أخبار عاجلة
الرئيسية / منوعات / التدخين يترك بصمته على جيناتك

التدخين يترك بصمته على جيناتك

إذا كنت تدخن فأنت حتمًا تسير في طريقك إلى تغيير جزء كبير من التركيب الجيني الخاص بك، معظم تلك التغييرات قابل للإصلاح إن أقلعت عن التدخين، ولكن –وبكل أسف- بعضها سيدوم لثلاثين عامًا حتى بعد الإقلاع.
هذا ما أكدته دراسة حديثة نُشرت في دورية الدورة الدموية: علم وراثة القلب والأوعية الدمويةCardiovascular Genetics ، 20 سبتمبر الماضي، وتشير إلى أن تدخين السجائر يُحدث تغييرًا في أكثر من 7000 جين –نحو ثلث الجينات البشرية المعروفة- بطريقة قد تُسهم في تطور الأمراض المرتبطة بالتدخين، مثل أنواع السرطان المختلفة، وأمراض العظام، وأمراض الرئة، وأمراض القلب والجهاز الهضمي.
ستيفاني لندن -الباحثة الرئيسية في الدراسة، ونائب رئيس قسم علم الأوبئة في المعهد الوطني الأمريكي لعلوم الصحة البيئية- توضح أن “الدراسة اعتمدت على إجراء تحليل للبيانات الأصلية الواردة في عدد كبير من الدراسات السابقة”.
يقول جون ستار -الباحث المشارك في الدراسة، وأستاذ الصحة والشيخوخة بجامعة أدنبرة، المملكة المتحدة-: “الدراسات السابقة أجريت كعينات أحادية، أما في دراستنا الحالية، فقد جهزنا عينات دم مأخوذة من 16 مجموعة خضعت للدراسات السابقة وتضم قرابة 16 ألف مشارك، ما بين مدخنين حاليين، ومدخنين أقلعوا عن التدخين، ومجموعة لم يسبق لها التدخين قَط”.
ويستطرد ستار -وهو أيضًا مدير مركز ألزهايمر الاسكتلندي لأبحاث الخرف-: “كل ذلك بأسلوب مخطط له، يسمح بالاتفاق على كيفية المواءمة بين المتغيرات كحالة التدخين مسبقًا، ويعطي فرصة أفضل للكشف عن تغيرات مهمة، وتمييز حجم تأثيرها بشكل أكثر دقة”.
جينات فاقدة للتعبير
التغيرات التي لَحَظتها لندن وفريقها البحثي وركزت عليها الدراسة يطلق عليها مَثْيَلَة الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA)، أي إضافة مجموعة ميثيل إلى القاعدة النيتروجينية “سايتوسين” في الحمض النووي. يشبِّه ستار عملية المثيلة بأنها “مفتاح الجين الذي يعمل على تشغيله وإيقافه”.
بطريقة أخرى يوضح المتخصص في علم الوراثة الجزيئية والتكنولوجيا الحيوية، طارق قابيل، قائلاً: “عملية المثيلة لها القدرة على تثبيط جين أو تفعيله. وهي من أهم المؤثرات التي تظهر في علم الوراثة الفوقية Epigenetics، أو ما يُعرف أيضًا بالتخلُّق المتواليChanges Epigeneticsوهو علم بازغ بين علوم الوراثة، ويدرس التغيُّرات التي تطرأ على الحمض النووي دون أي تغيير في تتابعاته الوراثية (بنيته الحلزونية).
ويستطرد أستاذ التقنية الحيوية المساعد بكلية العلوم والآداب ببلجرشي، جامعة الباحة، السعودية شارحًا: “تأثير التدخين، وفق الدراسة، يتسبب في مثيلة عدد كبير من الجينات، لتصبح جينات “ساكتة” لا يتم التعبير عنها”، مشيرًا إلى أن الجينات الخاصة ببعض الوظائف الحيوية -والتي تصيبها المَثْيَلَة- لا تؤدي وظيفتها بالشكل المطلوب، مما يتسبب في العديد من الأمراض والآثار السلبية.
علاقة محيرة
قارن الفريق البحثي مواقع مثيلة الحمض النووي لدى المدخنين الحاليين والسابقين بأولئك الذين لم يدخنوا قَط. إضافة إلى استكشاف مواقع الحمض النووي المرتبطة بالتدخين، ولاحظوا استمرار بعض مواقع المثيلة حتى بعد ثلاثة عقود من الإقلاع عن التدخين، بينما تعافت معظم الجينات خلال خمس سنوات من الإقلاع.
نورمان إيدلمان -المستشار العلمي البارز بجمعية الرئة الأمريكية- يثني على الدراسة، ولكنه يرى أنها “تثير بعض القضايا المحيرة”؛ إذ لم تعقد علاقة واضحة بين التغيرات الجينية المرتبطة بالتدخين وما ينتج عنها من مشكلات صحية. كذلك لم توضح ما هي الأمراض التي تتسبب فيها تلك الجينات التي لم تتعافَ بعد الإقلاع عن التدخين بسنوات طويلة.
وردًّا على إيدلمان يقول ستار: “لم تتطرق الدراسة إلى تفسير مسارات التغيرات الحادثة بالضبط في هذا الكم من الجينات، وفي الواقع نحن بحاجة إلى المزيد من البحوث في هذا المجال”.
وترد ستيفاني: “الأمر معقد، ويتعين علينا القيام بالكثير من العمل لإثبات ذلك”.
مواقع مثيلة الحمض النووي التي اكتُشفت، قد تساعد في تطوير علاجات جديدة محتملة لإصلاح تلك المواقع، ويمكن كذلك استخدام هذا النوع من البيانات لتخمين المدخنين السابقين، ممن ينكرون ذلك.
ليست هذه الدراسة فحسب التي تشير إلى تأثير التدخين على الجينات البشرية وتطور الأمراض المرتبطة به، ففي دراسة حديثة نُشرت في أغسطس الماضي، اكتشف باحثون من مركز سرطان جامعة هاواي بالولايات المتحدة، بصمات جينية حديثة لدى المدخنين، تؤدي إلى زيادة مخاطر الإصابة بسرطان الرئة، وأخرى نُشرت في سبتمبر الماضي تشير إلى أن الإقلاع عن التدخين يقلل ويؤخر ظهور سرطان الرئة لدى المدخنين وفقًا لارتفاع مخاطر أنماط جينية معينة وانخفاضها، وأشارت نتائج الدراسة إلى أنه في المستقبل قد يطلب الأطباء تحليل الحمض النووي من المدخنين لتوظيف علاجات أكثر فاعلية لمساعدتهم على الإقلاع.
الرسالة التي تحملها تلك الدراسات وفقًا لستيفاني هي: “أقلع عن التدخين الآن قبل غدًا”، بينما يرى ستار أن “عدم التدخين في المقام الأول أفضل، فالمدخنون المقلعون قد لا تتعافى كل جيناتهم”.
مصيدة الإدمان
ويعد النيكوتين المادة الأساسية المكونة للتبغ والمسؤولة عن الإدمان، إذ يتسلل إلى الجسم لينشط مستقبلات تُعرف باسم مستقبِلات الأستيل كولين النيكوتينية، وتوجَد هذه المستقبِلات في العديد من أجزاء الدماغ وأعضاء الجسم، وتحمل رسائل تتعلق بالتنفس ومعدل ضربات القلب والذاكرة واليقظة وحركة العضلات.
وللتشابه بين النيكوتين وأستيل كولين، فإن مستقبِلات الثاني تحتويه وتتصرف معه كما لو كان أستيل كولين تمامًا، وتختل الموازين مع الاستخدام المتكرر للنيكوتين، وهنا يظن المخ أن هناك الكثير من أستيل كولين، ليكون رد الفعل الطبيعي تقليل عدد المستقبِلات وإطلاق كميات أقل من أستيل كولين، ما يترجم إلى حاجة المخ إلى النيكوتين للحفاظ على الأداء الطبيعي للجسم.
وعلى ضوء الدراسة، تقول المستشارة الإقليمية لمبادرة التحرّر من التبغ بمكتب منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط، فاطمة العوا: “كما أن زوال آثار التدخين من الجينات صعب، فإن الإقلاع عنه أيضًا صعب، لذا ننصح دائمًا بتجنب التدخين قبل الوقوع في مصيدة إدمانه”.
ووفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، يقتل التبغ قرابة نصف مَن يتعاطونه، إذ يودي بحياة ستة ملايين نسمة تقريبًا كل عام، منهم أكثر من خمسة ملايين ممّن يتعاطونه أو سبق لهم تعاطيه وأكثر من 600000 من غير المدخنين المعرّضين لدخانه. وبحلول عام 2030، سيقتل أكثر من 8 ملايين شخص كل عام، علمًا بأن أربعًا من كل خمس من هذه الوفيات ستحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *