رائد صالحة
لم تكن واشنطن ذلك الحليف الملتزم والموثوق الذي يمكن الاعتماد عليه لفترة طويلة في الشرق الأوسط، وبدلاً من ذلك، وتماشياً مع ما كان يطلق عليه «الميل نحو آسيا» ركزت الولايات المتحدة على الصين.
والمشكلة التي تواجهها واشنطن الآن هي أن الصين نفسها تركز على الشرق الأوسط على حد تعبير صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» التي قالت إن لكل من الصين والسعودية وإيران رسائل خاصة للولايات المتحدة من هذا الاتفاق، وفي الواقع، هناك إجماع بين الخبراء على أن الأهمية الأساسية للصفقة ليس ما تعنيه للعلاقات السعودية-الإيرانية بقدر الآثار المترتبة على المصالح الأمريكية في المنطقة على المدى الطويل.
وبينما لا يزال من السابق لأوانه الحديث عن شرق أوسط «ما بعد أمريكي» فإن نفوذ واشنطن المنخفض، وبروز بكين المتزايد، أمر واضح.
وحتى وقت سابق من هذا القرن، كانت أمريكا بلا منازع القوة الدولية الرئيسية في المنطقة، فهي تحتفظ بعلاقات سياسية ودبلوماسية وعسكرية قوية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، قبل كل شيء، إضافة إلى مصر والأردن ومع السعودية ودول الخليج، لكن دور الولايات المتحدة كوسيط محتمل في النزاع العربي الإسرائيلي تراجعت أهميته.
وجاءت التقارير المتعلقة بالعلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران في اليوم نفسه الذي فاز فيه الرئيس الصيني شي جين بينغ بولاية ثالثة لمدة خمس سنوات كرئيس، إذ صوت المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني على 2952 صوتا مقابل صفر لإعادة انتخاب شي، البالغ من العمر 69 عاما، ما يضعه على المسار الصحيح للبقاء في السلطة مدى الحياة.
وكان فوز شي نتيجة محتومة لأنه أبعد منافسيه المحتملين وملأ المراتب العليا في الحزب الشيوعي الحاكم بمؤيديه منذ أن تولى السلطة لأول مرة في عام 2012.
تأتي العلاقات المستعادة بين المملكة العربية السعودية وإيران وكذلك إعادة انتخاب شي خلال فترة تحذيرات متزايدة من المشرعين والخبراء في الولايات المتحدة بشأن التهديد المتزايد من الصين .
وأشار بهنام بن طالبلو، الزميل البارز والخبير الإيراني في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إلى أهمية دور الصين في التوسط في الصفقة، التي قال إنها تقدم «اهتماما متزايدا» بسياسات المنطقة. من شأنها أن تخلق «تآلفا سياسيا أعمق» وفقاً لشبكة «فوكس نيوز».
وقالت ريبيكا كوفلر، رئيسة شركة «وكتراين أند ستراتيجي كونسلتينغ» والمسؤولة السابقة في وكالة الاستخبارات الدفاعية إن الصفقة قدمت «مؤشرًا آخر للتحولات التكتونية الجيوسياسية التي تحدث في العالم».
وأوضح جون راتكليف، المدير السابق للاستخبارات الوطنية الأمريكية، في مقابلة مع برنامج «كافوتو لايف» أن موقف الرئيس بايدن من الصين وسياساته الخارجية يعرض الأمن القومي الأمريكي للخطر، وفقاً لشبكة «فوكس نيوز».
وقال: «بايدن لا يريد مواجهة الصين، تمامًا كما لم يفعل طوال العامين الماضيين في أي قضية. سواء كان مقتل مليون أمريكي نتيجة فيروس أو قتل مئات الآلاف، وعلى الرغم من الفنتانيل الصيني وطائرات التجسس في جميع أنحاء بلادنا إلا أن إدارة بايدن تريد أن تكون الصين منافسا ودودا، وهذا ليس هو الحال ببساطة، والمعلومات الاستخباراتية واضحة بأنه يجب الحذر من الصين».
وأكد راتكليف أن العلاقات بين الصين ودول الشرق الأوسط قد تغيرت كثيراً في عهد الرئيس بايدن. ولخص هواجسه الحقيقية من النشاط الصيني بالقول: «النتيجة النهائية هي أن الصين أقوى وإيران أقوى، الولايات المتحدة وإسرائيل أضعف والشرق الأوسط أكثر عرضة للخطر، هذا تطور رهيب» تعليقاً بالذات على اتفاق إيران والسعودية على إنهاء سنوات من العداء وإعادة العلاقات الدبلوماسية بعد محادثات لم يكشف عنها من قبل في بكين بين كبار المسؤولين الأمنيين من القوتين المتنافستين.
نجاح دبلوماسي وسياسي
وقال محللون أمريكيون إن الاتفاق الذي أبرمته إيران والسعودية لإعادة العلاقات قد أدى إلى تحويل المخاوف إلى حالة الدور الأمريكي في الشرق الأوسط – لا سيما منذ أن توسطت الصين خصم واشنطن الرئيسي.
وقال أليكس فاتانكا، مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط، إن الاتفاق الإيراني السعودي يمثل اتفاقًا مهما للمنطقة، لكنه تساءل عما إذا كان سيضع حداً لأي عنف، بما في ذلك في اليمن الذي مزقته الحرب، وفقا لموقع «ذا هيل»القريب من الكونغرس.
وأضاف «يبقى أن نرى ما إذا كان بإمكانهم إجراء حوار هادف» وقال فاتانكا: «فتح السفارات لا يعني إجراء حوار هادف. ستكون هناك رحلة شديدة الانحدار في المستقبل.»
وقد قطعت السعودية العلاقات مع إيران في عام 2016 بعد أن اقتحم محتجون سفارة البلاد في إيران بعد إعدام رجل دين شيعي إلى جانب إعدام سجناء آخرين.
وكان كلا البلدين على طرفي نقيض في الحرب الأهلية الدامية في اليمن، حيث تدعم السعودية الحكومة اليمنية وتدعم إيران جماعة الحوثيين المعارضة.
وكانت الأخبار الصادرة عن الاتفاق بمثابة نجاح دبلوماسي وسياسي لبكين، التي نشرت أيضًا مؤخرًا خطة سلام لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
وسرعان ما أشاد وانغ يي كبير الدبلوماسيين الصينيين بالاتفاق باعتباره «انتصارا» وقال إن بلاده ستواصل معالجة القضايا العالمية، وفقا لتصريحات نشرتها عدة صحف صينية.
ولكن الاتفاقية تقوض موقف الولايات المتحدة في المنطقة، حيث قلصت الولايات المتحدة حجمها في سوريا بعد سحب قواتها في عام 2021 من أفغانستان.
ويأتي الاتفاق أيضًا في الوقت الذي تطالب فيه المملكة العربية السعودية بضمانات أمنية معينة وتدفقًا ثابتًا لشحنات الأسلحة ومساعدتها في برنامجها النووي المدني قبل الحديث عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، حسبما أشار البيت الأبيض يوم الجمعة.
وفي حديثه للصحافيين، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي إن الولايات المتحدة «أُبلغت» بالمحادثات السعودية الإيرانية لكنها لم تلعب أي دور فيها.
ورحب كيربي بتطبيع العلاقات بين البلدين في حالة تخفيف حدة العنف في الشرق الأوسط.
وقال: «بقدر ما يمكن أن يؤدي إلى تهدئة التوترات، كل هذا يعود إلى الجانب الجيد من دفتر الأستاذ» مضيفًا أن الولايات المتحدة لا تتراجع عن دورها في الشرق الأوسط.
وقال فاتانكا من معهد الشرق الأوسط، إن كلاً من إيران والسعودية تسعيان إلى تخفيف التوترات على مدى العامين الماضيين.
وبينما فوجئ بدور الصين كوسيط، قال فاتانكا إن الصفقة لا تشكل «خسارة كبيرة» لواشنطن على المدى الطويل.
وأضاف: «هذا يجعل الولايات المتحدة تبدو رمزياً وكأنها غير قادرة على أن تكون لاعباً رئيسياً. لكنها لن تكون شرق أوسط تهيمن عليه الصين».
والصين مشتر كبير للنفط السعودي وتقيم علاقات وثيقة مع إيران.
وعلى العكس من ذلك، كانت علاقات الولايات المتحدة متوترة مع إيران على مدى عقود، وكان اتفاق تطبيع مماثل سيكون أقرب إلى المستحيل لوساطة واشنطن.
وحذر بعض الخبراء من أن الصين تبدأ حقبة جديدة من الانخراط الدبلوماسي في الشرق الأوسط، حيث كان لها في السابق علاقات اقتصادية في الغالب.
وحذر جوناثان بانيكوف، مدير مبادرة سكوكروفت الأمنية للشرق الأوسط في برامج الشرق الأوسط التابعة لمجلس أتلانتيك كاونسل، من «ظهور الدور السياسي للصين في المنطقة» وكتب بانيكوف: «يجب أن يكون الاتفاق تحذيرًا لصناع السياسة الأمريكيين».
ووفقاً لمحللين أمريكيين، أصبحت السياسة في الشرق الأوسط أكثر توترا بالنسبة للولايات المتحدة مع اشتباكات إسرائيلية مع الفلسطينيين الساعين إلى إقامة دولة حرة في غزة والضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، وأدت الحرب الأهلية المستمرة في سوريا والعنف في اليمن إلى تصاعد التوترات بشأن الدعم الإيراني لروسيا وإلغاء الاتفاق النووي مع طهران إلى تعقيدات.