بقلم: ضرغام الدباغ
مع أن أعتبار نحن في مرحلة ھدر للوقت والجھد، وأن النظام الحالي العراقي ليس بنظام ويصعب إطلاق وصف محدد عليه، ھذا ما يجمع عليه الأغلبية الساحقة من العراقيين، بما ذلك فئات واسعة من الجماعات الحاكمة. ونسمع ونقرأ الكثير جداً من كافة الأطراف أقاويل شتى، والقاسم المشترك الأعظم بين المتحدثين والكتاب والمعلقين ھو ضياع تلمس الوجھة Concepttion) ) أو البوصلة، وقد فات معظمھم حقيقة أن الموقف في العراق بل وفي عموم المنطقة، يمر بمرحلة كالمرجل في أقصى درجات احتمالة …
وأن الفدرالية والكونفيدرالية، والأقاليم، والتقسيم والتشظية والتمزق والتشرذم ھي ليست ضرباً من ضروب التشاؤم، بل من الأمور المطروحة على بساط البحث والمداولات كأحتمالات …! فيما يتحدث الجميع عن الديمقراطية وكأنھا خيار مطروح في متناول اليد بباب البيت ..! لا أحد يريد أن يقتنع أنك تودع الديمقراطية وتستقبل الطغيان والتفرد وصولاً للديكتاتورية بأشكالھا الناعمة والدموية، مباشرة بعد عبورك للبسفور وتضع قدمك في القارة الآسيوية الخالدة ..!
منذ 46 عاما وأنا أشتغل وأقرأ وأعمل كسياسي وأدرس السياسة للطلاب، لم أشاھد ولم ألاحظ لليوم أحدا يسعى للديمقراطية، ولكن الناس يتراشقون بھذه الكلمة كنوع من المكائد والتعجيز في الناش ،نسيم من الديمقراطية (أقصد بالديمقراطية دولة القانون المستقرة) عشناه في العراق في العھد الملكي، دفعت العائلة المالكة ثمنه من دماءھم وحياتھم، وسحلناھم وعلقناھم عراة في الشوارع، بلا تحقيق ولا محاكمة ،ھذا ونحن أكثر من يتشدق بالدين وبالحلال والحرام. وأراھن أن ثلاثة أرباع من يتحدثون بالديمقراطية لا يعلمون ما ھي الديمقراطية، معظمھم يعتقد واھما ً أنھا تبادل سلمي للسلطة فحسب، طيب ألم يصل موسوليني في إيطاليا للسلطة بالانتخابات (في العشرينات)، وكذلك ھتلر في ألمانيا(في الثلاثينات). ألم يصل شخص مثل ترامب للسلطة في أميركا بالانتخابات، وكاد أن ينالھا مرة ثانية بالعنف (الديمقراطي)، لولا تدخل ديمقراطي من العسكر، وقبله أحمق سخيف شبه أمي يدعى جورج بوش الأبن، ألم يحكم بريطانيا العظمى (مھد الديمقراطية… ومھد الاستعمار …!) شخص كذاب محتال أسمه بلير، يتضمحك بخفة ويعترف بقيامه بجريمة لا داع لھا، أدخل البلاد باعترافه في حرب لا داع لھا ..! وفي سلة الدول الرأسمالية (الديمقراطية) 1287 تجربة نووية وھي المتسببة بتلوث العالم وانھيار النظام المناخي.
الولايات المتحدة :أجرت 1032 تجربة بين عامي 1945 و 1992.
المملكة المتحدة :أجرت 45 تجربة بين عامي 1952 و 1991 .
فرنسا :أجرت 210 تجربة بين عامي 1960 و 1996.
وفي سجل احتقار الديمقراطية ھناك الكثير جداً من الأحداث، أحدثھا ھو التآمر ليل نھار على الرئيس التركي الفائز ديمقراطياً لأنه لا يوافق مصالحھم.
إذا وافقتموني على ھذه النظرية (وقد تحدثت عن وقائع مادية)، ستصبح معھا الضمة والشدة في الخطاب ،وأبوك لم يسلم على أبي، وفلان كان يقود اللوري ودھس في طريقة (س + ص) وسائر الطروحات الشخصية وشبه الشخصية من ھذا القبيل، تصبح من نوافل الكلام وتوافه الأمور، وينبغي أن نضعھا جانبا، رغم أن بعضھا مؤلم، ولكننا حين نناقش قضية حياة أو موت إنسان على طاولة العمليات، والجميع يعلم أنه ليس بإنسان … بل وطن . تصبح قضية ثانوية.
الجميع يطرح الحل المثالي الأقصى، فيما يدور البحث الواقعي عن الممكن، وقبل أيام كان يحدثني صديق ويطرح الحلول الضخمة المثالية والحد الأقصى، وھو لا يملك بجيبه أكثر من قلامة الأظافر … فليتفضل مشكورا من لديه حل أفضل يوفر كامل القوة والسطوة والبأس .. حل مضمون وليس مغامرات سندباد ….
نحن نتذابح بوحشية تحسدنا عليھا حتى الضواري، العراق يمضي بسرعة إلى التدمير والتلاشي، ونجد من يعترض على مفردات تافھة لا معنى لھا سوى البحث عن ذرائع … لكي أقول لا فحسب… وھل يدرك من يقول لا ماذا يكمن خلف ھذه العبارة … ھل لديه حلول ذھبية وماسية لمريض يلفظ أنفاسه ..! نحن بحاجة حتى لعربة طنبر يسحبھا حصان، وھناك من يشترط ” لا.. ما أريد .. إلا بسيارة إسعاف مرسيدس موديل 2021 ” . ھذه مھزلة مثيرة للسخرية، والمؤلم فيھا أنھا واقعية.
كنت أحادث صديق عاش كل حياته في ألمانيا منذ أن كان عمره 01 سنوات، وله ميل للشيوعيين، عن دور غورباتشوف في تفكيك الاتحاد السوفيتي فاجئني بالقول ” غير .. صدام حسين ” ولما بھت وتصورت أني لم أسمع أو أنه يمزح، فقال ” أي لو..ما صدام ما سقط الاتحاد السوفيتي …… !”.
نعم ھناك استعمار وإمبريالية وصھيونية وقوى معادية لنا .. ولكني أعتقد أن جوھر المشكلة الأساسية كامنة فينا نحن …! الواقع الموضوعي صعب، ولكن نحن لا نتعامل مع الأحداث بمستوى الأحداث …
السلطة في بغداد تقبع في درجات منحطة للغاية، ھم فعلاً حثالة المجتمع العراقي، طيب ولكن ماذا يمنع أن تتفاھم سائر قوى الشعب العراقي وفيھا شخصيات سياسية وعلماء وسياسيين محترمين … ھذا سر من الأسرار ، ھل ھو بسبب ارتفاع منسوب ودرجة الأنا عند الفرد العراقي .. نعم، ھل أن الثقة اھتزت بين الناس .. نعم وھذه أيضاً، ھل بسبب تداخل واختلاط الرؤية، نعم … ولكن السياسة ھي فن الممكن، وليس فن الحديث وزخرف الكلام…! أنت تريد خارطة الوطن كله، وأمامك سلطة مدعومة من المحتلين غير قادرين السيطرة على محافظة واحدة ..! لا أدري ماذا نحتاج بعد لنكون واقعيين ..!
وأعيد ھنا مثل ألماني كنت قد أورته قبل فترة .. ” Ich habe viele Wünsche, aber leider nicht genug Geld …..! ” .” لدي أمنيات كثيرة … لكن للأسف ليس الكثير من المال كثيرون لديھم أفكار رائعة مخلصة، ولكن العبرة تكمن في التطبيق، فلنتحدث رجاء عما ھو ممكن، فمن الأفضل أن أشتري دراجة بخارية، أو حتى ھوائية بقدراتي، على امتطاء رولزرايز فخمة في الأحلام ،الحديث في الخيال العلمي سھل في التخيل ، وللفرجة الآنية فقط ، وفي بعض الأفلام يكتبون ملاحظة في بداية الفلم ونھايته، جملة موجھة للصبيان والفتيان ،” رجاء لا تقم بھذه الحركات فھي مميتة “.
بعد ھذا البؤس الذي نعيشه نحن لا نستطيع التفاھم على حتى المسلمات … وعلى أبسط الأمور، لأن كل واحد منا يعتقد أنه زعيم وقائد، وعبقري ومفكر وفيلسوف ومؤرخ لا يشق له غبار، أليس ھذا ضرب من الجنون المطلق ..! ھناك عناصر وعوامل عديدة يمكن البناء عليھا ولكن ھناك عجز غير مفھوم … لنكن واقعيين فليصعد البناء لحد الشبابيك والباقي يصير خير … أحسن من النوم في العراء …. نحن في العراء الآن … لا توجد رواتب للشھر القادم، العراق مھدد بأنھيار كامل ….
حالتنا تشبه : قطعة الأرض موجودة، الطابوق والحديد والسمنت موجود، المھندس حاضر والعمال المھرة واقفين بالاصطفاف … والمال موجود بوفرة … ولما لا يصعد البناء …؟
سؤال عويص …. لكن يستحق الإجابة وليس للترك …!