فى ظل تعدد ملفات الصحة وأهميتها ، تبدو التجربة المصرية بإرساء منظومة متكاملة لعلاج مرضى الالتهاب الكبدى الفيروسى بنوعيه سى وبى؛ من التجارب الرائدة بل باتت بلا أدنى مبالغة، نموذجا دوليًا يحتذى به بعدما كانت أعلى دول العالم فى تفشى الفيروس بها، اسهم فى ذلك النجاح، التعاون المشترك وتكاتف الجهود بين الحكومة متمثلة فى اللجنة القومية للفيروسات الكبدية التابعة لوزارة الصحة والسكان ومنظمات المجتمع المدنى وصندوق تحيا مصر من أجل تحقيق أقصى رعاية لصحة المريض المصرى والقضاء على فيروس سى من جميع ربوع مصر.
والسؤال الذى يطرح نفسه: ماذا يتبقى حتى نعلن مصر خالية تماما من الفيروسات الكبدية الوبائية التى كادت تهدد بكل شراسة أكباد مواطنيها ؟
قوائم الانتظار
كانت بداية التحدى ليتحول الحلم إلى حقيقة حرص الرئيس عبد الفتاح السيسى على أن يكون لصندوق تحيا مصر دور محورى فى تنسيق الجهود وتعزيز مسارات الكشف المبكر وعلاج المرضى وتحمل نفقات العلاج بهدف تخفيف الأعباء المالية عن المواطن وتوفير دعم وزارة الصحة للانتهاء من قوائم الانتظار فى وقت قياسى، وهو ما تحقق بالفعل متمثلاً فى تطورات ملموسة وطفرات هائلة شهدتها الآونة الأخيرة فى العلاجات الخاصة بفيروس سى ، حيث اتسعت قاعدة العلاج لنحو نصف مليون مريض خلال عام 2016 من خلال تنفيذ البرنامج القومى العلاجى لمرضى فيروس سى ، بالإضافة إلى دخول علاجات مكملة للسوفالدى، مثل دواء أوليسو وعقار دكلاتاسفير التى حققت نسب شفاء تتعدى 90% من خلال العلاج الثلاثى بدلاً من نسب شفاء 50% مقارنة بالسابق ، كما استخدمت تلك العلاجات كبدائل لمرضى التليف الكبدى التى كانت نسب شفائهم منعدمة فى السابق لعدم إمكانية علاجهم بعقار الإنترفيرون .
يذكر أن اللجنة القومية للفيروسات الكبدية التابعة لوزارة الصحة والسكان قد قامت بجهود حثيثة وشنت حملات مكثفة للتوعية والعلاج والوقاية من الإصابة بفيروس سى على مدار العام ، مما كان له ابلغ الأثر فى علاج نحو 835 ألف مصاب بفيروس سى خلال الأشهر العشرة الأخيرة فقط.
كما قامت اللجنة بتخصيص موقع إلكترونى تابع مباشرة لهيئة التأمين الصحى وتسجيل بيانات المصابين عليه ، وذلك لتسهيل علاجهم وتحديد موعد صرف العلاج لهم من خلال منافذ مراكز الكبد المنتشرة على مستوى الجمهورية.. يأتى ذلك فى إطار خطة وزارة الصحة للقضاء نهائيا على كل أنواع الإصابات بالالتهاب الكبدى الوبائى بنوعيه بى وسى بحلول 2020 .
منظمة الصحة العالمية
الجدير بالذكر إشادة الدكتورة مارجريت تشان المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية بتجربة مصر الرائدة فيما تقدمه من علاجات لفيروس سى وبالطرق المتبعة فى مكافحة العدوى ، مشيرةً إلى مجهودات الحكومة المصرية بتقديم الدواء بأسعار تتناسب مع دخول المصريين ، وأوضحت تشان خلال احتفالية يوم الكبد المصرى أن ثمرة التعاون بين المنظمة ومصر فى تصنيع الدواء المصرى لعلاجات فيروس سى بأسعار فى متناول يد المريض المصرى ، جاءت من منطلق تقديم أفضل العلاجات المثيلة وبنفس الجودة والكفاءة والفاعلية للدواء الأصلى ، مضيفةً أن النموذج المصرى بات تتبعه فعليا بلدان عدة .
دور منظمات المجتمع المدنى
ويؤكد الدكتور جمال شيحة رئيس لجنة التعليم والبحث العلمى بمجلس النواب ورئيس مؤسسة الكبد المصرى أهمية المشاركة الفعلية لمؤسسات المجتمع المدنى مع الدولة فى القضاء على الالتهاب الكبدى الوبائى ، وذلك تحقيقا لمبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسى لعلاج مليون مريض مصاب بفيروس «سى» سنويا وحتى الإعلان عن مصر خالية من فيروس سى ، ويشير شيحة إلى نجاح أول مشروع مؤسسى فى الكشف المبكر عن المرضى وعلاجهم خاصة فى القرى والمراكز الأكثر احتياجا على مدار العام، والذى تم العمل به وفق إستراتيجية ترتكز على السير فى اتجاهين متوازيين أحدهما وقف الإصابات بالمرض من خلال الحملات التوعوية المكثفة بمشاركة جمعيات تنمية المجتمع والوحدات الصحية والمدارس والقيادات الدينية والشباب ، والعامل الثانى وهو علاج كل المصابين بالفيروسات الكبدية سى و بى. ويرى شيحة أن الأعوام الثلاثة الماضية كانت بمثابة قاطرة النجاح فيما يخص مشاركة المؤسسات الأهلية التى لا تبغى الربح من أجل خدمة ورعاية غير القادرين من مرضى الكبد، الأمر الذى نال إشادة منظمة الصحة العالمية بالاهتمام بالمرضى ومتابعتهم عن كثب فى كل المراحل العلاجية، بدايةً من الفحص المبدئى السريع للفيروسات الكبدية ، ثم التحليل التأكيدى لجميع الحالات الإيجابية ومتابعتها طوال فترة العلاج ، ومن ثم إجراء الفحوصات بعد شهرين من إنهاء العلاج للتأكد من تمام الشفاء ، الأمر الذى نتج عنه الإعلان عن خلو 16 قرية مصرية تماما من الفيروس فى 2016 ، وانتشار نحو 180 قافلة طبية فى قرى ونجوع مصر ، بالإضافة إلى المشاركة المصرية فى المؤتمر الإفريقى من أجل الإعلان عن إفريقيا خالية تماما من الالتهاب الكبدى الوبائى ، وحرص الدول الافريقية على الاقتداء بالتجربة المصرية الرائدة .
مبادرة «اطمئن على نفسك»
تأتى مبادرة «اطمئن على نفسك» لتوسعة نطاق المشاركة والتنسيق بين كل الجهات التنفيذية والقطاع الخاص والمنظمات الأهلية لمكافحة فيروس الكبدى الوبائى فى كل ربوع مصر، كما تعد نموذجا لتكامل الجهود بين المجتمع المدنى والجهات الحكومية متمثلة فى وزارات: الصحة والتنمية المحلية والتضامن الاجتماعى وذلك باجراء التحاليل وتوفير علاجات للمرضى بالمجان، مع تكثيف الحملات التوعوية بطرق العدوى ومتابعة كل الحالات حتى تمام الشفاء.
وأكد الدكتور جمال شيحة رئيس مجلس امناء مؤسسة الكبد المصرى وجود ملايين المرضى حاملى الفيروس ولا يعرفون بذلك، واوضح ان المبادرة تأخذ على عاتقها مهمة تنبيههم بشتى الطرق الإعلامية كنشر مطبوعات او الإعلانات التليفزيونية أو عن طريق عقد الندوات والمؤتمرات التوعوية، وذلك جنبا الى جنب مع علاج المرضى من حاملى الفيروس ، وأشار شيحة إلى أن المبادرة تستهدف إجراء التحاليل لنحو5 ملايين مواطن مصرى فوق سن 18 سنة والوصول بحملات التوعية الى 10 ملايين مواطن من كل الأعمار على مدار عام 2017 .
وأكدت الدكتورة توحيدة ياسين توافد العديد من الحالات للمؤسسة الخيرية التى تعمل بها فى حالة إعياء شديد ومنهم من تدهورت حالته ويعانى مضاعفات خطيرة ، كالحاجة فادية عبدالغنى من القاهرة والتى كشفت إصابتها عن عدوى أبنائها بالفيروس، ولقد بدأت المؤسسة فى علاجهم جميعا بالمجان فى آن واحد ، وحالة عبدالعزيز وادى عثمان من سوهاج والبالغ من العمر 25 عاما والذى كان يستعد للسفر للعمل بالخارج واكتشف إصابته بالمرض مما اضطره لتأجيل السفر والعودة للقاهرة لتلقى العلاج .
آراء المتعافين من الفيروس
ويصف محمد وصيف عضو مجلس إدارة جمعية الكبد بالدقهلية تجربتهم لعلاج المرضى بالمحافظة والتى تجاوزت أعدادهم 6200 حالة حتى الآن ، بدايةً من الفحص المبدئى السريع للفيروسات الكبدية ثم التحليل التأكيدى للفيروس ومتابعة الحالة العامة للمريض وقياس مدى استجابته للعلاج وحتى تمام الشفاء.
وقال: إن نجاح التجربة فى القضاء تماما على الفيروس جاء نتيجة السير فى خطوط متوازية لجميع الأهالى ، من حيث المسح الشامل للتأكد من خلو الأفراد بجانب العلاج المكثف للحالات الإيجابية والتى تخضع تحت إشراف طبى كامل للتأكد من تناولهم للجرعات وتلقيهم للتغذية المناسبة دون تحميلهم أى نفقات .
وتروى فوزية متولى «ربة منزل» من الدقهلية معاناتها التى عايشتها مع المرض وتحملت آلامه المتواصلة صاغرةً لمدة 15 سنة، الأمر الذى تغير مع بداية الحملات التوعوية والقوافل الطبية التى تطوف المحافظات لتقديم العون والمساعدة والعلاج لمحدودى الدخل بالمجان، حيث عادت اليهم أنفاسهم وتنفسوا الصعداء من جديد، ويصف الحاج عبدالهادى إسماعيل من مركز تلا بالمنوفية إصابته بالفيروس منذ أكثر من 5 سنوات ولضيق ذات اليد لم يستطع العلاج، ويصف سعادته بتوافر العلاج الفعال له بالمجان وان يكتب له الشفاء تماما بعد سنوات من الألم، وكذلك تتحدث ابتهال دسوقى بقرية دكرنس محافظة الدقهلية بأنها خضعت لعلاج مكثف لمدة 3 أشهر وبعدها لم تصدق شفاءها التام من الفيروس الذى عايشته سنوات عدة.
وتحكى عايدة على من أشمون عن اكتشافها بأنها مصابة بالفيروس نتيجة هبوط حاد أصابها وإعياء شديد، وبعد التحليل واتباعها الجرعات الدوائية المقررة تحسنت حالتها بشكل ملحوظ، بينما تقول فادية عبدالعال إنها تعرضت لانتكاسة بعد تعافيها من المرض، ولكن فى ظل تواجد القوافل الطبية المتجولة فى القرية والإرشاد الدقيق من الأطباء استطاعت البدء فى رحلة جديدة من العلاج.