القطيع نام الذئب جوعانا، وإن لم نتحد فهنيئاً للموت في طوابير الخبز، وطوابير المياه، وأجيال الجهل والعنف، فسلام عليكم وسلام لكم وسلام منكم لأعدائنا فلكم الأمان، ولنا القهر والمهانة والإذلال، يا أمة السلام.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *