عندما احتشد المصريّون في الخارج للتأكيد على شعبيّة الرئيس عبد الفتّاح السيسي لدى زياراته إلى نيويورك وبرلين وباريس وغيرها من العواصم الأوروبّيّة، في وقت حاولت جماعة الإخوان المسلمين التأكيد للمجتمع الدوليّ أنّ ذلك النظام جاء بانقلاب عسكريّ غير شرعيّ من خلال ترويج عدد من الشائعات عن النظام الحالي وتنظيم الحشود ضد السيسي في تلك البلاد، ويبدو أنّ الدولة تمضي في اتّجاه تعزيز قدرات ذلك السلاح وقدراتها على استخدامه من خلال قانون تنظيم الكيانات المصريّة في الخارج وتوحيدها، واقترحته وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريّين في الخارج نبيلة مكرم في أيلول/سبتمبر 2017.
وفي 25 أيلول/سبتمبر، التقت مكرم وزير العدل حسام عبد الرحيم لبحث كيفيّة إصدار قانون ينظّم الكيانات المصريّة في الخارج ويوحّدها في كيان واحد، وأشادت مكرم خلال لقائها بعبد الرحيم بدور المواطنين المصريّين في الخارج، وعبّرت عن إيمانها القويّ بدور الدبلوماسيّة الشعبيّة التي تعمل جنباً إلى جنب مع الدبلوماسيّة الرسميّة، وما قدّمته الكيانات والجمعيّات الممثّلة للمصريّين في الخارج من جهود لدعم الدولة وسعي إلى تنظيم صفوفها والالتفاف حول الأهداف القوميّة.
وأكّدت مكرم أنّها ستقوم بالتواصل مع نوّاب البرلمان من ممثّلي المصريّين في الخارج للاسترشاد برؤيتهم حول تنظيم الكيانات الممثّلة للمواطنين المقيمين في الخارج، كما أكّدت ضرورة الاستفادة من النماذج الدوليّة المنظّمة للجاليات وكيانات المواطنين في الخارج، والاستفادة من الخبرات المميّزة مثل النموذج المغربيّ والسودانيّ والمكسيكيّ واللبنانيّ، قبل تقديم رؤية وزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريّين في الخارج في مقترح تنظيم الكيانات المصريّة في الخارج لمجلس النواب.
وبدأ المقترح بحديث مكرم، في أحد تصريحاتها الصحافيّة في 20 أيلول/سبتمبر، حيث قالت: “هناك العديد من الكيانات التي تمثّل الجاليات المصريّة في الخارج، بين نوادي المصريين بالخارج النقابة العامة للمصريين العاملين في الخارج والعائدين والجاليات والمتحدّث الرسميّ باسم الجالية المصريّة، وكثرة هذه المسمّيات في الخارج جعلت الوزارة توجّه دعوة إلى هذه الكيانات للتوحّد لخدمة الدولة، وهناك مقترح بتشريع قانون تقوم الوزارة بإعداده وتقديمه إلى مجلس الوزراء والنوّاب لتنظيم هذه الكيانات”.
وأضافت: “حينما توجّهت إلى السودان، وقابلت وزير الهجرة السودانيّ، أكّد لي أنّه لا يوجد نادٍ في الخارج يمثّل الجالية السودانيّة، إلّا وله سجلّ وحصر لنشاطه ثقافيّاً واجتماعيّاً، ولذلك سينظّم القانون المقترح هذه الكيانات التي تمثّل مصر في الخارج، وسيضع أطراً ومعايير لعملها ونشاطاتها وطريقة انتخاب مجلس الإدارة، وسيتمّ التسجيل في وزارة التضامن الاجتماعيّ للعمل بطريقة منظّمة باسم مصر، لأنّه لا توجد أدوات لوزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريّين في الخارج سوى المواطنين المصريّين”.
وجاء ذلك المقترح في أعقاب زيارة السيسي إلى نيويورك لحضور أعمال الدورة 72 لقمّة الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة، بين 19 و25 أيلول/سبتمبر، حيث احتشد عشرات المصريّون في نيويورك أمام مقرّ الأمم المتّحدة، في 19 أيلول/سبتمبر، لاستقبال السيسي وإعلانهم عن تأييدهم له ودعمهم لمصر.
وتباينت آراء المختصّين بمقترح تنظيم الجاليات المصريّة في الخارج وتوحيدها وفقاً للقانون المقترح من مكرم، حيث قال رئيس لجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس النوّاب محمّد العرابي لـ”المونيتور”: “المصريّون لا يحبّون أن يرتبطوا بقانون أو كيان واحد، لأنّه ربّما تحدث بينهم خلافات إذا اجتمعوا في كيان واحد، كما يصعب تطبيق ذلك القانون على المصريّين في الخارج، لأنّهم ملتزمون بقانون البلد المقيمين فيه، ولكن يمكن أن يكون هناك حصر للكيانات الممثّلة للمصريّين في الخارج كافّة، وأن تنسّق بينهم وزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريّين في الخارج في المشاريع الكبيرة، كما حدث عند الاكتتاب على شهادات الاستثمار التي موّلت جزءاً من مشروع قناة السويس الجديدة”.
وقالت عضو لجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس النوّاب إيفلين متّى : “توحيد المصريّين في كيان واحد سيجعل لذلك الكيان قوّة بسبب كثرة أعضائه وتنوّع وظائفهم وأعمالهم، ممّا سيمكّنهم من الضغط على بعض الشركات والمؤسّسات الأجنبية التي لا تعطي للعاملين المصريّين حقوقهم، وستمكّن الكيان الموحّد من الدفاع عن حقوق المصريّين في شكل أوسع إذا تعرّض أيّ مصريّ إلى الاعتداء عليه أو على حقوقه”.
وأضافت: “الكيان الموحّد سيساهم في حشد اتّصالات المصريّين بالأجانب لجذب استثماراتهم إلى مصر وسيوسّع فرص الشراكة بين المصريّين في الخارج ويقوّي استثماراتهم، ويساعدهم على اكتشاف الخبرات المصريّة القادرة على إدارة تلك الاستثمارات وتشغيلها، ممّا سيزيد قوّة استثمارات المصريّين في الخارج، وبالتالي سيزيد النفوذ المصريّ ويكون لمصر اللوبي الأوّل”.
وعن آراء الجاليات المصريّة، قال رئيس ائتلاف الجاليات المصريّة في أوروبّا ولاء مرسي لـ”المونيتور”: “الفكرة من حيث المبدأ مقبولة، ولكنّ المشكلة تكمن في التطبيق، ولتطبيق الموضوع في شكل سليم يجب أن تتواصل الوزيرة مع المنظّمات الممثّلة للجاليات المصريّة كافّة، ولكنّها ترفض التعامل مع بعض الكيانات التي توجّه إليها النقد البنّاء، وتعترض على بعض أوضاع المصريّين في الخارج، وفي هذه الحالة سيكون الكيان الموحّد مجرّد كيان يضمّ المؤيّدين للوزيرة وسياستها”.
وتنتقد بعض الجاليات أداء الوزيرة فيما يخص ملف نفقات نقل جثامين المصريين المتوفين في الخارج، حيث أن الوزارة لا تتكفل بنقلهم في حالة عدم قدرة أهل المتوفي على نقله إلى مصر، كما تنتقد بعض الكيانات الممثلة للجاليات المصرية عدم رعاية الوزارة لأوضاع المصريين العاملين في الخارج وما يتعرضون له أحيانا من ظلم، بالإضافة إلى ما وصفوه بـ”فشل الوزارة” في التصدي لتسريح العمالة المصرية من بعض دول الخليج.
فيما قال رئيس اتّحاد المصريّين في المملكة العربيّة السعوديّة إمام يوسف : “فكرة الوزيرة وهميّة لأنّها لا تستطيع إلزام الجمعيّات المصريّة الموجودة في الخارج بالخضوع للقوانين المصريّة، حيث تعمل كلّ منظّمة أو جمعيّة وفقاً للقوانين السارية في الدولة الموجودة فيها، والوزيرة تتجاهل الجمعيّات التي ترفض الخضوع لتوجيهاتها وعرضنا أكثر من مرّة على الوزارة تسجيل بيانات المنضمّين إلى اتّحاد المصريّين في السعوديّة كافّة، إلّا أنّ الوزارة لم تهتمّ”.
وقال ب.ص.، وهو مصريّ داعم للإخوان المسلمين ومقيم في نيويورك مفضلا عدم ذكر اسمه، لـ”المونيتور”: “اتوقع ان الكيان الموحّد سيحظى بدعم الدولة في تقديم خدمات التأمين الصحّيّ إلى المصريّين في الخارج، وفي توفير نفقات نقل جثامين المصريّين المتوفّين في الخارج وغيرها من الخدمات، ممّا سيشجّع المصريّين على الانضمام إلى ذلك الكيان، واظن وغيري من المصريين المعارضين للنظام في الولايات المتحدة أن الغرض الأساسيّ منه هو حصر معارضي النظام الحاليّ من جماعة الإخوان المسلمين وغيرها في الخارج، لأنّ أغلب المعارضين لا يقيّدون أنفسهم لدى السفارات المصريّة أو القنصليّات، كما ربما يلعب الكيان دوراً في حشد المصريّين لتأييد السيسي في الانتخابات المقبلة”.
ويبدو أنّ فكرة اللوبي المصريّ، كما أسمتها متّى، تواجه العديد من المعوقات، بدءاً بصعوبات التطبيق بسبب خلاف بعض الجمعيّات الممثّلة للمصريّين في الخارج مع الوزيرة، مروراً باختلاف القوانين من دولة إلى أخرى، وصولاً إلى مخاوف البعض من أن تكون تلك الجمعيّات فخّاً لحصر المعارضين ورصد بياناتهم وأنشطتهم، على الرغم ممّا للفكرة من مميّزات على المستوى الدبلوماسيّ والاستثماريّ والدفاع عن حقوق المصريّين.