بقلم: صلاح المختار
14-هذه التبدلات خصوصا عودة بايدن للتفاوض مع اسرائيل الشرقية ورغم كل القيود التي يريد وضعها عليها فان اسرائيل الغربية ترى في ذلك مد حبل انقاذ لنظام الملالي في طهران ومشروعه النووي بعد ان وصل حالة الاختناق الحقيقي،ولذلك سوف تعزز اصرارها على منع تجاوز اسرائيل الشرقية،توأمها الستراتيجي في مرحلة ما، الخطوط الحمر في اكتساب القوة، من خلال عمل مكثف يقوم به اللوبي الصهيوني في امريكا واعداد نفسها لاسوأ الخيارات، فالصهاينة لايثقون بأحد ومهما كان دعمه لهم فهو عدو محتمل خصوصا اذا زادت قوته عن حدود معينة توصله لامكانية تهديد ما يسمى ب( امن اسرائيل). واسرائيل الشرقية ورغم كل خدماتها السوبرستراتيجية للصهيونية ولامريكا فانها غير مسموح لها بامتلاك سلاح نووي او صواريخ متطورة تصل اليها لانه يشكل (تهديدا لوجودها ).
ولكن الحقيقة الاخرى المخفية والاهم حتى الان والتي تشكل المحرك الاول للاسرائيليتين الغربية والشرقية وتزجهما في صراع مصيري سوف تزداد حدته هي ان كلا المشروعين الاستعماريين الاقليميين الصهيوني والفارسي يراهنان على الاستيلاء على موارد الوطن العربي واسواقه ويده العاملة في اقامة مشروعه وذلك لان كلاهما يفتقر للموارد الطبيعية الضرورية لقيام استعمار اقليمي من مياه وارض زراعية ويد عاملة واسواف استهلاكية عالية القدرة، ومنطقة الخصب والثراء المحصورة بين الفرات والنيل هي المصدر الاساس الذي تعول عليه الاسرائيليتين،فالمشروع القومي الفارسي وتماما مثل المشروع الصهيوني كلاهما خطط للاعتماد على موارد الوطن العربي وقواه البشرية واسواقه في تحقيق حلمه الاستعماري وكلاهما يعلم ان نجاح نجاح مشروعه مشروط بمنع المشروع الاخر من السيطرة على ما بين الفرات والنيل.
وبناء على ماتقدم فان الحركة الصهيونية وكيانها في فلسطين المحتلة اضافة لتحرك لوبيها في امريكا سوف تتعزز علاقتهما بالصين وروسيا اكثر من اجل اقناعهما بعدم تجاوز دعمهما لطهران حدودا معينة تهددها. واذا فشلت كل تلك الخطوات فانها لن تتردد في قصف مواقع ايرانية نووية او صاروخية وهو ما سيرفع درجات التوتر الاقليمية والعالمية. وكل تلك التحولات الممكنة سوف تضع ادارة بايدن امام ضغوط هائلة لن تستطيع مقاومتها وهو ما سيدفعها لتخفيف الاندفاع نحو طهران والاقتراب من موقف ترامب وان كان ذلك بصورة اقل حدة . وهنا سنرى ازمة نظام الملالي وهي تدخل منعطفا اكثر تعقيدا لانه سوف يواجه عدة اطراف دولية تضغط عليه لتوقيع اتفاق نووي ملزم وواضح يمنعه من امتلاك سلاح نووي ويجرده من القدرة على امتلاك صواريخ بعيدة المدى ويضع قيودا على توسعه الاقليمي، وستلعب روسيا والصين والاتحاد الاوربي دورا في اقناع طهران بقبول تلك الخطة اضافة للدور الامريكي.
15- ومن بين اهم ما اكدته الانتخابات هو ان النظام الديمقراطي الامريكي عبارة عن خداع يخفي ديكتاتورية عمياء، ولكنها ملساء كافعى كوبرا، يمسك بها رجال مال لايرون الا مصالحهم حتى لو ادى ذلك الى تدمير العالم كله، وهو ما نراه الان بوضوح،فنظام الانتخابات مصمم لخدمة من يملك المال من خلال حصر الانتخابات في الاشخاص الذين يمثلون الكتل الرأسمالية،اما الفقراء وابناء الطبقة المتوسطة فأنه محرم عليهم تولي مناصب عليا الا اذا قبلوا عبودية رأس المال، لان الشرط المسبق للفوز في الانتخابات هو امتلاك مليارات الدولارات من اجل الدعاية الانتخابية وهي مبالغ لايملكونها،اضافة الى ان النظام الانتخابي يعتمد تقسيم اصوات الناس بين الحمار والفيل فقط ولايسمح عمليا لغيرهما بالفوز فيها ولدينا امثلة منها روس بيرو المليونير الذي فشل ،وهذه الطريقة تضمن حصرها في كتل رأسمالية متنافسة او توزع الادوار بين من ترشحهم ، فتحرم عمليا وان كان ذلك ممكنا نظريا،الملايين من حقها في انشاء احزاب سياسية فعالة تنهي عصر احتكار الحمار والفيل للحكم ،كما انه نظام يقوم على تزوير ارادة المنتخبين عبر ما يسمى ب(الكلية الانتخابية) التي يمكنها الغاء نتيجة تصويت الناس واختيار الرئيس حتى لو لم يفز باصوات الناس وهو ما حدث عدة مرات كان اخرها تنصيب بوش الصغير وترامب رئيسا رغم انهما لم يفوزا باصوات الناس بل اختارتهما الكلية الانتخابية وهذه طريقة واضحة للالتفاف على اختيارات الناس والغاء اصواتهم .
والانتخابات الامريكية التي تمت ونرى الان فصولها الكوميدية-التراجيدية في ان واحد اكدت انها ديمقراطية مزيفة وتزوّر ارادة الناس العاديين وتعزز سيطرة كبار ملاك المال، ومعرفة هذه الحقيقة وعي متنام اخذ ينتشر كالنار في الهشيم في امريكا ويوقظ الملايين ويريهم ان من يحدد نتائج الانتخابات هو المال وليس الصلاحية والكفاءة والنزاهة وهذا سقوط مريع لاهم اساطير امريكا وهي انها (نموذج الديمقراطية الباهر)!
16- وبايدن سوف يعيد الدفء لعلاقات امريكا مع الاتحاد الاوربي وبريطانيا لعدة اسباب منها ادراكه العميق ان امريكا التي تتدهور مكانتها وتفقد الكثير من قواعد قوتها ولم تعد تملك مقومات فرض ارادتها على العالم وهو ما نبه اليه كيسنجر وبريجنسكي، ولذلك فهي تطمح في دعم الحلفاء لدورها ولكن ذلك مشروط في اطار مبادئ عامة تجرد امريكا من الانفراد بالدور الوحيد، وفي كل الاحوال فان الدور الامريكي العالمي لن يعود مركزيا كما كان ،واضطرار امريكا لاعادة النظر في دورها العالمي تشمل عقد صفقات مع الصين تخفف الصراع معها ولكن مع روسيا ورغم وجود توجه لمعاداتها فان قدرات امريكا المتراجعة لن تسمح لها بتجاوز حدودا معين وهي ستضطر في نهاية المطاف لتحسين العلاقات مع روسيا .
17- ومن اللافت للنظر ان اختيار بايدن لايخلو من احتمال وجود خطة لدفع امريكا نحو المزيد من الاضطرابات الداخلية من اجل التعجيل بتغيير طبيعة النظام من نظام ديمقراطي انكشف جوهره الديكتاتوري الى نظام سلطوي بوليسي يقيد الناس ويعيد للبيض سيطرتهم الاخذة في التراجع وهو ما جعل ترامب نجما لهذا التيار بحكم عنصريته، اذ لم يعد للبيض من خيار اخر، لاستعادة سيطرتهم على امريكا وانهاء التقاسم المحدود لامريكا مع السود واللاتين والسمر والصفر وهو تطور اخذ يغير الهوية الانجلوسكسونية لامريكا، سوى تغيير قواعد اللعبة الامريكية. ولكن هذا الخيار يقترن بتقسيم امريكا لان ثمة ولايات فيها غير البيض باعداد ضخمة تسمح بانشاء كيانات دول مستقلة فيها، وهؤلاء انتفضوا مؤخرا ضد العنصرية واظهروا عدم قدرتهم على تحمل سيطرة البيض عليهم ولو كلفهم ذلك حيواتهم .والاخطر على مستقبل امريكا ان البيض انفسهم لم يعودوا قادرين على تقاسم المال بينهم فالولايات الغنية مثل كاليفورنيا رفضت بقوة وهددت بالانفصال في عام 2008 اثناء الازمة المالية الطاحنة عندما رفضت دعم الولايات الفقيرة وهذا الموقف الانفصالي بين البيض انفسهم دفع اكثر من عشر ولايات غنية للتهديد بالانفصال وتأسيس دول مستقلة اذا تواصل اخذ المال منها للولايات الفقيرة، وتلك الحقيقة تثبت مرة اخرى بان امريكا لاتربط مستوطنيها هوية وطنية ولا ثقافة مشتركة ولا لغة واحدة بل هم خليط متنافر من عدة هويات قومية وثقافية وديانات متناقضة غالبا جمعتهم قدرات امريكا الهائلة عندما كانت تصعد وهي فقدت هذه الحالة الان لذلك فان المصالح الانانية للكتل والافراد هي التي تتحكم بامريكا وليس اي مصلحة عامة .وما تقدم يدعم فرضية ان اختيار بايدن رئيسا وكاميلا هاريسن غير البيضاء نا ئبة له هو مقدمة لتفجير الوضع اذا مات بايدن والبديل الرسمي له هي نائبته وهو ما سيرفضه البيض وسيكون مسوغا لتمردات عنيفة فتشتعل امريكا.
18-ما هي استنتاجاتكم مما تقدم؟ قبل كل شيء نرى الان تفاصيل اللعبة القذرة والتي وضعتها امريكا خصوصا منذ عهد جيمي كارتر وهي تنفيذ خطة بريجنسكي القائمة على دعم التيارات الاسلاموية السنية والشيعية وتمكينها من مصادر القوة الهائلة المالية والاعلامية والسياسية ..الخ، من اجل تدمير حركة التحرر الوطني العربية وبقية حركات التحرر في العالم عبر فتن طائفية دينية تبعد العالم عن الصراع الحقيقي وهو صراع لصوص العالم الرأسماليين مع شعوب العالم وفقراءه المستعبدين للاستغلال،وهذه الخطة مازالت تنفذ بخطوات متعاقبة ولكنها مكملة لبعضها.وهي تقوم على لعبة سرقة الوقت في كل مرحلة بكل ما تعنيه الكلمة خصوصا تعليق الناس بامال كاذبة ومشاريع وهمية للحلول السياسية والقانونية وغيرها وذلك يحتاج تنفيذه لعقود تتغيير فيها كافة المعطيات وتسقط تلك القرارات الاممية والتعهدات تلقائيا، مثل اسقاط امريكا قرار 242 الذي عد اهم قواعد الخضوع الرسمي العربي للكيان الصهيوني،والذي قام على (مبادلة الارض بالسلام)والان صار الحل هو (مبادلة السلام بالسلام)! ومتى؟ بعد اكثر من نصف قرن من المفاوضات والمشاريع السلمية وتأجيل الحل العسكري وانتظار نتائج المفاوضات السلمية ،فجرد الحكام العرب من قوتهم وجعلوهم ليسوا بلا اسلحة فعالة فقط بل عراة كما خلقهم الله بلا ملابس داخلية !وهكذا بتغطيس الناس في صراعات جانبية مفتعلة ومشاريع وهمية لايمكن تحقيقها تأمل امريكا ابقاء سيطرتها على عالم يرفضها.
انا اعرف بان ما كتبته من توقعات سوف يترك الانطباع بانني ابعث اليأس ولكنني على العكس تماما لم اكن متفائلا،طوال اكثر من ستين عاما من النضال ضد الامبريالية الامريكية واداتيها الرئيستين اسرائيل الشرقية ومكملها اسرائيل الغربية، اكثر من الان: فقد تغير العالم بنيويا وليس سياسيا ولا عسكريا فقط، ونحن نشهد الان العالم القديم الذي تزعمته امريكا يتهاوى ونعيش ولادة عالم سيقوده الشرق في نهاية المطاف، فالغرب اصبح اسمه مطابقا لوضعه فهو يغرب والشرق اصبح اسمه مطابقا لوضعه فهو يشرق، ونحن في قلب الشرق نشرق معه، وكما كنا احد اهم شروط نهوض الغرب بما قدمناه في القرون الوسطى فاننا والشرق يصعد بقوة لاراد لها سوف نكون في طليعة المحررين والمتحررين بنهوضنا الحضاري الذي ابتدا بعبدالناصر ثم بالبعث في العراق ولكنه اجهض ولكننا عائدون على طريق البعث والنهوض، خصوصا اذا اثبتت القيادات انها واعية لما يجري ومحصنة ليس ضد العدو التقليدي لنا بل ضد انفسنا اولا. ورغم كل ما يبدو ظاهريا سننهض بقوة ونجدد شباب حركتنا الثورية ونثبت ونطور اركان الوعي الطليعي فيها من اجل وطن عربي واحد اشتراكي وناهض.ستنتصر فلسطين والعراق والاحواز واليمن ولبنان وليبيا وهي انتصارات ستعزز مسيرة المغرب العربي ومصر والسودان وتوصلها لبر الامان اما دول الخليج العربي فلها قصة اخرى محزنة .
المجد للشهداء القادمون.