لأن التعايش مع الآخر واحتضانه سجية من سجايا شعب الإمارات العربية المتحدة، فقد كان من السهل، مع إرادة سياسية ذات رؤية سديدة، أن تقطع الدولة أشواطا كبيرة على درب تعزيز ثقافة سلم، تأوي إلى ركن شديد من التسامح والألفة والانفتاح، وهاهي زيارة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى أبوظبي تجسد هذه القيم.
وكان البابا فرنسيس، ومن قبله شيخ الأزهر أحمد الطيب، قد وصلا الإمارات، واستقبلهما ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد.
وأثمرت سياسات الإمارات في بث القيم الإنسانية السمحة، مؤسسات عديدة تعنى بالجانب الفكري والعقائدي، وليس مجلس حكماء المسلمين برئاسة شيخ الأزهر أحمد الطيب، الذي يتخذ من أبوظبي منصة انطلاق لرؤاه وتوجيهاتِه، سوى أحد ثمارها اليانعة، التي كان لأدائها وطنيا وخارجيا اليد الطولى في تهيئة الأرضية لأول زيارة يقوم بها بابا الكنيسة الكاثوليكية لبلد خليجي.
حدث بارز، بل ربما هو الحدث الأهم في المنطقة والإقليم، لما له من أثر إيجابي في رأب صدع الود بين الأمم، ومن رمزية واضحة لمكانة الإمارات الرائدة في نبذ العنف و الكراهية من جهة، ولوضع عجلة السلام على السكة الصحيحة من جهة ثانية.
إشادات
آراء عديدة من داخل الدولة ومن خارجها، رأت في الحدث نقلة نوعية لرفع سقف المأمول من حوار الحضارات، والدفع به نحو تحالف قادر على الصمود في وجه رياح الغلو والتطرف والصدام بين الأديان.
قادة الرأي والفكر رأوا في زيارة بابا الكنيسة الكاثوليكية استجابة وتفاعلا من رأس الكنيسة الكاثوليكية مع مبادرات الإمارات لتجديد الخطاب الديني، لا سيما أنه يلتقي خلالها شيخ الأزهر، كما أعتبر بعضهم الزيارة تتويجا لانضباط شعب الإمارات في تعامله مع المسألة الدينية، إذ لم تشهد الدولة عبر تاريخها أي حادث من حوادث التطرف، بموازاة التصدي الشعبي والرسمي لأي محاولات لتسييس الدين أو تأويل النصوص الدينية على نحو غير صحيح، أو يتعارض مع سماحة الإسلام ووسطية الرسالة المحمدية.
وفي تجربة الإمارات النموذجية في التعايش بين مختلف الشعوب والأديان، وجد مجلس حكماء المسلمين دعامة لجهوده الرامية إلى تحقيق السلم والإخاء في العالم الإسلامي، ومحاربة الطائفية والغلو.
وهو في ذالك المسعى يوظف قامات فكرية ودينية خلطت التوجيه بالتأطير، وعكفت على وضع أسس قويمة للتأليف بين القلوب، مما عجل باعتماد تسجيل مجلس حكماء المسلمين هيئة دولية، سبيلا لتمكين هذه المؤسسة الهامة من القيام با الأدوار التي تحقق أهدافها التي أسست من أجلها.
حوار الأديان غاية حكماء المسلمين
كخطوة أولى، اهتم مجلس حكماء المسلمين بتصحيح الصورة السيئة للإسلام في الغرب، منطلقا من أن تلك الصورة غرسها الغلاة هي سبب الإسلاموفوبيا، وأن لا أمل في صد الكراهية من دون إبراز الصورة الحقيقية للإسلام، بلقاء العلماء والمفكرين من الغرب ممن كتبوا عن الإسلام، بنخب من المفكرين والعلماء المسلمين لمناقشة المسؤولية الملقاة على الجانبين بشأن الصورة الحقيقية للإسلام، باعتباره دين المحبة والتسامح والتعايش المشترك.
وفي سبيل تحقيق الهدف ذاته، بذل مجلس حكماء المسلمين أيضا جهدا لا يستهان به في التواصل مع مجلس الكنائس العالمي في لقاءات وبرامج أثمرت سمعة طيبة للإسلام، الذي لم يصل الغرب منه غير قشوره وفتاوى الإرهابيين الدمويين.
وقد أسهمت مكانة رئيس المجلس، شيخ الأزهر أحمد الطيب، في تذليل العديد من العقبات، وفي مجابهة التحديات التي تواجه المسلمين في أكثر من منطقة عبر العالم.
وميدانيا يجمع المتتبعون لإستراتيجية مجلس حكماء المسلمين على انسجام وتلاق بين رسالة الإمارات في تعظيم فرص الحوار بين الشعوب، وما تدعمه من قيم المودة والتعاون وتقبل الآخر وما يسعى المجلس لبثه من رسائل التآخي والتعايش السلمي.
وتجلى ذالك في قوافل السلام التي بعثها إلى العديد من دول العالم، حاملة دعوة صريحة لحوار إنساني حضاري، يضمد جراح الفرقة، ويشفي من آلام الصدام بين الأمم والحضارات.
ولا تنطلق جهود مجلس حكماء المسلمين لتحقيق التعايش بين الشعوب من فراغ أو من مستحيل، إذ يعيش في الإمارات أكثر من 200 جنسية وفق آخر الإحصائيات الرسمية للبلاد.
كم بشري متنوع ومدهش وحدته العدالة والاعتدال والمساواة ونبذ العنف، وبذالك أصبحت الإمارات، بجدارة وباستحقاق، عاصمة عالمية تلتقي فيها حضارات الشرق والغرب، لتعزيز السلام والتقارب بين الشعوب كافة..