أخبار عاجلة
الرئيسية / الجاليات / نحن نصرخ منذ عقود – ولكن لا أحد يستمع … الدكتور عاطف حمدي

نحن نصرخ منذ عقود – ولكن لا أحد يستمع … الدكتور عاطف حمدي

أمستردام، 24 مايو 2025
في 22 مايو، كتبت كارين فان أودنهوفن، (مديرة مركز الأبحاث الاجتماعية والثقافية) مقالا في جريدة:
Het Financieele Dagblad
تعرب فيه عن أسفها لصمت الحكومة الهولندية، وذلك رغم وجود إشارات أخلاقية واضحة في المجتمع. تشير إلى أن الحرب في غزة أثارت غضبًا عميقًا، وانقسامًا، واستقطابًا تضامنيا. وتؤكد على أهمية الحوار الوطني حول القيم المشتركة – في الجامعات، وفي أماكن العمل، وفي السياسة.
نداء في محله، للوهلة الأولى. لكنه يبقى سردًا أحادي الزاوية بشكل مؤلم. من يقرر من هو “المجتمع”؟ وأين أصوات أمثالي – الذين يصرخون منذ عقود، يكتبون، يناقشون، يحذرون – دون أن يُصغى إليهم بجدية؟
أنا واحد منهم
اسمي عاطف حمدي. أنا عالم سياسي متخصص في الهجرة، والاندماج، والمشاركة الديمقراطية. أعيش وأعمل في هولندا منذ 35 عامًا. أتيت من الشرق الأوسط شابًا، وسلكت طريق الاندماج من الألف إلى الياء. تعلمت اللغة، ودرست في الجامعة، وعملت كباحث ومستشار استراتيجي، دفعت الضرائب، وربيت أطفالي، وساهمت في المجتمع الهولندي. ومع ذلك، كلما ظننت أنني أصبحت جزءًا من هذا البلد، تذكّرني النظرات أو الكلمات بأنني “الآخر”
تتحدث كارين فان أودنهوفن عن “المجتمع”. لكن، من ينتمي إليه فعليًا؟
مقالها يتعاطف مع مشاعر الغضب الأخلاقي لدى المتظاهرين، لكنه يبقى مجرد تحليل نظري. ما يفتقر إليه هو نقد للنظام الذي يولد هذا الإحباط: الإقصاء البنيوي، الفصل الاجتماعي الهادئ والبطيء في الأحياء والمدارس وسوق العمل وصنع القرار. الهوة بين المبادئ المعلنة عن المساواة والشمولية والواقع اليومي.
تقول كارين فان أودنهوفن إن “التعددية” قيمة ديمقراطية أساسية وتحذر من الاستقطاب. لكن التعددية بدون اعتراف متبادل مجرد وهم. الحوار بدون دمج وجهات النظر المختلفة وإعادة توزيع السلطة يكون مجرد تمثيلية. لا يمكن أن تنشأ قيم مشتركة إلا عندما يُرى الناس، ويُسمع صوتهم، وتُعطى لهم السلطة والمكانة.
لا يمكن للقيم المشتركة أن تتجذر في مجتمع مقسم إلى عوالم متوازية.
تلك العوالم والمجتمعات المتوازية لم تظهر عشوائيًا، بل هي نتيجة لسنوات من الإستغلال والإقصاء والتهميش. بدون لقاء حقيقي، وتبادل تجارب، وتفاهم متبادل، تصبح “الوحدة والتوافق والإنسجام” مجرد شعارات فارغة.
قمت بزيارة موقع مركز الأبحاث الاجتماعية والثقافية فوجدت إثنين باحثين فقط يحملا اسماءا غير أوروبية. إثنان فقط …
في بلد يعيش فيه ملايين المواطنين من خلفيات مهاجرة. ماذا يعني ذلك بشأن من يُسمح له بالمشاركة، والتحليل، ورسم صورة المجتمع الهولندي؟ أين هو المنظور التعددي الذي نتغنى به نظريًا؟
طالما لم يُعترف بنا كمواطنين متساويين، بل كضيوف، ستظل القيم المشتركة مجرد خيال. طالما يكبر أطفالي في مجتمع يرى في خلفية أبيهم عبئًا، تبقى الكلمات الجميلة عن الوحدة والتعددية فارغة من المضمون.
الاحتجاجات على ما يحدث في غزة ليست فقط عن غزة. بل عن الواقع الذي نعيشه هنا في هولندة أيضًا
الإحتجاجات هنا تعبر ايضا عن غضبنا، ألمنا، عجزنا, وعدم الأمان المتزايد الذي نعيشه. ليس فقط بسبب مشاهد الشرق الأوسط، بل لأننا نعيش هذا العجز هنا، في هولندا، منذ عقود – في سوق الإسكان، وفي التوظيف، وفي التعليم، وفي الإعلام، وفي النقاشات العامة.
الناس لا يتظاهرون فقط تضامنًا مع غزة. بل لأنهم يشعرون بأنهم غير مرئيين، وغير مسموعين، وغير مرغوب فيهم – في بلد يحملون جنسيته ولكنه يصر على النظر إليهم كعمالة هامشية مؤقتة.
كارين فان أودنهوفن تدعو إلى الحوار. جيد. لكننا ننادي منذ عقود
نحن الذين نادينا عندما تم تجاهل العمال الضيوف. عندما ناضل شباب الجيل الثاني من أجل المساواة. عندما ساهمنا – كأكاديميين، ورجال أعمال، وفنانين، وناشطين – ولم نحظَ بالاعتراف بل بالتهميش.
قلنا إن الاندماج ليس طريقًا باتجاه واحد. وأن المشاركة يجب أن تقود إلى التأثير. وأن المواطنة تعني المساواة في الحقوق والفرص والمعاملة.
هي تكتب عن “القيم المشتركة”. لكن هذه لا تُبنى إلا إذا تم التعامل مع الجميع بإنصاف واحترام
عندما لا يُختزل الإنسان في اسمه أو أصله أو دينه. عندما تؤخذ آلامه بجدية. ويُعترف بمواهبه. وتُقدّر مساهماته. عندما يتم ليس فقط الحديث معه، بل عندما يُستمع إليه، ويُسمح له المشاركة بفعالية. بشكل هيكلي. وبطريق عادلة.
المجتمع لا يريد حوارًا رمزيًا. يريد عدالة. تمثيل. شمول بنيوي. اعتراف. مشاركة كاملة
عاطف حمدي
خبير في السياسات العامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *