أمستردام- منذ ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وفوز جو بايدن المحتمل بكرسي الرئاسة هناك حالة من الجدل والارتباك بل والخوف من السيناريوهات القادمة في عهد ساكن البيت الأبيض الجديد.
القراءات عديدة ومتناقضة بين مترقب ومتخوف من القادم، وبين مرحب، ومن جانبه المواطن الأمريكي يؤكد أن مصالحه ومصالح بلاده يجب أن تكون من أولويات الرئيس الجديد وبناء على ذلك بايدن الرئيس الأصلح من وجهة نظرهم، باعتباره قادرًا بخبرته وتاريخه السياسي أن يحقق طموح الشعب الأمريكي، من تحسين ملف الصحة ونظام التأمين الصحي المناسب للمواطن الأمريكي، ولا شك كافة الملفات الأمنية والاقتصادية وغيره، والمقولة الآن في الولايات المتحدة الأمريكية الشعب استرد بلده من جديد، مع الوضع في الاعتبار أن أزمة كورونا وتصريحات ترامب بشأنها، كانت سبب في حالة من عدم الرضى لدى الشعب الأمريكي، بخلاف تعاليه في مواجهة الأزمة وعدم اعترافه بالفشل على حد قولهم، وغيره من الأزمات بخلاف اتهامه بأنه وراء حالة الانشقاق بين أنصار الجمهوريين وبين أنصار الديمقراطيين، كذلك عدم الاستقرار النفسي والخدمي لدى الشعب الأمريكي ومشاكل كبيرة تحتاج لمعالجة سريعة، أوروبا أيضا لا تخفي ارتياحها وتأييدها لجو بايدن، وكذلك الصين، وفي المقابل عدم ارتياح من قبل روسيا، والتي أكدت عدم التهنئة حتى موعد تسلم الرئاسة رسميًا.
وفي المقابل هناك نسبة من الأمريكين لا بأس بها يؤكدون أن ترامب الرئيس الأحق وأن الانتخابات سُرقت منه وأن هناك تزوير فعلي في الانتخابات الأمريكية، ويؤكدون نظرية المؤامرة من قبل حلفاء الديمقراطيين للإطاحة بالرئيس ترامب، مع توضيح أنه بالفعل رئيس نجح في كل ما وعد به وقد قام بحلول فعالة لحل مشاكل البطالة ولكن كورونا لم تمهله الفرصة لحل الأزمة بشكل أفضل، وأنه كان يحتاج دورة جديدة لتحقيق كل ما وعد به.
وإذا كان هذا الحال داخل أمريكا وحلفائها، هناك جدلا كبيرا في منطقة الشرق الأوسط، لأن بايدن ليس حليف جيد للعديد من الدول، إيران تتوقع منه تأييد ومباركة ملفها النووي، والمملكة السعودية والإمارات ومصر يتوقعون بداية غير مبشرة بالخير مع الرئيس الجديد.
وبجانب كل هذا هناك الملف العراقي والمخاوف من تقسيم البلاد خاصة وأن بايدن صاحب الفكرة منذ سنوات، ولمعرفة تفاصيل ذلك حاورت رؤية السياسي العراقي عوني القلمجي وقد جاء الحوار على النحو التالي:
اللجوء للقضاء والتشكيك في نزاهة الانتخابات الأمريكية لصالح من؟ وهل ينتج عنه انقسام داخلي؟
من حق ترامب أن يلجأ للقضاء، وهذ حدث من قبل أكثر من مرة، ولكن بمجرد الانتهاء من التحقيق وإثبات نزاهة الانتخابات، ومع تنصيب الرئيس جو بايدن رسميا، سوف ينتهي كل هذا لأن أمريكا لا تسمح بالانقسامات والانشقاق، وسيعود التوازن والمصالحة الاجتماعية من منطلق مصلحة أمريكا وأمنها أهم من أي خلافات، كما أنني أستبعد فكرة التزوير في الانتخابات.
لماذا يرفض ترامب التنازل عن الحكم ولا يرغب في الاعتراف بالهزيمة؟
لعلها عدم خبرة ترامب جعلته يتصرف بهذا الشكل وخاصة أنه لا يمتلك خبرة بايدن السياسي المخضرم منذ كان عضوًا بالحزب حتى وصل إلى منصب نائب الرئيس في عهد باراك أوباما، وأخيرا رئيس أمريكا القادم.
وأضاف ترامب جاء للحكم لأن الشعب رغب في رئيس لديه خبرة اقتصادية تخرجه من أزماته، وبالنسبة للكونجرس كان الأفضل هيلاي كلينتون وخاصة اللوبي الصهيوني كان يدعم وجودها، لأن لديها خبرة سياسية، وكانت ستراعي مصالح إسرائيل، عكس ترامب، ليس لديه خبرة سياسية.
كيف قرأت السيناريو القادم في أمريكا وتأثير ذلك على منطقة الشرق الأوسط؟
بداية يجب الاعتراف بأنه لم يحدث تغيير يذكر في السياسة الخارجية الأمريكية من قبل جميع رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية من “الحزبين الديمقراطي والجمهوري” في أي وقت سابق، وببساطة أمريكا تهتم في المقام الأول أن تحكم وتسيطر على العالم، وهي لا تهتم بمصلحة الشعوب بقدر اهتمامها بمصالحها أولا ومصالح شعبها، وحسب مشروعهم الأهم تتحرك حكومة الرئيس الحاكم، بمعنى آخر أمريكا في الوقت الحالي ترغب في تحسين العلاقة مع الصين يأتي بايدن، ولو كانت ترغب في شن حرب على الصين كانت جاءت بالرئيس ترامب ليحكم، كذلك في ملفات منطقة الشرق الأوسط.
الخلاف هنا بين حزب يعتمد على طريقة معاملة جافة متغطرسة، وآخر يعتمد على الطريقة الناعمة وسياسة المداهنة ولكن الإثنين يعملون لصالح مؤسساتهم ولوبيهاتهم المتعددة في أمريكا، وأيضا مراكزهم الخاصة بالدراسات والأبحاث والأهم بالنسبة لأمريكا مشروعها للحفاظ على الأمن القومي الأمريكي، حتى لو جاء بشكل استعماري، ولا يخفى على أحد لو كانت أمريكا ترغب في شن حرب على إيران كانت فعلت ذلك من سنوات، كما كانت تدعى وكما احتلت العراق، ولكنها ترغب أن تظل إيران مصدر تهديد لمنطقة الشرق الأوسط.
لماذا التخوف الشديد من تأثير الإخوان الإرهابية على البيت الأبيض؟
أرى أن الرأسمالية الأمريكية لن تسمح بسيطرة الإخوان على البيت الأبيض، وأن الحديث عن تدخلات الإخوان وإيران في الانتخابات شيء مستبعد من وجهة نظري، والقيادة الجديدة سوف تتبع السيناريو المكتوب لها ولن تقدم جديد، ومصالحها تحكمها، وبالمناسبة كل من تحدث على أنها ستتحول لدولة شيوعية وغيره كلام لا يمكن أن يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، أمريكا دولة مؤسسات، وتحكمها أجندات خاصة وبرامج تنفذ لتحقيق أمنها القومي فقط، والرئيس لا يحكم بل هناك نظام كامل يتحكم في إدارة شؤون البلاد.
هل نتجاهل وثائق هيلاري كلينتون التي كشفت علاقة الإدارة الأمريكية بقطر وجماعة الإخوان الإرهابية؟
حرب الإيميلات والمحادثات بين كلينتون والإخوان تؤكد دعم أمريكا للإخوان وداعش، وأيضا لثورات الربيع العربي، ولكن الثورات جاءت من الشعوب وأرفض أن ننسبها لأمريكا، ولكنها للأسف أمريكا لا تنكر دعمها لداعش والإخوان وهما من أفسد الثورات الشعبية، وأعود وأقول أمريكا دولة استعمارية فكيف تحقق أو تؤمن بالحرية والاستقرار للشعوب والدول، وبالمناسبة أوروبا والعالم كله يعلم دعم أمريكا لـ داعش وجماعة الإخوان.
إيران وحلفاؤها يدعمون بايدن لماذا؟ وهل هذا يعني تصالح بين المصالح الأمريكية الإيرانية وعودة المشروع النووي الإيراني واتفاقيات جديدة يمكنها أن تؤثر سلبًا على دول الخليج والمنطقة العربية؟
نستطيع القول بأن بايدن سوف يعود للمربع الأول ويضع كل الموضوعات على الطاولة ويبدأ المباحثات من جديد وأيضا المساومات للحصول على أكبر مكاسب ممكنة من كافة الأطراف من جهة من المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر وحلفائهم في المنطقة، ومن جهة آخري إيران، والأمر كله يتوقف على المكاسب التي يحققها بايدن من اتفاقه مع الدول العربية أولا ولو لم يحقق ما يرغب يتوجه إلى إيران، وكل ما تم في عهد ترامب سوف يتم وضعه جانبا، وبالمناسبة هذا حال أمريكا دائما مع وصول الرئيس الجديد للكرسي، والغطاء الديمقراطي الأمريكي سرعان ما يسقط عندما نتذكر مصالحها.
كيف ترى مستقبل العراق في عهد رئيس البيت الأبيض القادم؟
للأسف أكثر الدول ضررا من وصول بايدن للحكم، العراق وذلك بسبب مشروع التقسيم الذي قدمه بايدن، وتعود خطّة بادين إلى سنة 2006، وكان وقتها عضوا في مجلس الشيوخ، ثم أعاد طرحها سنة 2013، إثر توليه منصب نائب الرئيس الأمريكي. واليوم وبقدر ما تتعقّد الأزمة في العراق يكثر الحديث عن طرح بايدن كأحد الحلول “الواقعية”، خاصة مع تقديم واشنطن مساعداتها المالية مباشرة إلى الأكراد، وأيضا دعمها للعشائر السنية طرفين مستقلين وبعيدا عن حكومة بغداد المحسوبة على إيران الشيعية.
وكان ريتشارد هاس، مدير مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، توقع في كتابه “حرب الضرورة أم حرب الاختيار” (صدر في 2009) تفكك العراق إلى ثلاث دويلات مع هيمنة إيرانية مباشرة على محافظات الجنوب، وانفصال منطقة كردستان (شمال العراق) بعد إعلان استقلالها، أما الشمال الغربي، فيبقى من حصة المتشددين السنة الطامحين إلى إنشاء دولة سنية في محافظات غربي العراق، بما فيها الموصل الممتدة إلى مدن شرق سوريا.
والآن يمكنه تنفيذ ذلك بعد أن وصل للحكم خاصة وأنه يحقق المشروع الصهيوني.
والحل؟
بما أن الحكومات كلها صناعة أمريكية وتفقد شرعيتها لعدم اعتراف الشعب بها، فالواجب والحل سيكون في دعم المظاهرات الشبابية التي اندلعت في أكتوبر من العام الماضي، ولم تتوقف إلا بسبب فيروس كورونا، ولكنها ستعود في حالة الحديث عن التقسيم، وهذه المرة بشكل أكثر تنظيم وبقيادة قوية، ويجب أن تتوحد المعارضة العراقية وتقف خلف الشباب ويكون هناك قوة للمعارضة على الأرض، وتعلن رسميا رفض الشعب العراقي بالكامل لتقسيم البلاد.
المصدر: رؤية