بعض دول عالمنا تسودها الديمقراطية رسميا بكافة انواعها كنظام حكم منذ قرون، وبغض النظر عن صدق تطبيقها او زيفه ، وهي كمفهوم وكتطبيق تخضع لشرطين حاسمين لاتصبح وسيلة تمثيل بدونهما وهما شرط الانتخابات الحرة وشرط توفر حد النصاب، فما المقصود بذلك؟ الانتخاب هو قيام الشعب باختيار حكامه وعلى هؤلاء ان ينفذوا ارادة الناخبين المعبر عنها في البرامج التي دعموا المرشحين بسببها ، وبما ان ارادة الناس واهدافهم مشروطة بظروف معينة قد تتغيير فلا يبقى لدعم المنتخب سببا بعد تغير الاوضاع فان وجود فترة محددة لممارسة حق التمثيل هو قاعدة ثابتة في الديمقراطية تضمن صدق بقاء التمثيل للشعب ،وعلى الدولة ان تقوم بأجراء الانتخابات بعد انقضاء الفترة المحددة قانونا. ومفهوم الصلاحية الزمنية لمن انتخب مهم لازدهار الديمقراطية او ضمورها لذلك استنت قاعدة محدودية زمن التمثيل لضمان صحة التعبير عن مصالح من انتخب ولمنع التصرف بصورة مناقضة لارادة الناس بأسم من يمثلهم.
اما الشرط الثاني فهو توفر حد النصاب وهو النصف زائد واحد ، فلكي تعبر الديمقرطية عن جوهرها فان الاغلبية الفائزة يجب ان تتوفر باستمرار عند اتخاذ القرار ليكون شرعيا ونافذ المفعول ،اما عندما ينزل العدد دون النصف فان صدق التمثيل الديمقراطي ينتهي ويجب اعادة الانتخابات لاعادة النصاب الى حالة النصف زائد واحد ، فمثلا حزب سياسي عدد من انتخب في قيادته لتمثيله 11 عضوا ولكن لاسباب عديدة لم يبق منهم الا اثنين في هذه الحالة فان الشرعية التمثيلية عنهما تسقط ويكون من الحتمي اجراء انتخاب لاكمال العدد المطلوب للتمثيل وهذا هو شرط حد النصاب .وما يترتب على ذلك هو تثبيت قاعده فقهية وهي ان التخويل الديمقراطي لاي جهة منتخبة محدد زمنيا بفترة ومحكومة بقاعدة حد النصاب.
ولكن بالمقارنة بين مفهومي حد النصاب والفترة الزمنية نلاحظ ان حد النصاب اكثر اهمية من الصلاحية الزمنيه، فاذا كان غياب النصاب يؤدي الى سقوط الشرعية فور حصوله حتى بعد الانتخاب بيومين فان انتهاء الفترة الزمنية يمكن ان يعالج بتمديدها من قبل اغلبية تلك المنظمة لفترة مؤقتة محددة بوضوح لتجنب اطالتها، ويجب ان تجرى الانتخابات بعد ذلك التمديد حالما تتوفر الفرصة المناسبة. وفي هذه الحالة فان التمديد مشروط بوجود ظروف قاهرة فرضت التمديد لمنع ازمة خطيرة وهي غياب السلطة التمثيلية المختصة باتخاذ القرارات او ممارسة الادارة او القيادة وحسب الحالة، فغياب السلطة التمثيلية يؤدي الى انهيار المنظمة او الكيان السياسي، ولذلك ولمنع الانهيار يجري التمديد لسلطة تمثيلية فقدت صلاحيتها الزمنيه لكن بشرط جوهري وهو بقاء صلاحيتها العددية ممثلة بحد النصاب،كي تواصل المحافظة على الشرعية بالحد الادنى لها ، اما اذا فقدت حد النصاب فانها تفقد الشرعية تماما.
وفي غالب الحالات وعند التمديد تقل الصلاحيات التمثيلية لتلك السلطة وتصبح غالبا ادارة مؤقتة توفر ضمانة تطبيق القوانين السارية وتفقد حق سنها او اتخاذ قرارات ستراتيجية،والمثال هو استقالة وزارة وتكليفها بواجب يسمى ب(تصريف الاعمال) اي تصبح صلاحياتها ادارية لمنع توقف العمل. ولهذا يجب الانتباه طبقا للمشرعين في الدول الديمقراطية الى الفرق الكبير بين من يمارس سلطه تمثيلية كاملة الشرعية وبين من يصرف الاعمال بصلاحيات محدودة ولا يجوز الخلط بين الحالتين.
وفي حالات اخرى فان انعدام فرص اجراء انتخابات نتيجة غزو خارجي يفرض مقاومته عنفيا او حصول انتفاضة فان البديل الديمقراطي في هذه الحالات هو الشرعية الثورية التي تحل محل الشرعية الدستورية والشرعية الحزبية معا ، ومصدر الشرعية الثورية هو قيام ممارسها بتمثيل الاهداف الشعبية التي تتفق عليها الاغلبية وافضل تعبير عن ذلك هو دعم نضال قيادة المقاومة المسلحة من الشعب فبدون ذلك الدعم لايمكن تصور قيام مقاومة مسلحة واستمرارها من منطلق معروف وهو ان الثوار اسماك تسبح وتعيش فقط في بحيرة المحيط الشعبي وبدونه تموت، وهذا هو مصدر شرعية الثوار، وفي هذه الاوضاع فان كافة انواع الشرعية الانتخابية تتعطل وتحل محلها الشرعية الثورية ، وبطبيعة الحال فانها شرعية مؤقتة تنتهي بانتهاء حالة الاحتلال او الصراع الدموي وتبدأ الشرعية الدستورية بالحلول محلها تدريجيا الى ان تسود .
ويجب هنا التوضيح بان من يحق له ممارسة الشرعية الثورية هو بطل الميدان الممثل في جبهة او حزب يقاوم بالسلاح ويتعرض مناضلوه للموت والاسر والتعذيب، والمثال قيادة الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي والمقاومة الفلسطينية والمقاومة العراقية بعد غزو العراق، اما من لايحق له ممارسة الشرعية الثورية فهو من ليس له صلة بالمقاومة المسلحة ويمارس العمل السياسي في ظل اوضاع سلمية في قطره. وهكذا نرى لم وضع اطار زمني للتمثيل الديمقراطي، مثلما نرى الاهمية القصوى لحد النصاب، وفي الحالتين فان الهاجس الاول للمشرع وللناس عامة هو ضمان منع الاستبداد الفردي من الظهور وتمويهه بأشكال ظاهرية من الديمقراطية لكنها ليست الا غطاء لسلب حق الناس في التعبير عن ارادتهم ومصالحهم، او ان الهدف من الاستبداد هو السطو على حزب ثوري عريق من قمته بواسطة عدد صغير فقد الشرعية الانتخابية بقاعدتيها الثابتتين الصلاحية الزمنية للتمثيل وتوفر حد النصاب، فيلجأ المستبد لاتخاذ قرارات غير شرعية يتخلص بها من اهم العقبات التي تمنع اجتثاث ذلك الحزب من داخله وبأسمه وفي مقدمتها التخلص من قادة الحزب الاصلاء، فتلك عملية تأمرية يجب مقاومتها بكافة الطرق مهما يكلف المناضل ذلك .
وفي حالة السطو على قيادة حزب فان القول بانه صراع بين قادة واشخاص خطأ فادح لانه في واقعه صراع بين وطنية الحزب الثوري وبين افقاده لوطنيته وهويته القومية ثم تسخير اسمه لخدمة اهداف الاعداء من اجل التضليل كما فعل حافظ اسد عندما استخدم اسم البعث للسطو على الحزب وافراغه من محتواه العقائدي والنضالي وتحويله الى اداة تدمير منظم للحزب في سوريا وفي بقية الاقطار العربية وانتهى به المطاف ان يصبح اداة ايرانية ! فهذه الظاهرة المخابراتية ليست صراعا بين قادة فيه بل هو صراع مصيري بين خطين خط وطني عربي وخط شعوبي ولا مجال للتوفيق بينهما،انه نضال وطني وقومي عربي مثلما هو نضال عقائدي من اجل منع اجتثاث الحزب بتحويله الى اداة ايرانية وهو هدف واضح في المخطط الايراني.
ويجب ان لاننسى ولو للحظة ان النجاح في مخططات السطو على حزب ثوري تؤدي الى تدمير القطر ثم الامة بعد التخلص من الطليعة الثورية القادرة وحدها على تحرير الوطن واحباط كافة المخططات المعادية ، وما يؤكد ذلك هو تبني الغزاة الامريكيين والايرانيين لخطة اجتثاث البعث فهي كما يدل واقع العراق الكارثي خصوصا ما تعرض له الرفاق من مجازر جماعية واسر وتجويع وتهجير لم تكن نزوة بل هي مخطط ستراتيجي يبدأ بتصفية قادة البعث ثم كوادره ثم التنظيم ذاته، وكل تلك الخطوات تمهيد واضح لتقسيم الاقطار العربية وفرض الهيمنة الصهيونية والايرانية وتحت الزعامة الامريكية على المنطقة كلها .
لا خيار لنا الا النضال بصرامة وبلا اي تردد وتحمل اي تضحية من اجل المحافظة على نقاوة البعث وهويته وستراتيجته القومية الرافضة للتطبيع والتبعية لاي طرف اجنبي.
8-9-2021