أخبار عاجلة
الرئيسية / منوعات / «الترولى» يسد حاجات البطون الخاوية

«الترولى» يسد حاجات البطون الخاوية

أجساد متلاحمة من كثرة الزحام، بخطوات بطيئة يحاول المارة تفادى الصدام بالعربات الخشبية المتراصة بشكل عشوائى، التى تحمل عليها منتجات من مختلف الألوان، البعض منها لم يتبق عليه سوى أيام لتنتهى صلاحيته، وغيرها العشرات من بواقى الأطعمة فى المحلات، يتهافت عليها المئات من المواطنين البسطاء الذين لا يملكون سوى قوت يومهم، وعجزوا عن شراء مستلزماتهم من المحلات بعد حالة الغلاء التى اجتاحت الأسواق.. كلمات تعبر عن حال سوق «الترولى» بمنطقة المطرية.

ويعد «الترولى» السوق الأشهر للبسطاء، الذين يتهافتون عليه من كافة المحافظات، ويحتوى السوق على فضلات الأطعمة فى المحلات، والملابس الجديدة والقديمة وأوانى المطبخ والأقمشة والأجهزة الكهربائية، وغيرها الكثير من السلع التى تباع بأرخص الأثمان.

وبحسب ما أكده الباعة لـ«الوفد» خلال جولتها الميدانية بالسوق، زادت فى الفترة الأخيرة حركة البيع والشراء، بعدما شهدت الأسواق المحلية ارتفاعًا ملحوظًا فى الأسعار ليعجز البسطاء عن شراء السلع، ولم يبق أمامهم سبيلاً سوى سوق «الترولى»، لشراء حاجتهم هربًا من الموت جوعًا.

ففى الساعات الأولى من صباح كل خميس، يتسابق الباعة من أجل اللحاق بمكان مميز داخل السوق، ويتخذون من الحيل ما يمكنهم من جذب الزبائن عن طريق الهتاف بفقرات غنائية باستخدام الميكروفونات، سعيًا منهم لكسر حالة الملل والرتابة، فيما يفضل بعض الباعة الصمت مع الاكتفاء برفع لافتات على السلع مكتوب عليها الأسعار، لتجد العشرات من حولك تتلاحم أجسادهم من كثرة الزحام يتهافتون على البضائع لشرائها.

فى الساعة السابعة من صباح كل خميس، يأتى فتحى مرسى، مترجلاً من عزبة النخل، دافعًا بيديه عربته الخشبية المحملة ببعض المخللات، ومع وصوله لأول السوق فى السابعة والنصف يختار الرجل الأربعينى مكانًا متميزًا للوقوف به.

10 جنيهات سعر موحد لكيلو الزيتون، وغيره من أنواع المخللات، بصوته العالى يحاول الترويج لسلعته، ولم تمر دقائق حتى يتهافت عليه العشرات لشراء المخللات ذات الألوان الزاهية، معبرين عن فرحتهم برخص ثمن كيلو الزيتون مقارنة بسعره فى المحلات.

مفاجأة من العيار الثقيل كشفتها عدسة «الوفد» خلال تجولها بالسوق لتجد فى أحد الشوارع الجانبية مصدر المخللات وهى براميل كانت خاصة بجمع القمامة، يضع فيها أحد البائعين أجولة المخللات البلاستيكية، ومن حوله روائح كريهة تشمئز منها الأنوف، إضافة إلى الذباب المتراكم أعلى هذه البراميل.

«يا بيه هو الناس لاقيين ياكلوا أهو كله بيشبع».. بهذه الكلمات استهل فتحى مرسى، بائع المخللات، حديثه، مشيرًا إلى أن حركة البيع والشراء للسوق زادت خلال الفترة الماضية، بعد موجة الغلاء التى ضربت الأسواق المحلية، ولم يبق أمام الفقراء سوى هذا السوق لشراء مستلزماتهم اليومية بأسعار رخيصة.

وتابع: «السوق يبدأ من الساعة 7 الصبح، والزبائن يأتون من كل المناطق، والأسعار فى المتناول لكل السلع مش الأكل بس».

ومن بائع المخللات، لفرج جمال، بائع الملابس المستعملة، الذى أشار إلى أن الأسعار زادت بنسبة 70% على السلع المستعملة، وبات العشرات من الفقراء عاجزين عن الشراء، مشيراً إلى أن هذه الفترة هى الأكثر رواجًا وإقبالاً من الفقراء بعد عجزهم عن شراء السلع من المحلات.

وعن سوق الخضار فمعظمه يشهد استقرارًا فى الأسعار، بحسب ما أكده الحاج محمد، الذى اعتاد الجلوس فى كل خميس بالسوق بفرش الخضار، قائلاً إن سوق الترولى شهد رواجًا لم يشهده من سنين مضت، وبات أشبه بأجواء شهر رمضان، حيث الزحام منذ اللحظات الأولى لبداية السوق حتى انتهائه.

ببعض من البطاطا تجلس «الحاجة فتحية»، منتظرة الفرج، تعجز عن الترويج لسلعتها لضعف صحتها، قائلة: «أنا بائعة هنا ليا 10 سنين، باجى من عزبة النخل على رجلى علشان أبيع للغلابة هنا، وآخر النهار بكون خلصت البضاعة اللى قدامى وبرجع ببعض الفلوس اللى بقدر أشترى بيهم حاجة لولادى».

«الفشة والكرشة» أكله شعبية يعشقها الكثير من الفقراء، فمع كل سوق يتهافتون عليها لشرائها، لرخص ثمنها عن باقى محال الجزارة، وبالسؤال عن مصدرها، أكد «سالم عويس» بائع، إن هذه الأكلات تكون بواقى من محال الجزارة، ويتم بيعها للفقراء هنا بأسعار رخيصة، ولا أحد يبالى عن مصدر هذه السلع الكل يريد أن يسد جوعه هو وأبناؤه.

وفى بداية السوق، تعتاد «فواكه» بائعة «اللوف»، الجلوس لساعات طوال، وتوضح أن حركة البيع والشراء بالسوق تشهد رواجاً منذ ارتفاع الأسعار فى المحلات بالأسواق المحلية، مشيرة إلى أن سوق «الترولى»، ليس فقط لبواقى الأطعمة ولكن لكافة السلع، من مأكل وملبس وأثاث.

وقالت «شريفة»، بائعة المفروشات، إن أسباب انخفاض الأسعار، يرجع إلى شراء البائعين المنتجات من المستورد مباشرةً، ومن ثم بيعها للزبائن، حيث يصل ثمن الملاءة القماش لديها 20 جنيهاً، التى تباع فى المحلات ما بين 40 و50 جنيهاً.

وأرجع سيد عبدالعزيز، بائع الكاسات والصوانى، سبب انخفاض الأسعار، لعدم وجود ضرائب أو سحب كهرباء، أو تأجير مخازن ومحلات؛ حيث إن البائعين بكل بساطة يفترشون الأرض ببضاعتهم، مضيفاً أن العرائس يتهافتون عليه؛ لأن أسعاره تناسب محدودى الدخل، وتتشابه إلى حد كبير مع نفس المنتجات التى تباع فى المحلات الكبيرة، ولكن بأسعار مخفضة.

بمجموعة من الأدوات الحديدية الصغيرة يجلس طفل لا يتعدى الـ13 عامًا، مفترشًا الأرض، ويحاول بصوته العالى الترويج لسلعته، وبسؤاله عن سبب لجوئه لسوق البيع والشراء برغم صغير سنه قال إنه يحلم أن يحقق مشوار الحاج عبدالغفور البرعى الذى بدأ فى سوق الخردة من الصفر.

وتابع: «أبويا كان بائع خردة فى وكالة البلح، ومات من 5 سنين وأنا وأخويا الكبير لم يكن أمامنا إلا أن ننزل السوق للبيع والشراء حتى نستطيع الإنفاق على أنفسنا، وأمنا عاجزة فى البيت ومحتاجة لمصاريف».

ومن التجار للأهالى، الذين أكدوا أن بواقى الأطعمة هى السبيل الوحيد أمامهم لسد جوعهم بعد ارتفاع الأسعار فى الأسواق المحلية، مشيرين إلى أنهم لا يبالون من مصدر هذه المأكولات، مؤمنين بمقولة «الله الحارس».

بعيون دامعة تبدأ صابرين جلال -ربة منزل- حديثها قائلة: «أنا من سكان منطقة المطرية، وزوجى على باب الله ولدى 3 أبناء فى المرحلة الثانوية، وبالعافية بنعرف نتصرف فى مصاريف الكتب، أما الأكل فإننى أشعر بحسرة شديدة عندما أقدم لهم بواقى أكل ناس تانية».

وتابعت: «فيه بنات هنا بتجهز نفسها من السوق ده، عارفين أن السلع هنا مش كويسة بس يعملوا إيه الأسعار بره نار، ولو واحدة ماعندهاش فلوس تشترى من بره هتتفضح أمام أهل جوزها، فلازم تجهز نفسها وخلاص، وتشترى حاجتها من هنا حتى لو خامتها رديئة».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *