الحب هو أكسجين الحياة الذي يتنفسه العاشقون، ويلون حياتهم التي يعيشونها، ولا شك أن الحب من أقدم الرسالات التي عرفها التاريخ، فلكل قديم قيمة فالمصري القديم هو من قدس الحب وجسده فى نقوش معابده وتماثيله المنحوتة بكل دقة أظهرت فيها حرفية الفنان المصري الذي استطاع بفنه أن يسجل قصص الحب والأساطير التي ما زالت باقية حتى الآن تشهد على عظمة هذه الحضارة القديمة التي صدرت الحب للعالم أجمع.
للحب أساليب عدة عند المصري القديم وليس فقط متمثلًا فى حب رجل وامرأة إنما الحب لديهم كان يشمل حب الأسرة والعائلة وهذا ما أظهرته النقوش على المعابد والألواح والتماثيل التي كانت تجسد الملك وزوجته وأطفاله فى مشاهد الترابط الأسرى.
وذكرت الأساطير المصرية القديمة قصصاً عديدة عن الحب فمن إحدى قصص الحب الأسطورية قصة “إيزيس” وأخيها “وأوزيريس” التي أظهرت مدى حب ووفاء الزوجة لزوجها بعد ان قتله أخيه وقطع جثته وفرقها على عدة أقاليم واستطاعت “ايزيس” أن تستعيد جثته بعد أن قتلة أخيه “ست” وبمساعدة أختها “نفتيس” والإلهة ” تحوت” أعادت إليه الحياة بعد رحيله إلى حياة جديدة فى العالم الأخر ، ومن جانب الحب والترابط الأسرى أظهرت وفائها وإخلاصها لزوجها المتوفى فى تربيتها لابنها الإله “حورس” التى أفنت حياتها فى تربيته.
وجسدت قصة حب الملكة “حتشبسوت ” والمهندس “سنموت” حبه لها فقد سقط فريسة فى حب ملكة مصر التى منحته ثمانين لقباً وهذا يعد فريدا من نوعه لمجرد رجلاً ليس بملك فقد أحبته حتشبسوت حب وصل لدرجة العشق ووثقت به فأمنته على تربيته لابنتها “نفرو رع” فكان خير أمين .
وأراد هذا المهندس أن يجسد جزا من حبه لهذه الملكة فى تشييد معبدها بالدير البحرى الذى يعد من أجمل المعابد وأبرزها من حيث تصميمه المعمارى الفريد وهى أيضا منحته الشرف بأن يشيد مقبرته بجوار معبدها الجنزى حيث وجدوا على جدران مقبرة المهندس “سنموت” نقوشات باسم الملكة “حتشبسوت” التى طالما أحبها فى الدنيا وأراد ان يخلد ذكراها معه فى العالم الأخر .
فى مصر القديمة لم يقتصر تدوين قصص الحب بين الملوك والأمراء فقط بل طالت أيضا لعامه الشعب فمن حوالى 4400عاما قبل الميلاد دون رجلاً يدعى “كاهاى” ويعمل مغنى فى بلاط احد فراعنة مصر القديمة قصة حبه الغرامية لزوجته الكاهنة”ميريتيتيس” وأوضح ذلك من خلال النقش الجدارى بمقبرته الذى صورت فيه “ميريتيتيس “وهى تضع يديها على كتف زوجها ،بينا كان ينظر كلاً منهما فى عين الأخر، ويعكس هذا قصة الحب العميقة بينهما.
وقد تجلى الحب فى قصة العشق والهيام بين الملك “رمسيس الثانى” وزوجته الملكة “نفرتارى” التى أصبحت أثيرة قلبه وعقله فكان يتغزل فيها من خلال النقوش التى وجدت مرسومة على جدران معبدها الذى شيده لها واصفا زوجته بأنها ربة الفتنة والجمال وجميلة المحيا وسيدة الدلتا والصعيد.
ووصل حب “رمسيس الثانى” الى درجة الصبى لهذه الملكة حيث أقام معبد “نفرتارى” فى أبوسمبل حتى تتمكن من ان تتعبد لإلهتها المحبوبة “حتحور” لان معبد حتحور الرئيسى يقع فى مدينة دندرة التى تبتعد 100 كم شمال الأقصر فكان من الصعب الذهاب إليه لأداء طقوسها الدينية.
وفى معبد أبو سمبل الخاص بالملك “رمسيس الثانى ” يوجد فى مدخل المعبد ستة تماثيل أربعة منها خاصة به واثنان لزوجته المعشوقة نفرتارى وكأنه أراد أن تكون بجانبه أبد الدهر.
وتأتى جميلة الجميلات لتسطر بين صفحات التاريخ قصة الشقاء من أجل الوصول الى منتهى الحب فقد تصدى “اخناتون ” لكل المصاعب التى كادت أن تعرقل مسيرة حبه من معشوقاته وحبيبه عمرة الملكة “نفرت إيتى” فكانت التقاليد الملكية تحتم عليه أن يتزوج من أخته “سات أمون” لكن قلبه كان شغوفاً بـ”نفرت ايتى” بينما كان أبيه الملك “أمنحوتب الثالث” مصرا على زواجه من أخته الكبرى.
وكانت والدته الملكة “تى” تشعر بآلامه لأنها أحبت والده وتزوجت به فكانت دائما تحفزه ليصر على موقفه تجاه حبيبته وعدم التخلي عنها ولحسن حظ “أخناتون” توفيت أخته واستطاع أن يتزوج من رفيقة عمره وطفولته “نفرت ايتى” وأنجبت له ستة من البنات.
وختاما لكل قصص الحب والعشق هذه تأتى على رأسهم قصة حب شاملة بكل معانيها فقد جسدت العشق بين الزوجين وترابط الأسرة بين بعضها البعض فقد تلألأ اسم الملك الذهبي “توت عنخ أمون” وذاع صيته دوناً عن ملوك مصر القديمة فهوا ابنا للملك “أخناتون” وقد تزوج أخته من أبيه “عنخ إس أن با امون” ابنه جميله الجميلات الملكة “نفرت ايتى” فلم تختلف الابنة عن والدتها كثيرا فكانت هى أيضا جميلة وأنيقة .
وبينت النقوش واللوحات الأثرية مدى الارتباط الوثيق بين أسرة “توت” فقد ظهرت “عنخ إس أن با أمون” فى إحدى اللوحات الجدارية وهى تربت على كتف زوجها، وفى مشهد آخر يظهر ما زوجته وبناته وهو يحمل إحداهما والأخرى تمسك بثيابه.
ودلالة ذلك على أن المصري القديم أراد أن يبعث برسالة إلى الأجيال القادمة لحثهم على قوة الترابط بين الأسرة والعائلة وان الحب ليس مقتصرا فقط على حب العاطفة إنما هو أسلوب حياه أراد ان يجسده من خلال نقش وتدوين أعماله وأسلوب حياته على الجدران والمعابد والمسلات لكى ينقل لنا الصورة التى كان عليها المصرى القديم لكى يحتذي به الأجيال القادمة وتكون هذه الأعمال بمثابة شاهد قوى وعريق على أهمية الحب فى حياه المرء.