خلال الأيام الماضية، تعلم سكان الخرطوم كيفية التعامل مع طرفي النزاع في السودان، حيث يعيشون جنبا إلى جنب مع المقاتلين المسلحين الذين ينتشرون بالمدينة.
وبحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز“، فإن السكان المدنيين في العاصمة السودانية يتفاوضون مع قوات الدعم السريع في نقاط التفتيش للحصول على ممر آمن للعبور، حيث يتشاركون معهم الطعام والماء.
وقالت دانيا العتباني، التي تعيش في الخرطوم، “إنهم يفعلون ما يريدون فقط … يبدو أنه ليس لديهم شخص يعطيهم الأوامر”. وأضافت أن هذا الشيء “خطير وفوضوي”.
وكانت قوات الدعم السريع شبه العسكرية جزءا من حكومة يقودها الجيش، لكنها الآن تقاتل الجيش النظامي من أجل السلطة في السودان، الدولة الأفريقية التي يبلغ عدد سكانها 45 مليون نسمة.
ومساء الخميس، مدد طرفا النزاع هدنة هشة لوقف إطلاق النار التي استمرت ثلاثة أيام وذلك لمدة 72 ساعة إضافية بعد ضغوطات دولية مكثفة. وخففت الهدنة الأخيرة جزئيا القتال في أجزاء من الخرطوم، وفقا للصحيفة الأميركية.
وتحدث عدد من سكان الخرطوم لصحيفة “نيويورك تايمز” عبر الهاتف قائلين إنهم يعتقدون أن قوات الدعم السريع تسيطر على جزء كبير من وسط المدينة والمناطق المحيطة بها، إلى جانب أجزاء من أم درمان، حيث تتوغل في عمق المناطق السكنية.
ويتمركز الجيش النظامي في أماكن أبعد، حيث يتحكم في الدخول والخروج للعاصمة، ولا يزال بإمكانه استخدام طائراته الحربية لتنفيذ ضربات على أهداف قوات الدعم السريع.
وقال مدير مشروع القرن الأفريقي بمجموعة الأزمات الدولية، آلان بوزويل، “قوات الدعم السريع تظل شديدة التركيز على كسب الخرطوم”. وأضاف أن “هذه هي المواجهة النهائية”.
خلال الأيام القليلة الأولى من الصراع، انخرطت قوات الدعم السريع في قتال عنيف داخل أحياء الخرطوم مثل “العامرات” و”الخرطوم 2″، بالقرب من مطار المدينة الدولي، حيث احتلت الشوارع التي تضم عددا من السفارات والسكان الأثرياء.
كما نصبوا نقاط تفتيش في الأحياء الراقية مثل “الرياض”، حيث وضعوا مدافع مضادة للطائرات أمام المنازل لاستهداف طائرات الجيش التي تحلق في السماء.
“لا يمكنني التحرك بحرية”
وقال قاسم أمين أوشي، المهندس الذي أصبح ناشطا مجتمعيا، “منذ اليوم الأول، ينتشرون في الأحياء ويأخذون الناس كدروع”، في إشارة لقوات الدعم السريع.
وانتقلت المجموعة شبه العسكرية بسرعة إلى حي “بيت المال” الذي يسكنه أوشي في أم درمان، ونصبت نقاط تفتيش على الجسر الذي يربطها بالضفة الأخرى، ثم توجهت مباشرة إلى مقر الشرطة واستولت عليه بعد معركة قصيرة بالأسلحة النارية.
بعد ذلك، ذهبوا إلى محطة الإذاعة والتلفزيون الوطنية، ثم المستشفى ومدرسة فنية وعدة مبان، حيث نهبوا المحال التجارية من السوبر ماركت إلى المخابز. ومع خروج الأهالي، بدأ المقاتلون في احتلال منازل في الحي.
وقال أوشي: “لا يمكنني التحرك بحرية”، مشيرا إلى أنهم يخاطرون بالخروج من المنزل بحثا عن الطعام والإمدادات الطبية في فترة الظهيرة التي يتباطأ فيها القتال دون أن يحاولوا لفت انتباه القوات.
وينتمي أوشي إلى إحدى “لجان المقاومة” التي تشكل حركة شعبية مؤيدة للديمقراطية احتجت على الحكم العسكري قبل القتال الحالي.
وأصبحوا الآن شريان حياة لبعض المقيمين في الخرطوم، حيث يقومون بتوزيع الطعام والأدوية وقسائم تعبئة رصيد مسبقة الدفع للهواتف المحمولة.
وحتى يتمكنوا من فعل ذلك، كان عليهم تعلم اللعب على الحبلين، وخاصة قوات الدعم السريع التي يقدر محللون ومسؤولون غربيون أن لديها ما بين 70 إلى 100 ألف مقاتل أفضل تدريبا من الجيش النظامي.
في بعض أحياء جنوب الخرطوم، كان للجيش اليد العليا، بما في ذلك ضاحية “أبو آدم” القريبة من قاعدة عسكرية.
وقال مصعب عبد الله، 24 عاما، وهو شاب يعيش في ضاحية “أبو آدم” إنه عادة ما يرى جنودا يرتدون زيا عسكريا أو يقودون عربات مدرعة، لافتا إلى أنه يرى قوات الدعم السريع خارج الحي الذي يسكنه.
وأضاف عبدالله أن قوات الدعم السريع في العادة يبحثون عن أسلحة أو يستجوبون الناس لمعرفة ما إذا كانوا على صلة بالجيش.
وعلى الرغم من الأمان النسبي للعيش بالقرب من ثكنات الجيش، فإن سمعة القوات شبه العسكرية ترعب عبدالله. وقال: “في أي وقت يمكنهم اقتحام منزلي أو قتلي أو استخدامي كدرع بشري لهم”.