بقلم: هنادي السعيد
.
لا تبدو أفق الأزمة و الاحتجاجات التي يشهدها لبنان اليوم واضحة المعالِم. في الوقت الذي يُصرّ البعض على عفويّة الحراك هناك آخرون يسلمون بنظرية المؤامرة، ليظهر لنا رأياً ثالثاً يؤكِّد أن الحراك الذي انطلق بشكلٍ عفوي اصبحاليوم على مفترق طرق .
لنتساءل عن حقيقة الأزمة في لبنان؟ هل هي أزمة سياسات أم أزمة رؤية من قبل بعض الجهات .و ما هو المصير الذي ستؤول إليه الأزمة الناجمة عن فقدان الثقة بين الرأي العام والسياسيين.فان التظاهرات العفوية التي تمت من قبل الشعب اللبناني الذي ضاق ذرعا بالسياسيات المهترئة وإنتفض أخيرا في وجه الفساد المستشري منذ اكثر من ثلاثين عاما و هو حق مشروع لشعب يعاني الانحلال في جميع حالاته علينا القول بأن هناك عوامل خارجية وداخلية ساهمت في تأجيج هذه الاحتجاجات وهو ما ادى الى حرف هذه المطالب المحقّة عن هدفها الأساسي وإدخال هذا الحراك الشعبي العفوي في اللعبة السياسية
فقد تم تلبية دعوات المتظاهرين الذين طالبوا باستقالة الحكومة الحالية وبتشكيل حكومة تكنوقراط غير سياسية تقوم بإخراج البلاد من الازمة الاقتصاديةو لجاء رئيس الحكومة سعد الحريري الى الاستقالة من دون أي تنسيق مسبق مع الحلفاء،و هذا ما أدخل لبنان في مرحلة سياسية جديدة فهذه الإستقالة المنفردة ادت الى انهاء المعادلة التي عمل بها جراء التسوية الرئاسية بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر وفتحت الباب لسينورهات مختلفة خصوصا بأن رئيس الحكومة المستقيل لم يعمد الى ترتيب الاوضاع قبل الإقدام على هذه الخطوة
فما هي حكومة التكنوقراط الذي ينادي به الشعب و التي هي مطلب دائم منذ سنوات طويلة، لكنه لم يتم تحقيه بفعل الهيمنة السياسية والطائفية على كل مفاصل الحياة في هذا البلد خصوصا أن حكومة التكنوقراط لا تكون سياسية ولا حزبية وإنما تتشكل من مجموعة إختصاصيين وخبراء في المجالات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والصناعية والبيئية وغيرها من القطاعات كما تعمل وفقاً لخطط مدروسة بعيدا عن أية مصالح أو مكاسب سياسية بهدف حل أزمات الوطن والمواطنين.قد أثبت هذا النوع من الحكومات فعاليته في العديد من الدول التي كانت على شفير الانهيار، مثل الصين بعد استقرار الثورة فيها والتي قادتها الى اقوى اقتصاد في العالم و هذا ما نشهده اليوم . و هنا يأتي السؤال هل يمكن لبلد مثل لبنان قائم على توازنات سياسية وحسابات طائفية ان يقوم بتشكيل حكومة تكنوقراط .فمن المعروف ان الحكومة تتشكل من الكتل النيابية التي يتم التشاور معها وتسمي وزراءها، ما يجعل التيارات السياسية التي تتشكل منها هذه الكتل داعمة للحكومة وتغطيها سياسيا في الشارع و بنائاً على هذا فإن اي حكومة تكنوقراط غير منتمية سياسيا تعتبر ضعيفة ما يعرضها الى الاستهداف وتحريك الشارع ضدها من دون أن تجد من يدافع عنهاو كون أكثرية أعضائها لا ينتمون الى تيارات تدعمهم و لذلك فإن هذا النوع من الحكومات يحتاج بداية الى التخلص من التبعية السياسية والحزبية والتحرر من الطائفية التي قسمت البلد الى اطراف متنازعة مما دعى لاقامت الاحتجاجات و خروج الشعب اللبناني من العباءات السياسية والطائفية.و في النهاية فان خيار تشكيل حكومة تكنوقراط هو مطلب تمّ التسويق له من قِبل جهات سياسية معروفة وذلك قبل اندلاع الأزمة ولا يمكننا القول بأن الحلّ الفعلي لتشكيل هذا النوع من الحكومات يأتي دون دراسة مستفيضة و من المهم أيضاً أن يكون الوزير من ذوي الكفاءة العالية ومختصاً في مجاله، و الأهم أن تتم إحاطته بمستشارين أكثر اختصاصاً وأكثر كفاءة. و هكذا يثار اللبنانيون لكرامتهم لأنهم يعتبرون أنفسهم غير غنائم لهذا النظام أو ذاك، لهذه السلطة أو تلك لأنهم يعتبرون أنفسهم، أو يحبون ويريدون أن يعتبروا أنفسهم، شركاء في الدولة وفي النظام، ولأنهم يعتبرون أن الشراكة، الفردية بالدرجة الأولى، والنهائية في النظام، هي الدولة. الدولة هي تلك الشراكة التي يكون فيها الفرد مواطناً لا تابعاً ولا عضواً في طائفة.