الجواب كلا، فالصنمية عندما تسود في المجتمع تصبح مؤشرا لايخطئ لشيخوخته ممثلة بتدهور منظومته التربوية والفكرية التي ينشأ الناس في بيئتها، فتستبدل رموز المبادئ بما يمثلها او يرمز اليها، والمثال على ذلك الاصنام قبل الاسلام فهي صنعت للتعبير عن الايمان بالاله غير المجسد ماديا ولكن عبر وسيط مادي ملموس هو صنم، وكان العرب في الجاهلية يفعلون ذلك لقناعتهم بانه يمكن ان يكون وسيلة لايصال عبادتهم لله عن طريقه.ولكن جيلا بعد جيل ضاعت على الاجيال الجديدة الاسباب الحقيقية لصنع الاصنام، فتغيرت النظرة لها من كونها وسيطا بينهم وبين الله الى بديلا عنه، فاصبحت العبادة للاصنام ولم تعد فكرة الله الواحد هي السائده لدى الاجيال اللاحقة! ما هي الصلة بين صنمية قريش وصنمية الحزب؟ في مرحله تشكله ونهوضه كان دستوره ونظامه الداخلي وقيادته رموزا لعقيدة وقيم الحزب الواجبة الاحترام والالتزام بها فهي قواعد بناء الحزب وضمانات ديمومته، وبناء عليه تمتعت بالقيمة الاعلى في الحياة الحزبية وضبطت حركة الرفاق بصورة اختيارية مقرونة بوعي عميق واضح لحقيقة انها ليست بديلا عن هوية الحزب وان كانت رموز لها ،وهو ما جعل احد اهم قواعد العقيدة الاساسية في التنظيم هي القيادة الجماعية والديمقراطية المركزية والنقد والنقد الذاتي التي ما تم تبنيها الا لمنع الصنمية من الظهور، وهذه الاسس كان الهدف منها تثبيت ان عقيدة الحزب هي البوصلة التي تحدد كل ما في الحزب وتميز بين ماهو فرعي ورمزي وماهو جوهري، فاصبح صعبا جدا وقتها الاستعاضة عنها برموزها، فما قيمة الحزب اذا لم يكن المناضل يلتزم برموزها فقط عندما تكون تلك الرموز متقيدة تماما بالعقيدة والنظام الداخلي؟
النضال والتضحية ليسا ممكنين من دون وعي يقنع بالتضحية وهذا مرهون بعمق ثقافة المناضل الحزبية والعامة ،فكلما زاد الوعي بالعقيدة ارتفع الاستعداد للتضحية من اجلها.ولكن ماذا يحدث عندما يتراجع الوعي الثوري نتيجة تطورات الصراع السياسي وزيادة مخاطره وهو ما يوجب تنمية القدرات النضالية على حساب تواصل التنمية الثقافية للمناضل؟ من بين ابرز النتائج ظهور معادلة جديدة وهي ان النضال كلما زادت مخاطره زادت قوة الرمز على حساب الجوهر الذي يمثله الرمز ، وتظهر بداية الصنمية في الحزب الثوري وتتجسد في الطاعة العمياء للقيادتين القومية والقطرية وتراجع النقد او منعه ضمنيا او صراحة ،لان الوعي الثوري تراجع كثيرا ولم يعد المناضل قادرا على معرفة حدود صلاحيات الرمز وهل هي تشمل تغيير العقيدة والستراتجية القومية بدون التقيد التام بضوابط الحزب وفي مقدمتها نظامه الداخلي الذي يحدد الصلاحيات ويحكم الجميع من اصغر نصير الى امين عام الحزب؟ فالذي يظن ان القيادة القومية هي الفيصل في الحكم،حتى بدون تقيدها بالنظام الداخلي الذي يمنع القرارات الفاسدة، يقع في فخ الطاعة العمياء وتظهر الصنمية.
والخطورة المميتة تكمن في ان طاعة الصنم تستمر حتى لو انحرف من يمثلها في هذه المؤسسات او ينتخب عضوا فيها كالقيادة القومية، وبقوة الانحراف يصبح الممثل الرمزي للعقيدة هو الذي يحدد العقيدة رغم ان العكس هو الصحيح،ويستطيع التلاعب بها وببقية الرموز خصوصا النظام الداخلي بحكم انتقال الاحترام والتقدير والطاعة للرمز بدل الاصل! وهكذا تحل لعنة التفكك والتراجع في الحزب بضمور الوعي بان الطاعة لاي قيادة حزبية مشروطة بتقيدها التام بالعقيدة والنظام الداخلي ودستور الحزب وبتقاليده وضوابطه، وفي اللحظة التي تخالف فيها اي قيادة تلك الضوابط تفقد رمزيتها وترفض تعليماتها. كيف يمكن ان نطبق هذه القاعدة الصحيحة على الازمة الحالية في الحزب؟ وما هي المظاهر الاساسية للصنمية؟ وما هي الاثار العملية التي تنتج عنها؟
1-بغياب الوعي العقائدي او ضعفه نرى ان الحزبي يطغى على البعثي ، وهو ما لاحظناه لدى بعض الرفاق الذين يتهربون من النقاش الحر حول ازمة الحزب فلا يجدون الا ادعاء (ان هناك خرق للشرعية من خلال عدم اطاعة القيادة القومية)، رغم اقرار هؤلاء بغالبيتهم الساحقة بانها لم تتقيد بالنظام الداخلي بمعاقبة رفاق دون تحقيق معهم، وذلك اهم معايير العدالة والتي تشكل المبرر الرئيس لوجود الحزب وشرعيته النضالية، مثلما يقرون بخروجها على عقيدة الحزب وستراتيجيته!هنا نرى اصنام قريش الحديثة شاخصةامامنا! وهذا مؤشر لوجود عقلية الشرطي لذلك فالواجب هو تغليب البعثي الذي يفكر وينتقد بحرية داخل الحزب! اما اذا بقيت الصنمية فانها تفضي الى نهاية خطيرة جدا .
2-وهيمنة الصنمية على بعض الرفاق تفقدهم التوازن النفسي وهو اساس قوة الارادة البشرية ويتحولون الى ادوات طيعة حتى بيد من اساء اليهم كما اساء للحزب لانهم يعرفون ان كل ما يدافعون عنه خاطئ وانهم يساهمون في تهديم الحزب ،والاهم انهم يدركون رغم وعيهم الضعيف ان هناك انحرافا قد يكون خطيرا عن عقيدة الحزب وقيمه الاخلاقية! هل توجد وصفة اكثر خطورة من فقدان القناعة بالموقف؟ وهل يبقى المناضل مناضلا وهو لايؤمن بموقفه؟
3-وبغياب ارادة الحزبي يصبح اداة تتقبل كل موقف حتى لو كان خيانة الوطن، وهذا ما حصل في سوريا عندما سار الاف الحزبيين وراء حافظ اسد بحجة (ان بقاءهم في الحزب يكمن في طاعة من يقوده حتى لو ارتكب اخطاء فذلك افضل من ترك الحزب او شقه)! والنتيجة نراها الان وهي سيادة (متلازمة الاحمر)، اي عبدالله الاحمر الرجل الثاني في حزب الاسد الذي انقلب على قناعته جذريا وصار مجرد اداة تنفذ الاوامر، ولذلك نرى امامنا انتهاء الحزب في سوريا وتحوله الى اداة ايرانية وطائفية ومرتعا للفساد الشامل والانهيار القيمي والاصطفاف مع الاعداء الاكثر خطرا على الامة العربية وهم الفرس! والتيار الايراني في الحزب يمارس الان نفس اساليب حافظ اسد ويحاول جر الحزب الى نفس الهدف الذي حققه الاسد وهو السيطرة على التنظيم او غالبيته ولكن بدون بقاء هويته البعثية الحقيقية واستبدالها بهوية فاسدة تخدم المنحرفين! ووصف التيار الايراني في الحزب يعود لما كشف عنه الرفيق الامين العام عزة ابراهيم رحمه الله باكثر من رسالة اخرها رسالته لي قبل رحيله ب17 يوما والتي اكد فيها (وجود مؤامرة لتسليم الحزب لايران ونظام بشار ينفذها اعضاء في القيادة القومية) وطلب مني (سحب طلب استقالتي من قيادة الحزب لان دورا مشرفا ينتظرني في التصدي لتلك المؤامرة )، كما قال وهذه وثيقة بخط يده الكريمة ويعرفها اعضاء قيادة القطر كلهم اضافة لوجود كتاب رسمي بها.
في ضوء ما تقدم ما العمل لمنع السيطرة على الحزب ثم توجيهه وفقا لخط معاد للعروبة ؟ اولا يجب تشخيص انحرافات من يستخدم اسم القيادة القومية للسيطرة على الحزب:
1-اقامة صلات مع ايران ونظام بشار وهو ما اشار اليه الامين العام في رسائلة للقيادة القومية خصوصا منذ عام 2018 وحتى عام 2020 والرسائل نشرت ويعرفها الجهاز الحزبي وكان الامين العام يطلب من القيادة القومية قطع صلة اعضاء فيها بايران ونظام بشار فورا ولكن امره لم ينفذ.
2-كل قرارات القيادة القومية العقابية كانت مخالفة للنظام الداخلي وهذا انحراف خطير يجعل الرمز وهو القيادة القومية فوق الاصل وهو العقيدة والهوية اللتان انبثق عنهما النظام الداخلي ليحميهما، وفي اللحظة التي لاتلتزم فيها القيادة القومية بالنظام الداخلي تفقد شرعيتها لان النظام الداخلي في الحزب هو مصدر شرعية القرارات، ولا شرعية لاي قرار لايستند الى النظام الداخلي، والاستناد اليه لايتم بالاشارات اليه في صلب العقوبات بل في الاستخدام الصحيح له وهو ما لم يحصل ابدا. واخر مثال هو انتخاب امين سر القطر والذي دعت اليه تلك الزمرة بنفسها وليس قيادة القطر وشارك اعضاء فيها في الاعداد لها وفي تدقيق صلاحية المرشحين وفي التصويت ولكن حينما ظهرت النتيجة الغتها لان من فاز ليس احد غلمانها المطيعين.وهكذا اغلقت هذه الزمرة الباب امام اي حل وفقا للنظام الداخلي واثبتت بالادلة المتلاحقة بانها ترفض وبصورة متكررة ومطلقة التقيد بالنظام الداخلي للحزب.
3-اصرار من يحتل موقعا في القيادة القومية على رفض الحوار الحر مع الرفاق واللجوء الى القمع والمنع والاتهام بالتكتل لكل من يناقش وينتقد ، وهذا مناقض لاهم سمات القيادة وهي سعة الصدر والموضوعية.
4-الكذب وتلفيق الاتهامات للرفاق بلا دليل كالاتهام بالتكتل والتأمر وهي سمة غريبة على القيادة القومية في كل تاريخ الحزب ولم تظهر الا مع هذه الزمرة .
5-تجميد عمل الحزب وانسحابه من النضال عمدا لانه طوال سنة وخمسة اشهر زج في ازمة داخلية مفتعلة ولامبرر لها ولم يعد هناك من شاغل للحزب الا الازمة الداخلية! وترك الانتفاضة والعمل الجماهيري وتوقفت الاجتماعات الحزبية …الخ،وهذا العمل وحده يكفي للشك بوجود عامل مخابراتي خارجي.
6-وما يؤكد وجود عامل خارجي وراء افتعال الازمة وان هدفها هو تقزيم الحزب هو انها لم تقتصر على العراق بل ان نفس هذه الزمرة خلقت الازمات الطاحنة والمدمرة في اغلب الاقطار العربية في الجزائر وتونس والاردن وفلسطين ولبنان واليمن والمهجر حيث تعمدت فرض اشخاص لايصلحون للقيادة اما لاسباب تتعلق بتدني قدراتهم او بوجود مظاهر فساد لديهم او مشبوهية امنية، وبالمقابل عزلت من يملكون الكفاءة والتاريخ المشرف،فتسبب ذلك في توجيه ضربات خطيرة للحزب في كل تلك الاقطار وزجه بازمات مازالت تتفاعل ! لذلك اصبح اهم سؤال هو:هل هي صدفة تفجر تلك ازمات المتعددة وهي ظاهرة لم تحدث في كل تاريخ الحزب؟ الجواب الان واضح فبمجرد استعراض اداء هذه الزمرة يصل المناضل الى قناعة تامة بانها تتأمر على الحزب وان تشخيص الرفيق الامين العام لها بتأكيده انها تريد تسليم الحزب لايران ونظام بشار صحيح بالكامل.
7-من هم الذين يحتلون مواقع في القيادة القومية؟ اثنان منهم فقط منتخبون قبل 30 عاما من اصل 11 عضوا اما استشهدوا او ماتوا ،اما البقية فانهم عينوا بناء على حسابات التأمر المسبق ليكونوا من بين غلمان لا ميزة لهم الا تنفيذ المخطط الايراني لتدمير الحزب من داخله ، والاثنان المذكوران انتميا للحزب حديثا فالسيد علي الريح وهو قائد زمرة التأمر انتمى للحزب في عام 1969 والسيد احمد شوتري اصبح عضوا في الحزب في عام 1972 وكلاهما يفتقران للتاريخ النضالي وللتأهيل العقائدي وللتجربة، ولانريد قول ما عندنا عنهما الان فما ذكر يكفي للوصول الى ان هذه الزمرة لاتملك حتى الحد الادنى من مواصفات قيادة قومية تقود نضال الحزب في اخطر مراحل نضاله.
وفي ضوء ما تقدم يبقى السؤال هو:اذا كيف يمكن السير وراء زمرة مكشوفة مثل هذه؟ والجواب هو :كما هزمت صنمية كفار قريش بعد انتشار الوعي الاسلامي فان البعث الان وبعد الانتفاضة الشاملة للبعثيين على حزبيين مرتدين يعزلهم بالوعي البعثي العميق وبكشف خطورة عبادة الاصنام وبضرورة التقيد بالعقيدة والنظام الداخلي وبوحدة الحزب اولا وقبل كل شيء، والحزب بهذه الشروط يكون اقوى واكثر انسجاما ويستطيع استئناف دوره الحقيقي وهو النضال من اجل تحرير العراق .