أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / هل ستسقط امريكا نظام الملالي ام لا؟  … صلاح المختار  

هل ستسقط امريكا نظام الملالي ام لا؟  … صلاح المختار  

ليس من مصلحة امريكا ان تحل اي مشكلة في العالم ، لكن من مصلحتها ان تمسك بخيوط المشكلة وان تحرك هذه الخيوط حسب المصلحة القومية الامريكية – كيسنجر.

      كثير من الاسئلة تطرح حول الموقف الامريكي من اسرائيل الشرقية وهل ان الانتفاضة الحالية مقدمة لاسقاط النظام؟ ام ان امريكا لن تدعم الانتفاضة كما حصل في الانتفاضات السابقة التي خذلتها امريكا ؟ لاجل تقديم جواب صحيح فمن الضروري الانتباه الى ما قاله كيسنجر لانه يلخص طريقة امريكا في التعامل مع قضايا العالم ، وما يجري في اسرائيل الشرقية لامريكا دور  فيه لذلك سنجيب على هذه التساؤلات ونحن نتذكر الالعاب الامريكية.
1- عندما دعمت امريكا وبريطانيا اسقاط الشاه ونصبتا بدعم فرنسي نظام خميني كان الهدف الجوهري هو تخريب الاقطار العربية خصوصا العراق وصولا لتقسيمها وتغيير هويتها القومية، والاداة الاهم في تنفيذ هذا المخطط هو نظام الملالي بحكم ما لديه من استطالات طائفية، وكل ما حصل منذ حرب خميني على العراق وحتى الان يؤكد ذلك التلاقي الستراتيجي بين نظام الملالي وامريكا واسرائيل الغربية.فهل حققت اسرائيل الشرقية هذا الهدف السوبرستراتيجي؟ الجواب نعم وكلا ، نعم فقد نشرت الفتن الطائفية مقرونة بالارهاب في مختلف الاقطار العربية وهي رافعة تقسيمها،وكلا لان هذا المخطط لم يكتمل بسبب اصطدامه بصخرة العراق الواحد الذي فشلت خطة تقسيمه وهذا ما اثبتته انتفاضة تشرين في عام 2019.
      2-فما الذي بقي اذا؟ ما بقي امران جوهريان : أ- ان المطامع الامبراطورية الفارسية – اي التوسعية الفارسية خارج الحدود – تجاوزت ما حددته لها امريكا والصهيونية في نهاية السبعينيات من القرن الماضي فاحتلت اقطار عربية ليس لتدميرها وتركها لامريكا والصهيونية، كما نصت الخطة، بل قررت الاحتفاظ بها رغم انها ضمن ما تعده امريكا مناطق سيطرتها،وهذا ما ترفضه امريكا واسرائيل الغربية، ب- البرنامج النووي الايراني يشكل احتمالا خطيرا على الكيان الصهيوني حيث انه لاضمانة ان لايستغل في تعظيم المطامع الاقليمية الايرانية على حساب حصص امريكا واسرائيل الغربية في الوطن العربي، لذلك نجد انهما تضغطان على اسرائيل الشرقية منذ سنوات لاعادتها الى ما بين السكتين الاصليتين،وما عدا ذلك فان القاسم المشترك مازال يجمع هذه الاطراف الثلاثة وهو معاداة الامة العربية، وسيبقى لفترة غير منظورة.
      3-من المهم جدا ان نتذكر ان امريكا خذلت عدة انتفاضات سابقة في اسرائيل الشرقية رغم انها دعمت ما سمي في نفس الوقت ب(الربيع العربي) لانه كان مخصصا لنشر الفوضى المهلكة في الاقطار العربية، فالمعادلة الامريكية والصهيونية تقوم على تقسيم الاقطار العربية مقابل المحافظة على وحدة اسرائيل الشرقية ومنع تدهور  دورها الاقليمي المنضبط ،والان زيادة الضغط الامريكي – الصهيوني على نظام الملالي هدفه الواضح ليس اسقاط النظام بلا اجباره على التقيد بحدود المخطط الامريكي الصهيوني وعدم الخروج عنه،وما يؤكد ذلك هو ان امريكا واسرائيل الغربية لو كانتا تريدان اسقاط النظام لاسقط منذ الانتفاضه الاولى لان لهما اذرع كثيرة داخل النظام وهو ما اثبتته عمليات الموساد والمخابرات الامريكية داخل اسرائيل الشرقية من اغتيال علماء وقادة عسكريين والاستيلاء على ارشيف المشروع النووي الايراني بعملية خطيرة كشفت ان تغلغل الموساد عميق جدا في اعلى مواقع السلطة واكثرها حساسية، لذلك فالسؤال المهم هو : هل ما زالت اسرائيل الشرقيه لها دور مفيد لامريكا واسرائيل الغربية كي تخذل امريكا الانتفاضة الحالية ايضا ؟ ام ان ذلك تغير؟ وهل انتفاضه تشرين عام 2019 دور  في هذا التغيير؟
      نقف الان امام احتمال قوي بما يكفي ليكون الخطوة التالية لامريكا فبعد ان اكدت انتفاضه تشرين بصورة حاسمة ان الشعب العراقي بكافه مكوناته مازال واحدا قويا محافظا على هويته الوطنية العراقية رغم كل الكوارث التي صنعتها امريكا واسرائيليتين الغربيه والشرقية، وان تقسيمه غير ممكن، وبعد ان تم عزل اتباع اسرائيل الشرقية في العراق  وتحول ما كانت تعده منطقة نفوذها الاساسية وهو جنوب العراق الى منطقة قتل لها بعد انتفاضة تشرين ،بعد ذلك التحول العميق فان نتائج خطيرة اخرى ظهرت ابرزها تراجع التغلغل الايراني في الوطن العربي، لذلك فمن الممكن ان تعيد امريكا النظر في بقاء النظام الايراني الحالي بعد فشله في اكمال مهمته الاساسية واستبداله بنظام اكثر تبعية لاجل اهداف اخرى ذات طبيعة ستراتيجية .
ما يجري في اسرائيل الشرقية من توسع للانتفاضة وتواصلها بدعم غربي واضح يؤكد بان امكانية اسقاط النظام موجودة، ولكن الامور عند امريكا متساويه كما يبدو ظاهريا حتى الان بين الخيارين، خيار بقاء النظام مع العمل على قطع  الاستطالات غير المرغوب فيها وهي المطامع الفارسية او خيار اسقاط النظام بعد فشل قطع هذه الاستطالات. فهل هذا يعني ان الدور الايراني المرسوم من قبل امريكا والصهيونيه في العراق والوطن العربي قد وصل الى طريق مسدود وان على امريكا واسرائيل الغربيه البحث عن بديل اخر؟ اذا كان الجواب نعم فان معنى ذلك ان النظام الحالي في اسرائيل الشرقية لم يعد مفيدا لامريكا واسرائيل الغربية ويجب التخلص منه. وهنا نرى ان الانتفاضه الحاليه في اسرائيل الشرقية قد تكون المقدمه لاسقاط النظام، ولكن بالمقابل فان امريكا لم تبذل الجهود الكافيه والمطلوبة لاسقاط النظام حتى هذه اللحظه بل أكتفت الضغوط الاقتصاديه والمخابراتيه وبعض الاعمال العنيفه ضد النظام من اجل اعادته الى ما بين السكتين!
والسبب الرئيس هو ان هاجس امريكا الاول والاخير في الوقت الحاضر هو الصعود الصيني الكبير ولذلك فأن ردع الصين وتطويقها ومنعها  من اكمال طريق الحرير هو الهدف الامريكي المركزي، بينما تبدو  الحرب في اوكرانيا التي اشعلتها امريكا مخصصة لتهميش روسيا ان لم يكن تقسيمها ،لاجل ان تنفرد امريكا بالصين .من هنا فان ضرورة منع اكمال طريق الحرير الصيني يفرض اكمال السيطرة على النزعات الامبراطورية لاسرائيل الشرقية ومشروعها النووي، لاجل منع الصين من استخدام الموقع الجغرافي لاسرائيل الشرقية وهي تقع جغرافيا في منطقة مرور طريق الحرير للوصول الى الغرب، وهي تستغل وضعها الجغرافي في التقرب من الصين وروسيا للضغط على امريكا من اجل ان تتراجع عن ضغوطها عليها وتعترف بغزوها لاقطار عربية. هنا نلاحظ المصلحة الامريكية وليس الايرانية ولا مصلحة شعوب المنطقة تتحكم بالقرارات الامريكية حتى لو كانت غير مشروعة وتقوم على تدمير كافة الامم !
وبما ان الموقف الامريكي لايبدو حاسما حتى الان فان هذه الانتفاضة فرصة تاريخية لجماهير الشعوب الايرانية كي تسقط النظام بقرار امريكي او بدونه فالنظام فقد قوة ردعه، وقواه الامنية بدأت تتفكك وهذا امر حاسم في سقوطه، والجماهير خرجت في المحافظات ضده وابتزاز القوة لم يعد بنفع لردع الناس عن التظاهر حيث اخذت الجماهير تفتك بعناصر الامن في الشوارع وتطارد رجال الدين ،تماما مثلما حصل في اواخر ايام الشاه ، لذلك فتصعيد الانتفاضة هو الطريق الوحيد الان لاسقاط النظام وعدم انتظار (جودو)* امريكا ليأتي فهو لن يأتي كما لم يأتي في الانتفاضات السابقة.

* “في انتظار جُودُو” مسرحية لصامويل بيكيت الحائز على جائزة نوبل في 1969  وهي من اهم ما كتب في المسرح العالمي ، وفيها رؤية للوجود الإنساني المشوَّش ، الذي لايعتمد الا على انتظار ما لن يأتي والتعويل في الخلاص على المجهول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *