بقلم: صلاح المختار
تشير المعطيات الحالية الى ان دور السعودية في محاولات التقسيم قد اقترب من خلال ادخالها مفرمة التشرذم بنشر اسرائيل الشرقية الفتن داخليا ومضاعفة ضربات الحوثي لها لاجل تحقيق اكبر اقلاق لها واستنزاف لمواردها، وتكمل امريكا تلك الخطة بالغاء بايدن (سياسة الضغط الاقصى) على طهران كما سميت وهي في الواقع ضغط معتدل، مقابل موقف معاد للسعودية في حده الاقصى وتمثل بالغاء ما سمي دعم امريكا للتحالف العربي وايقاف بيع السلاح للسعودية،والاكثر خطورة هو تنفيذ خطة شاملة لشيطنة السعودية واستخدام ما يسمى بخرق حقوق الانسان فيها وعلى رأسها موضوع الخاشقجي! والتصعيد المعادي للسعودية من طهران وواشنطن يؤكد بان امريكا تنفذ خطة خطيرة اظهرت رأس الجليد الطافي منها فقط بينما مازال معظمها غاطسا وينتظر الطفو بتدرج مرسوم وصولا الى تقسيم السعودية مستخدمة طهران كما فعلت في العراق وغيره، واذا حصل ذلك فان زوال دول الخليج العربي سيكون تلقائيا،اذ يكفي اتخاذ مجلس الامن قرارا بمنح الجنسية لمن سكن الخليج العربي خمس سنوات كي تنتهي عروبة الخليج العربي. وتلك خطوات توصل لما هو اخطر وهو تغيير التناسب السكاني للعالم الاسلامي ، فما المقصد بذلك ؟
1-لنبدأ بالتذكير بخطة تقسيم العراق فقد ظهر اول مؤشراته فيما طرحه هنري كيسنجر بعد تاميم نفط العراق فقد اكد في عام 1973 بان العراق سيقسم الى ثلاثة دول كردية وشيعية وسنية، ومنذ ذلك العام نشرت خرائط العراق المقسم عدة مرات ومعها نشرت دراسات صهيونية وامريكية وايرانية وتركية توضح الخرائط الجديدة للوطن العربي،انظروا الان لما يجري في العراق وبعد عقود من تصريحات كيسنجر سترون ان ما قاله وما اعقبه من نشر خرائط التقسيم كان تمهيدا للتقسيم وصولا لما فيه العراق الان.
في عام الازمة الكويتية نشرت خريطة للسعودية وهي مقسمة الى ثلاثة دول على الاقل،ونشر تلك الخريطة قبل حوالي ثلاثة عقود لم يكن عبثا بل كان تمهيد لامر ما كما حصل مع العراق، ولو نظرنا الى ما يجري للسعودية منذ وصل اوباما للادارة الامريكية وحتى الان لتذكرنا ما جرى للعراق منذ عهد بوش الاب وحتى الان ، فالخطط الغربية والصهيونية والايرانية كلها تجمع على، وتلتقي حول تقسيم كافة الاقطار العربية مشرقا ومغربا ولكن بالتدريج المبرمج حتى التفاصيل. وعودة امريكا الى سياسة اوباما واضحة فهي داعمة لاسرائيل الشرقية في الخط الستراتيجي العام حتى وان اختلفتا حول تقاسم الغنائم العربية، ونرى الان بايدن يصعّد الحملة تحت غطاء قضية خاشقجي ولجين وغيرهما لاحقا،وسيستمر بتصعيدها اكثر فاكثر تماما كما فعلت ادارة بوش الاب وبوش الصغير وبينهما ادارة بيل كلنتون تجاه العراق اعدادا لغزوه ، ولكن السعودية لن تتعرض لغزو امريكي بل ايراني مدعوم غربيا ثم يعقبه غزو امريكي بعد ان تدمر اسرائيل الشرقية السعودية كما فعلت في العراق ثم تعيدها امريكا لما بين السكتين وتتولى هي السيطرة المباشرة.
والدليل على وجود هذه الخطة هو ان من بديهيات الستراتيجية انك اذا طوقت عدوك من مختلف الجهات تمهد للتغلب عليه في الحرب، فهي خطوات كسب الحرب بكافة عناصرها مهما تم اخفاء ذلك ،وقد قامت اسرائيل الشرقية بتطويق السعودية من شرقها وشمالها بخلاياها النائمة في دول الخليج العربي صعودا الى العراق الذي اقيمت فيه قواعد ستراتيجية ايرانية قريبة من الحدود السعودية ومنها اطلقت صواريخ وطائرات مسيرة على السعودية مؤخرا، ومن جنوب السعودية نفذت اسرائيل الشرقية انقلاب الحوثي الذي سيطر على قسم كبير من اليمن وبدأ اكمال طوق خنق السعودية جغرافيا، ودعمت هذه الخطوة الايرانية بخطوة امريكية وهي السماح العلني لطهران بتزويد الحوثيين بكافة انواع الاسلحة التي تضمن التفوق على احرار اليمن وتحويله الى مركز ايراني صرف في جنوب السعودية، اضافة لمنع الجيش الوطني من تحرير مرفأ الحديدة وهو المصدر الرئيس لسلاح الحوثيين،وتلك خطوات على طريق حسم الحرب لصالح طهران .
وسقوط السعودية مؤقتا في قبضة اسرائيل الشرقية هدف امريكي وصهيوني واضح بعد ان ظهرت بوادر رفع العقوبات عنها او تخفيفها وعقد صفقات جديدة معها على حساب العرب، ورفع اسم الحوثيين من قائمة الارهاب ووقف بيع السلاح للسعودية خطوات جعلت اسرائيل الشرقية ونغولها العرب يشعرون بالنشوة ويعيدون بناء ما انهار من معنويات ويزيدون اصرارا على غزو السعودية.وفي حالة انهيار السعودية فان ذلك سيؤدي الى انهيار دول الخليج العربي وقبض الخلايا الايرانية النائمة على السلطة فيها وبدعم امريكا كما حصل في العراق مثلا حيث لم يكن ممكنا لطهران فرض سيطرتها عليه لو كانت امريكا ترفض غزوها.
2-تاريخيا اعتبرت السعودية قبلة العالم الاسلامي لان فيها قبر النبي محمد والكعبة ولذلك كانت ومازالت انظار المسلمين في العالم تتجه نحوها تقديسا لما فيها من اماكن.فالسعودية وبغض النظر عمن يحكمها هي الرمز السامي للعالم الاسلامي، واي خطة لاخضاعه يجب ان تبدأ بتغيير قناعات الناس فيه بالقوة او عبر عمليات طويلة وكارثية تجبر الانسان على تغيير قناعاته او تبني قناعات تفرض عليه تغيير طائفته اولا ثم دينه ثانيا. وهذه النتيجة من المستحيل الوصول بدون كوارث تهدم عوامل الصمود والقيم لدى الانسان، فتتحول القناعات الدينية الى منافس لغريزة البقاء ووضعه على حافة الموت يجبره على اللجوء للغريزة على حساب اي عقيدة ـ وتلك هي لحظة الانقلاب القيمي المخطط الوصول اليها .
3-ان تمكين اسرائيل الشرقية من الوصول للكعبة ولقبور الصحابة ونبشها، وهو تقليد فارسي عريق وثابت عندما تغزو فارس بلدان اعداءها فتقوم بنبش قبور القادة الذين تعاديهم واخرها نبش قبر الشهيد صدام حسين رغم ان جثمانه الطاهر نقل الى مكان سري قبل وصول الايرانيين اليه وكان قاسم سليماني من بين اول الزائرين للمرقد وتجول فيه وهو منتش وفرح بدوس قبر صدام بقدميه! وكذلك فعل الايرانيون في سوريا بقبر خالد بن الوليد وبقية الشخصيات التي تعاديها بلاد فارس .واذا وصل الفرس الى الكعبة والمدينة المنورة ونبشوا قبور النبي والصحابة خصوصا ابو بكر وعمر وعثمان وعائشة فان العالم الاسلامي سينتفض، وهنا سنرى الغرب والصهيونية في مقدمة الرافضين للخطوة الفارسية ولكن اعلاميا فقط ولاجل تحريض العالم الاسلامي ضد اسرائيل الشرقية كي تتحول الحرب من حرب عربية فارسية الى حروب بين الشعوب الاسلامية او داخل الشعوب الاسلامية ذاتها بين الشيعة والسنة.
4-السنة يمثلون الاغلبية الساحقة طائفيا والمخطط الغربي الصهيوني يهدف الى تغيير التوازن السكاني بزيادة عدد الشيعة وتقليض عدد السنة وايجاد تقارب بينهما وهو شرط مسبق لاحتدام الصراع السني – الشيعي في العالم وجعل نهايته بمنتصر مستحيلا، وذلك يفضي الى نتائج كارثية ليس فقط بعدد الضحايا والخسائر المادية التي يتعرض لها المسلمون سنة وشيعة بل لان الاخطر هو بروز اسلام عدواني وشرس فمن لايستطيع التعايش والتفاهم مع ابناء ديانته لايمكنه التعايش مع ابناء الاديان الاخرى، وشيطنة الاسلام اذا ستكون هي الهدف الرئيس وما تأسيس المخابرات الغربية ( الامريكية والبريطانية ) للقاعدة وداعش وبمشاركة ايرانية وصهيونية الا مثال لما يرغب الغرب والصهيونية بتحقيقه وهو تبلور فكرة ان الاسلام دين دموي وعدواني. وثمة احتمالين في الخطط الغربية والصهيونية فاما ان تصل الحروب بين المسلمين حدا يجبرهم على الاتفاق على اقامة مركزين اسلاميين رئيسيين احدهما ايراني والثاني تركي يتقاسمان العالم الاسلامي ويبعد العرب المقسمين والمدمرين عن مراكز القيادة فيه ، فيتحول العالم الاسلامي الى عالمين متناقضين ومتنافسين ولا يوقف الحرب بينهما الا عدم القدرة على تحمل الخسائر ،او ان ذلك الخيار ينهار ويصبح غير مجد وتستمر الحروب بين المسلمين .
5-بالوصول الى تلك النتيجة فان كل الشروط المطلوبة لضرب الاسلام والمسلمين كافة تكون قد توفرت ليس بشن حرب عسكرية فقط بل بتنظيم حرب عقائدية دينية ايضا ضد الاسلام والمسلمين تصور على انها حروب دفاعية ضد (دين ارهابي عدواني)!وتزداد اهمية الحرب العقائدية كلما تعمق الصراع وزاد عنفا، وهكذا تتشكل اغلبية عالمية تطالب بتقييد الاسلام فيسمح ذلك بغزو بلاد المسلمين ونهب ثرواتها، وهنا نرى البديل الجاهز ، فمن شيطن الكنسية في الغرب قبل قرون عزلها عن الاغلبية الساحقة وتحول الايمان المسيحي الى ايمان شكلي لدى الغالبية وما عزل الكنيسة وفرض العلمانية بسهولة وبمطالب جماهيرية شكلت الاغلبية الساحقة الا دليل على سطحية الايمان الديني المسيحي،وكذلك سرعة تغيير سكان الغرب لديانتهم مقارنة بتمسك المسلمين واليهود بديانتهم بصورة عميقة ومتجذرة. فشيطنة المسيحية منذ قرون كان خطوة مبرمجة في اطار هدف بعيد وهو فرض ديانة شيطانية بدل الديانات السماوية لكنها تتسلل تحت غطاء مسيحي صهيوني ،وتجربة اقامة اسرائيل الغربية في فلسطين تثبت ذلك، فمن اسسها باسم اليهود علمانيون وليس متطرفون يهود بل ان الكثير من المتطرفين اليهود يعتبرون انشاء اسرائيل خروج على العقيدة اليهودية.
والديانة الشيطانية المقصودة هي الابراهيمية نسبة الى ابراهيم الخليل الذي يستغل اسمه غطاء يهدم الديانات السماوية، لان ابراهيم الخليل كان اول الموحدين بينما كانت اور مدينته وثنية وحاربها وحاربته فاضطر للهجرة الى فلسطين والجزيرة العربية وهناك بنى الكعبة وواصل دعوته التوحيدية، فالابراهيمية ليس لها صلة بابراهيم الخليل ولكنها استخدمت كغطاء لتضليل من يجهلون تاريخ الاديان.
6-وهذه الحروب الدينية الشاملة ستزداد خطورة ربما باضافة تطور اخر وهو ظهور الاعور الدجال ودخوله ساحة الحرب وهو لن يكون الا شخصية اعدتها المخابرات الغربية والصهيونية كما اعدت القاعدة وداعش، لاجل زيادة تكلفة الحروب بين المسلمين وغيرهم ،وهنا نرى القيمة النفسية الكبيرة للاساطير الدينية التي تروج بكثافة منذ عقود لان ما يحدث الان هو مرحلة من مراحل ستراتيجية عمرها على الاقل 120 عاما ، وهي مستنسخة من خطط اقدم منها، وفي مسلسل الصراعات هذا زرعت الاساطير الدينية الملفقة شخصيات وهمية وعدت بعودتها او ظهورها مثل الاعور الدجال ويأجوج ومأجوج! وكان الاعلام الامريكي المتصهين اللاعب الرئيس في ترويج هذه الاساطير، ومن المناسب التذكير بخطورة ترويج مثل تلك الاساطير حيث ان رئيس اكبر واقوى دولة في العالم واكثرها تقدما علميا وتكنولوجيا وهي امريكا شن حربه على العراق وغزاه لانه يومن بانه يقاتل يأجوج ومأجوح فيه! وهو ما قاله للرئيس الفرنسي جاك شيراك لحثه على المشاركة في الحرب ضد يأجوج ومأجوج،وثبتت الحادثة في مذكرات شيراك، فاذا كان رئيس اكبر واخطر دولة في العالم اقنع باساطير ضحلة مثل الاعور الدجال ويأجوج ومأجوج واعلن انه يكلم الله الذي يأمره بخطواته(!) فكيف لنا ان نتجاهل ان الملايين من البشر اقتنعوا بتلك الاساطير المنسوبة للاديان السماوية وهي بريئة منها؟
وبعد زيارة البابا للعراق ارتفعت نبرة التساؤل عن تلك القصص ومن بين من اخذ يتبناها مثقفون وتكنوقراط!فتخيلوا كم يمكن توريط الانسان حتى الواعي بتبني اساطير كاذبة من خلال عمليات غسل الدماغ الجماعية التي تمارس طوال قرون خصوصا في عقود ظهور الانترنيت والمعلوماتية والتي غيرت التكنولوجيا المستخدمة فيها حتى ما هو حقيقي وافتراضي واصبحنا نرى الاموات وهم يتحدثون ويلقون الخطب ونرى اشخاص يمارسون اعمالا لم يقوموا بها! الان البشرية تعيش في عالم انعدم فيه الخط الفاصل بين الواقع والخيال وتداخلت عوالمهما بطريقة تضلل حتى المثقف الواعي للتطور التكنولوجي ، فكيف نتوقع من ناس سذج ان لايتقبلوا اساطير الاديان الملفقة بالكامل ويعدونها حقيقة لاشك فيها ويخوضون حروبا يتصورن انها مقدسة ويموتون من اجل ما يظنون انه الحق والصح؟!
13-3-2021