بقلم: ناجي حرج
المدير التنفيذي لمركز جنيف الدولي للعدالة GICJ
وضع تقرير، صدر عن منظمة العفو الدولية، في 21/4/2020، العراق في المرتبة الرابعة عالمياً من حيث عدد أحكام الإعدام المُنَفذة فيه عام 2019. بلوغ هذه المرتبة ليس مفاجئاً، فالعراق يحتلّ منذ بضع سنين المرتبة الثالثة عالمياً في هذا المضمار. إنجازٌ يُضاف إلى مصفوفة المُنجزات المتحققة منذ ان ابتلى العراق بالنظام الطائفي الذي جاء به الغزو الأمريكي عام 2003 والذي لا يقيم وزناً للحقّوق الأساسيّة وفي مقدّمتها الحقّ في الحياة. ولعلّ من ابرز تلك المنجزات، التي حصدت فيها السلطة مكانة عالمية (مرموقة)، هي الفساد الذي ينخر كل مؤسسات الدولة، إذ إستطاعت السلطة الحاكمة ان تقود البلاد الى مرتبة متقدّمة جدّاً ضمن أعلى البلدان فساداً في العالم.
يشير التقرير إلى أنّ ما لا يقلّ عن 100 شخصاً قد أعدموا في عام 2019، ويعتبرأنّ هذا العدد هو تقريباً ضعف عدد عمليات الإعدام التي جرت في عام 2018 والتي يذكر بأنّها لا تقلّ عن 52 حالة إعدام.
وفي تقديري، انّ هذا الرقم لا يُمثل، وللأسف الشديد، عدد حالات الإعدام في العراق التي نتمنّى لو انها انخفضت الى الصفر. لكنّنا، ومن خلال المتابعة اليوميّة نستطيع القول أنّ عدد من أعدموا في العراق خلال العام الماضي ـ والعام الذي قبله ايضاً ـ هو أضعاف العدد المُشار اليه في تقرير منظمة العفو الدوليّة. فالمنظمّة اعتمدت على ما يصدر رسمياً، وما تحصل عليه من بيانات السلطات العراقية. وتبعاً لذلك، فأنّ هذا الرقم لا يشمل الإعدامات خارج نطاق القضاء والإعدامات بإجراءات موجزة، التي تنفذها السلطة وأذرعها، وبخاصةٍ الميليشيات، سواء في السجون السرّية، او في أماكن الاحتجاز والتوقيف، ولا شكّ في انها عالية جدّاً. كما لا يشمل الإعدامات التعسفيّة التي طالت المتظاهرين والناشطين والصحفيين والتي بلغت في عام 2019 بحدود 400 عملية إعدام تعسفي نفذتها وحدات مرتبطة بمكتب رئيس الوزراء.
وبالتالي، فإن مرتبة العراق طبقاً لعدد حالات الإعدام الحقيقيّة هي ليست الرابعة عالمياً، بلّ اكاد أجزم أنّها الثانية او الثالثة…. ولذا فلعلّ السلطات الحاكمة تُفكّر بالإعتراض على هذه النتيجة التي تظلم مكانتها، وتخلّ بما وصلت اليه من مرتبة (مرموقة) بين الأمم في قتل شعبها!.
إنّ إعدام شخصاً واحداً هو بحدّ ذاته امراً فضيعاً، مما يوجب الكثير من الترويّ والمراجعة قبل تنفيذ الحكم. فهذا الإجراء لا يُمكن معالجة الخطأ فيه بعد تنفيذه، ايّ بعد ان يتمّ إزهاق روح المحكوم عليه. ولذلك فقد سعت الهيئات الدوليّة لوضع معايير محدّدة يُفترض بالدول اتبّاعها قبل، وبعد، إصدار أحكام الإعدام. ومن أهمّ تلك المعايير حصر عقوبة الإعدام بأكثر الجرائم خطورةً، وان تتاح للمتهم محاكمة عادلة يستطيع فيها توكيل محامٍ للدفاع عنه، وان يتضمّن نظام الدولة القضائي فرصاً لتخفيف الحكم، وكلّ ذلك غائبٌ في العراق، بلّ ان عقوبة الإعدام تنفذ حتى بدون مصادقة رئيس الدولة عليها وبمجرد مرور شهر واحد على صدور الحكم. وهذه المدّة غير كافية اصلاً لتمكين المحكوم بالإعدام، ومحاميه إن وجد، من إستئناف الحكم بكلّ ما يتطلبه ذلك من إجراءات روتينية وقانونيّة.
لقد جعل النظام الطائفي من الإعدام ممارسة يوميّة إعتيادية، تصدرعن محاكم لا تلتزم بأيّة معايير، ويمارسها كلُّ من هيأ له هذا النظام إستخدام السلاح، وضمن له ان يكون في مأمنٍ من أيّ مسائلة او ملاحقة قانونية. ولذلك فأن السجلات الرسمية لإحكام الإعدام تخلو من الإشارة الى مئاتٌ الحالات التي عادة ما تُسجل ضدّ مجهول خاصّةً عندما يتمّ العثور على جثث الضحايا في الشوارع والأماكن العامة. وفي أحيان كثيرة تُنَفذ عمليات الإعدام بأعدادٍ كبيرة ضمن مناسباتٍ سياسيّة معينة، إيغالاً في الإنتقام على أبشع صوره.
وفي الوقت الذي تصاعدت فيه الدعوات عالميا لإلغاء عقوبة الإعدام، واستجابت لغاية الآن 106 دولة من مجموع 193 دولة عضو في الأمم المتحدّة، ضاعفت السلطات العراقية من الأفعال التي يعاقب مرتكبوها بالإعدام إلى اكثر من 48 فعلاً طبقاً للقوانين التي صدرت بعد 2003. ومن أبرز تلك القوانين، قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لعام 2005، سيء الصيت، الذي يعاقب بالإعدام على طائفة واسعة من الأفعال بما فيها نشر مقال صحفي ينتقد سياسة مكافحة الإرهاب، او مصافحة بريئة لشخص يظهر لاحقاً أنّه إرهابي.
ومن المفيد ان نورد هنا ما قالته لجنة الأمم المتحدّة المعنية بحقوق الإنسان في ملاحظاتها الختامية بشأن التقرير الدوري الخامس المقدم من العراق التي إعتمدتها في دورتها 115 (19 تشرين الأول/أكتوبر – 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2015) في جنيف، والتي اكدّت فيها أن القانون “يتضمن تعريفاً واسع النطاق للإرهاب من شأنه أن يفسح المجال لتفسيره بشكل فضفاض، وبأن عقوبة الإعدام إلزامية فيما يتعلق بسلسلة واسعة من الأنشطة المعرّفة على أنها أعمال إرهابية. وتعرب اللجنة عن قلقها أيضاً إزاء التقارير التي تشير إلى استخدام هذا القانون على نطاق واسع، بما في ذلك ضدّ الأطفال والنساء اللواتي لم يُبلّغنَ عن أنشطة أزواجهن المشتبه في أنهم إرهابيون)!
كما طالب المفوّض السامي لحقوق الإنسان، اكثر من مرّة، السلطات العراقيّة بإلغاء عقوبة الإعدام، وشارك اكثر من 45 دولة هذه الدعوة ضمن اجتماعات مجلس حقوق الإنسان، إلاّ انّ السلطات العراقيّة تضمّ آذانها عن كلّ تلك الدعوات.
ممارسة الإعدام في العراق على نطاق واسع، امرٌ يبعث على الأسى والحزن الشديد خاصةً إذا ما علمنا أن معظم من يجري سوقهم الى منصة الإعدام، اومن يتمّ إغتيالهم، هم أبرياء لا ذنب لهم سوى لانّهم من طائفةٍ أخرى، أو لأنّهم خرجوا يطالبون بحقوقهم المهدورة منذ 17 عاماً.
لنقف جميعاً ضدّ عقوبة الإعدام في العراق، لنقف ضدّ القتل اليومي للأبرياء!