وضعت المخابرات الامريكية خطة اجتثاث البعث قبل سنوات من غزو العراق لتكون ضمانة لعدم وجود تنظيم يقاوم الاحتلال،وانهاء وجود قوة شعبية منظمة تمثل كل العراقيين، لان وجودها سوف يقود الى اعادة بناء العراق وبعد تحريره بصفته قاعدة التحرر العربي الاساسية، مثلما سيضمن وجود الحزب منع تقسيم العراق وتغيير هويته الوطنية والقومية،ولهذا لم تكن صدفة ادخال قانون الاجتثاث في دستور عراق ما بعد الاحتلال بل هو اعتراف بانها ستراتيجية مخصصة لانهاء حزب البعث العربي الاشتراكي كما عرفناه.
السؤال المركزي الان الذي يتكرر بلا توقف منذ اكثر من عامين هو التالي: هل أزمة الحزب هي تطبيق لخطة اجتثاث البعث ؟ نعم فاقتلاع البعث يجري على قدم وساق،فهو يقسم ويصبح تنظيمات متناحرة، ويجمد نضاليا،وابرز دليل هو انسحابه من الانتفاضة التشرينية في العراق، وتوقف الاجتماعات الحزبية وعدم صدور التعليمات الاسبوعية،او الشهرية على الاقل، للجهاز الحزبي، وتجميد المنظمات الشعبية المرتبطة بالحزب، وتسييد المهاترات والفتن بين الرفاق، وكل ذلك يحدث في وقت يذبح فيه العراق وفلسطين وسوريا وليبيا واليمن من الوريد الى الوريد، وتوضع بقية الاقطار على حافات التقسيم والانهيار، او تواجه ازمات تجعلها مضطرة للاستسلام لاعداء الامة ! ومقابل التشرذم العربي نرى ان التلاقي الامريكي الايراني في ذروة غير مسبوقة رغم الحرب الكلامية التي تشن لاخفاءه او خداع البعض، كما نراه في العراق من اجل انهاء عروبته، عندما نرى كل ذلك ونشهد بنفس الوقت حزبنا وهو في حالة موت سريري فاننا بأزاء انموذج كامل لتطبيق خطة اجتثاث البعث .
اما من يعد ما يجري في الحزب بعيدا عن عن هذه الخطة فهو واحد من اثنين: فاما انه ساذج الى درجة انه لايفهم حقيقة ما يجري وبالتالي فان مثل هؤلاء لايصلحون لقيادة النضال، او انه مجند لتنفيذ خطة الاجتثاث ولكن من داخل الحزب وباسم اعلى قيادة فيه.ويكفي ان نتساءل : هل يوجد انسان عاقل يقبل بتقسيم حزبه في زمن التحديات المميتة دون ان يكون عميلا للعدو ؟حتى الطفل يتوقف عن المشاكسة عندما يرى النار تحرق البيت! لا شيء في السياسة يأتي بالصدفة خصوصا سياسات الغرب وتحديدا امريكا وبريطانيا فهذه الاطراف تخطط لعشرات السنين،اما اليهود والفرس فيخططون لقرون، ولو تركنا التاريخ والوثائق التي تثبت ان ما يجري هو مخطط غربي صهيوني ايراني فان مجرد نظرة لواقعنا الحزبي والوطني والقومي تجعلنا نرى بوضوح تام ان حزب البعث العربي الاشتراكي لم يعد كما كان فهو في حاله موت سريري بعد صار احزابا كل منها يدعي الانتماء للبعث وهي في حالة تطاحن عدائي، فهل هذا امر طبيعي وعفوي ؟
اجتثاث البعث يبدأ بالعنف من خارجه وعلى يد اعداءه، ولكن خطة الاجتثاث الناعم للحزب من داخله هي المرحلة الاخطر منه ويتم عبر تجنيد عناصر قيادية من اجل ان تقوم بالتخريب الداخلي، وابرز واجباتها التي كلفت بها زرع عناصر تابعة لها في مواقع قيادية ودعمها مقابل عزل البعثيين المتمسكين بعقيده الحزب وستراتيجيته القومية ، ولذلك كانت المهمة الاساسية لهؤلاء هي السيطرة على مفاتيح الحزب واخطرها القيادة القومية حيث يجب ان تملء بعناصر مجندة مخابراتيا،او على الاقل مستعدة للتعاون مع الشيطان من اجل مصالحها الخاصه.
من خلال هذه المواقع يمكن تحديد من يقود المنظمات الحزبية ومن يبعد عنها، وبهذه المفاتيح تم عزل الامين العام عن الحزب واجبر على الاعتماد على معلومات قناة واحدة توصل له المعلومات، وعين عدد ليس بالقليل في اعلى قيادات الحزب دون توفر شروط الحد الادنى فيها، وتتميز بانخفاض الكفاءة والاستعداد للكذب والانانية وجهل عقيدة الحزب ،وكانت تلك هي بداية تشويه هيكل الحزب والسيطرة على مفاصله الحيوية قبل رحيل الامين العام استعدادا لرحيله، وذلك يعني تحديدا انهاء الحزب الذي عرفناه وتحويله الى شكل اخر لا يختلف عن الشكل السائد في سوريا منذ حافظ اسد والى الان فيبقى اسم البعث ولكن جوهره يختلف ويصبح اداة امريكية واسرائيلية وايرانية .
وكان ابرز مظاهر الانحراف ثلاثة: الانحراف عن عقيدة الحزب بتبني المنحرفين مفهوم حقوق الانسان الامريكي بديلا عن الاشتراكية وقد لا ينتبه البعض الى هذه الحقيقة، ولذلك يجب توضيحها، فحقوق الانسان الذي تبناه تكتل السنهوري يدعو لحرية الكلام والاعلام والنقد فقط،( المفارقة النفاقية هي ان السنهوري اخر من يؤمن بذلك كما اظهر داخل الحزب)، وهذا المفهوم الامريكي لا يعالج مشاكل العالم الثالث والتي تتركز حصرا في الفقر والجوع والمرض والامية والتمييز الطبقي،وهذه الامراض تعالجها الاشتراكية فقط لانها توفر الطب والتعليم المجانيين وفرص العمل والخدمات الرخيصة ،بينما حقوق الانسان بالمفهوم الامريكي تبقي مصادر الامراض الخطرة كالفقر والامية.
اما الانحراف الثاني فهو التخلي العلني ستراتيجية الحزب القومية فالحزب منذ نشوءه تبنى ستراتيجية الكفاح الشعبي المسلح لتحرير الارض المحتلة، وكان ذلك اثناء احتلال فلسطين في عام 1948 حيث شارك الحزب وهو في بداية نشوءه في المقاومة المسلحة للاحتلال الصهيوني لفلسطين، وثبتت هذه الستراتيجية خطا كفاحيا ثابتا للحزب في كافة مؤتمراته القومية، ولم تتغير خصوصا وانها تنسجم مع طبيعة الاحتلال الذي لا يخرج الا بالقوة. ولذلك فالمقاومة المسلحة للاحتلال هي ما يميز الحزب الوطني والقومي والثوري الحقيقي عن غيره من القوى التابعة علنا او سرا للغزاةـ وفي اللحظه التي يتخلى فيها الحزب عن المقاومة المسلحة للاحتلال يفقد صفته الوطنية والقومية ويتحول الى اداة للاحتلال، وما اعترف به السنهوري بعد رحيل الامين العام عزة ابراهيم ركمه الله بقوله ان (الحزب يؤمن بالنضال السلمي الديمقراطي ولا يؤمن بالعنف)كان عباره عن تقديم اوراق اعتماد رسمية لامريكا وللاسرائيليتين الشرقية والغربية، وهي الدول التي تحتل اقطار عربية، تقول بان الحزب لم يعد يقاوم الاحتلال ويتبنى المفاهيم الامريكيه.اما اللغو الفارغ للسنهوري وازلامه الفاسدين ماليا حول تمسكهم بالكفاح ضد الاحتلال الصهيوني فهو ليس الا محاولة للتخلص من الادانة الشاملة لهم من قبل الحزب لان العبرة في الموقف العملي وليس في اللغو.
اما الانحراف الثالث فهو عدم التقيد بالنظام الداخلي وهو قانون الحزب فكما ان للدولة قوانين تحكمها والخروج على القوانين جريمة فان النظام الداخلي وضع لضبط عمل الحزب تنظيميا وضمان تحقيق الاستقرار فيه واستبعاد القرارات الفردية التي تناقض العدالة، ولهذا فحينما يخرق النظام الداخلي لا يؤدي ذلك فقط الى خلق المشاكل داخل الحزب وظهور الفتن المعقدة بل ايضا يعطل العمل الحزبي ويشوه صورة الحزب ويهيأ لموته السريري، وهذا ما فعله تكتل السنهوري في العراق وغيره من الاقطار العربية حينما تدخل واخذ يفصل ويعين بقرارات فردية منه في مخالفة صارخة للنظام الداخلي.وبتوفر هذه الاركان الثلاثة فان تكتل السنهوري خرق ثوابت الحزب الاساسية، وليس كما يظن البعض انه اخطأ نظاميا فقط، وهذا هو جوهر الازمة حاليا الذي اوصل الحزب الى الموت السريري في العراق والى تعدد التنظيمات الحزبية، وتلك هي الصورة الانموذجية لاجتثاث البعث تطبيقيا !
وهنا نصل الى جوهر الموضوع: بما اننا حددنا المشكلة فما هو المطلوب منا كبعثيين عمله في كل الوطن العربي؟ الرد الوحيد المدروس هو قلب خطة الاجتثاث الى خطة توحيد الحزب وتطهيره من العناصر التي مزقته ووضعه مجددا على طريقه الاصلي عقائديا وستراتيجيا وتنظيميا،ثم الانطلاق مجددا. وهنا نتوقف قليلا لنوضح هدفا لامفر منه، فالحزب وعبر عقود ولاسباب مختلفة فقد الاف الرفاق لدرجة ان هناك مقولة شهيرة تقول ب(ان اغلب القوى السياسية العربية اصلها بعثي)، فما احرانا اليوم ان نعيد ابناء الحزب اليه؟ فوحدة الحزب التي نناضل من اجلها لاتعني فقط طرد تكتل السنهوري،والنسخ الاخرى من الكذابين والمنافقين،وتوحيد التنظيمات الحالية فقط بل هي تشمل ايضا اعادة الرفاق الذين اصبحوا خارج الحزب خلال العقود الماضية بشرط بقاء ايمانهم بعقيدة البعث،لهذا لامفر من النضال بلا هوادة من اجل وحدة الحزب ونهوضه بقوة ،وذلك مرهون بانهاء الموت السريري للحزب وتفعيله وانطلاقته نضاليا بلا قيود وهو متمسك بالاصولية البعثية والتي بدونها لايوجد بعث حقيقي، وهو ما نفعله منذ شهور بصمت وهدوء من خلال حوارات رفاقية حرة ومفتوحة .
تلك هي دعوتنا ، وذلك هو مشروعنا القومي الاعظم فلا نهوض للامة الا بنهوض العراق،ولا نهوض للعراق الا بوحدة البعث ولكن على اسس عقائدية واضحة تحافظ على ثوابته ومقدسات الامة العربية وفي مقدمتها التمسك بالقومية العربية والاشتراكية وتحرير الاراضي المحتلة بالمقاومة المسلحة. ان ناقوس البعث يقرع لنا، وابناء الامة العربية بملايينها المعذبة تنادينا لتحطيم قيود الموت السريري وتطهير صفوفنا من المرتدين.
ما يجب علينا الان فعله وبلا ابطاء هو تطبيق المثل الذي يقول : (اذا كنت تريد تجفيف المستنقع فلا تطلب اذن الضفادع )، فلا تلتفتوا ايها الرفاق لنقيق الضفادع التي ظن بعضها انه صار اسدا رغم انه لايتقن الا نقيق الوعود الكاذبة! ولا تنجروا للبذاءة وتذكروا اننا بعثيون،وبنفس القدر لن ننتظر من يفكر بعقلية السكرتير فهؤلاء هم جرثومة الحزب.ونكرر التأكيد بحسم لارجعة عنه: البعث بعثنا ولن يبقى اي منحرف في صفوفنا.