أخبار عاجلة
الرئيسية / عربي / معاداة القومية العربية: لماذا ومن مهندسها؟ 2  .. صلاح المختار
صلاح المختار

معاداة القومية العربية: لماذا ومن مهندسها؟ 2  .. صلاح المختار

لانهاء الاتحاد السوفيتي يجب تهديم اسفل جداره – بريجنسكي

منذ عقود والغرب ومعه الصهيونية وكيانها واعلامهم ومراكز بحوثهم يحاولون نفي وجود قومية عربية ويعدون العرب شراذم متناثرة وما يدعونه من قومية عربية انما هو ايديولوجيا سياسية هدفها تحقيق مطامع العرب الاقليمية وغيرها وخداع الجماهير العربية من اجل تجنيدها لصالح دعايتهم القومية ! تحت عنوان (من الناصرية للبعث والقوميين العرب) كتب السيد الحمد تعليقات غير صحيحة  يعدد  ما اسماه “أخطاء القومية العربية” ونشر ت في جريدة الشرق الاوسط في 16 ديسمبر / كانون الأول 2022، وما قاله هو الاتي:”من الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها الحركة القومية العربية وايديولوجيتها(الناصرية،البعث، القوميون العرب)،أيام سطوتها وهيمنتها على العقول قبل هزيمة يونيو/حزيران 1967،هو قمع الهويات والأقليات العرقية غير العربية في ’الوطن العربي‘، وعدم الاعتراف بها، بحيث أن مصطلح ’الوطن العربي‘، وهو..”“مصطلح ايديولوجي أصبح يعني ’تعريب‘ كل شيء في هذا ’الوطن‘، فلا قومية إلا العربية، ولا هويات فرعية أو متداخلة، ونفي للأقليات مهما عظم شأنها، وبذلك انتفت التعددية العرقية والثقافية في هذا الوطن، الذي أصبح يعني كل شيء، ولا يعني شيئا على الإطلاق).

ويضيف: (العروبة كيان ثقافي مشترك في هذه البقعة من العالم، ولكنها ليست قومية سياسية،أو هدف سياسي حين تؤدلج. بالفعل، ما دخلت الأدلجة السياسية شيئا إلا أفسدته)! في هذه المقتطفات نرى هستيريا نفي القومية العربية او اعتبارها  أيديولوجيا وصلت بعد غزو العراق، وتداعيات ما سمي ب(الربيع العربي)، وهو في الواقع ربيع كل من بني فارس وبني صهيون وبني العم سام، ذروة غير مسبوقة، والسؤال الاول في دحض هذه التشويهات والتي سنتناولها كلها هو : هل القومية العربية ايديولوجيا كما وصفت من قبل من اقتبس عنهم واعتمد على تلفيقاتهم السيد تركي الحمد؟ ان الفخ الذي وقع فيه هو انه يخلط بين مفهومين مختلفين تماما وهما الايديولوجيا القومية والهوية القومية، ولاندري هل هذا الخلط نتيجة عدم معرفة ام انه تجاهل متعمد،فالقومية ليست ايديولوجيا وانت حينما تقول انا عربي والفرنسي حينما يقول انا فرنسي فذلك تعبير عن هوية محددة ثقافيا وفكريا وتاريخيا ونفسيا، وهي كيان وجودي مادي، فلابد للانسان من كيان في مكان ما وان يتميز بلغته وتقاليده وانماط حياته الروحية والمادية، وتلك هي الهوية القومية كما يعرفها كل العالم وهي كيان طبيعي ومشروع، اما الايديولوجيا القومية فهي الانتقال من المشروع والطبيعي في الهوية القومية وابرزها حق التوحد القومي في دولة واحدة، الى مشروع اوسع من الحقوق القومية الخاصة بامة ما، وتحديدا التوسع على حساب القوميات الاخرى والاعتداء عليها ونهب ثرواتها وهو ما فعلته قوميات اوربية مثل الفرنسية والايطالية والاسبانية، وايضا ما تفعله القومية الفارسية.

ومن ابرز مظاهر انتقال الهوية القومية الى حالة الايديولوجيا هو ظاهرة الاستعمار للعالم الثالث والذي كان عبارة عن سباقات بين امم اوربية لاستعمار العالم الثالث ونهبه والاعتماد على موارده وشعوبه في تحقيق اكبر تقدم للقوميات الاوربية،ولولا هذا النهب لما نهضت اوربا، ويكفي ان نذكر بان ما سرقته بريطانيا من الهند يعادل كل الثروات التي كانت موجودة في اوربا، طبقا لكارل ماركس في كتابه (في الاستعمار) ! ويصل التنافس حد الحروب بين قوميات اوربية كما حصل مثلا في الحربين العالميتين الاولى والثانية وكانتا عبارة عن صراع على المستعمرات ومن اجل السيطرة على العالم، وفي الحالة الاخيرة تضطر الدولة القومية ومنظريها لاختلاق مبررات فكرية ونفسية للغزو ونهب العالم واضطهاد الشعوب الاخرى مثل ان من يملك ثروات العالم شعوب بدائية لا تعرف كيف تستغلها وهي ثروات من حق كل البشرية الاستفادة منها ! واننا متقدمون ومتحضرون ونعرف كيف نستثمر تلك الثروات!

وكل تلك التوجهات هدفها اقناع شعوب الدول الاوربية ان الاستعمار وغزو الاخرين ونهب ثرواتهم عمل مشروع من جهتين: الجهة الاولى ان العالم الثالث متخلف ولايعرف كيفية الاستفادة من الثروات في بلده فنتدخل لصالحنا وصالح البشرية لان هذه الثروات ملك لكل البشرية،والجهة الثانية ترويج فكرة التفوق العنصري الاوربي لتبرير الغزو والاستعمار ، وهكذا تنتقل القومية من هوية مشروعة لشعب ما الى غطاء وتبرير ايديولوجيين للغزو والعدوان والنهب،باستخدام تبريرات فكرية ونفسية وادعاءات كاذبة، وهذه هي الايديولوجيا القومية،والسيد تركي الحمد اعتمد على الايديولوجيا القومية الاوربية في تعميمه تلك المرحلة من تطور القوميات الاوربية ليسقطها على العرب وقوميتهم بطريقة مصطنعة وغير ممكنة عمليا ونظريا.

لقد تجاهل -ولا اعتقد انه يجهل- حقيقة ان القوميات في العالم الثالث كانت ومازالت ذات طابع تحرري مشروع لانها تعبير عن تطلعات امة وحقها في الحياة والتحرر واقامة دولتها القومية، وسيعجز عن تقديم مثال واحد لقومية عالمثالثية أستعمرت اخرين، لذلك فانكاره ان القومية العربية كانت ومازالت حركة تحرر وطني عامة وبغض النظر عن تجارب الحكام العرب، واعتبارها ايديولوجيا انما هو موقف غريب ينكر بطريقة مدهشة ما جرى وما يجري في التاريخ الحديثة والقديم، فالعرب لم يغزو امما اخرى كي يستحدثوا ايديولوجيا قومية تبرره، ولذلك استخدموا كلمة (فتح) والتي تعني فتح ابواب الوعي والتحضر والايمان ،عندما دخلوا بلدان اخرى لنشر دعوة دينية وتقدم حضاري،ولم ينهبوا ثروات الاخرين كما فعلت اوربا او امريكا، والانظمة الوطنية والقومية العربية كنظام عبدالناصر في مصر والبعث في العراق لم تظهر لديهما نظرات توسع على حساب امم اخرى ، وبالتالي فان حركة القومية العربية طوال اكثر من قرن مضى كانت نضالا مشروعا ومطلوبا من اجل امة من حقها ان تبعث من جديد وتعيد بناء دولتها القومية الواحدة والتي قامت قبل ظهور كل القوميات الاوربية ، والتي يدعي منظروا الغرب واتباعهم العرب ان قوميتنا العربية نسخة منها!

لقد كان سكان اوربا  عبارة عن قبائل بدائية عندما بزغ فجر الحضارة العربية على العالم بتمكن الدولة الاموية، وهي دولة قومية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى هوياتي،من نشر  الحضارة والتنوير والاسلام في عدة قارات ولكنها ولم تنهب شعبا، وكانت نهضة اوربا تعود في احد اهم اسبابها لتقدم الحضارة العربية ونقلها لمنجراتها لاوربا عبر الاندلس، وجاءت الدولة العباسية لتكمل الرسالة العربية خصوصا بعد ان طهرت نفسها من الاختراق الفارسي وتحولت بغداد الى (متروبوليتان) مزدهر اي عاصمة العالم العلمية والثقافية والادبية والفنية، وكان ابناء اوربا يأتون لبغداد للتعلم، مثلما يذهب العرب الان الى الغرب للدراسة والتعلم  .

وطبقا لكل ما سلف من حقائق تاريخية وجينية فان القومية العربية ليست ايديولوجية ولم تصبح ايديولوجية في اي مرحلة من مراحل تطورها، بل هي هوية قومية ناضلت من اجل وحدة العرب وتوسعت باضافة المسلمين غير العرب اليها لانها حملت مسؤوليات دينية ايضا، وقامت بنشر العلم والفكر والايمان في العالم ،ولكن هذه الامة تراجعت لاسباب كثيرة منها تدخل الاستعمار الغربي الذي دمر ما تبقى للعرب من مظاهر حية، الامر الذي اعاد فرض واجبات قومية طبيعية، فوحدة الشعب العربي المقيم في ارضه التاريخية من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي، حق طبيعي لكل قومية مضطهدة وهو حق مارسته المانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا بتحقيق وحدتها القومية وكان ذلك حقا مشروعا لها عند هذه الحدود .

والعرب هم شعب  من بين ثلاثة قوميات في العالم فقط بقي شعبها مقسما :فكوريا مقسمة بقوة الغزو الامريكي لجنوبها، والصين فصلت عنها القوى الاستعمارية مكاو وهونج كونج وتايوان، ومن حق الكوريتان والصين والعرب التوحد القومي، وبالنسبة للعرب لابد من التذكير بان الامة العربية قسمت الى اكثر من عشرين دولة ليس بقرار عربي بل نتيجة الخطة الاستعمارية المعروفة ( فرق تسد)،فاول حق للعرب هو استعادة وحدتهم القومية التي عرفها العالم في اخر ثلاثة نهضات حضارية عربية معروفة:نهضة الامويين والعباسيين والاندلس التي كانت اللقاح الحضاري الذي حقنه العرب في جسد اوربا المتخلفة، وفي بقية الامم  .

لم اعتبر السيد الحمد القومية العربية ايديولوجيا؟ هدفه واضح وهو ان من السهل مقاومة ورفض الايديولوجيا من قبل ابناء الامة انفسهم بصفتها (زائدة فكرية مضرة)،اضافة لارهاب ابناء الامم الاخرى من وحدة العرب ونهضتهم، وتلك هي من منطلقات تفكير المثقفين المستغربين العرب، اما عندما ننظر للقومية العربية بصفتها حركة تحرر وطني هدفها تحقيق امال وتطلعات شعب واحد تربطه لغة وتقاليد وصلات روحية وحتى صلات قبلية ومصالح اقتصادية وارض ممتدة بلا عوائق الا اسرائيل الغربية فان القومية العربية تظهر بقوة على انها في ان واحد هوية لشعب عريق وحركة تحررية مشروعة للامة العربية.

هذه حقائق ميدانية وجدت قبل عبدالناصر وقبل البعث وزج السيد الحمد القوميين العرب قادة او حركات في الامر ما هو الا استسلام تام لنزعة ثأرية صنعتها صراعات العرب وانظمتهم منذ نهاية الخمسينيات وتلك من مظاهر التخلف في الوعي وتدني الشعور بالمسؤولية، وكان عليه الانتباه الى ان المرحلة الجديدة التي يواجه فيها العرب كلهم انظمة وشعب تهديد الافناء المخطط لهم وهو ما يفرض عليه تجاوز عقد الماضي، خصوصا وان الاخطاء كانت سمة كافة الانظمة وليس نظما محددة بذاتها فقط، كما يريد ان يوحي السيد الحمد.

ومن خطايا السيد تركي الحمد هو انه تجاهل بطريقة ملفتة للنظر ان القومية العربية هي اقدم قومية في العالم وهي ليست تقليدا للقوميات الاوربية التي ظهرت بعدها بقرون طويلة، فما الذي يجعله يروج لفكرة حداثة القومية العربية؟ يتبع.

 

3-1-2023

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *