يرحب مركز جنيف الدولي للعدالة، بتحفظ، بأحدث تقريرٍ صادرٍ عن بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، ” التظاهرات في العراق: التحديث الثالث “، الذي صدر في 23 آيار/ مايو 2020، والذي حمل عنواناً فرعياً ” حالات الاختطاف والتعذيب والإختفاء القسري في سياق التظاهرات المستمرّة في العراق”.
ومع أنّ العديد من جوانب التقرير تُظهر رغبة البعثة بأن تتحقّق المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت خلال الاحتجاجات المستمرة في العراق، لكنّ ما يُعاب عليها أنّها ما زالت تتوهم بقدرة السلطات العراقيّة على القيام بالتحقيقات وتقديم مرتكبي الإنتهاكات للعدالة.
وعلى الرغم من أنّ تقرير البعثة قدّ تضمّن بعض التوصيات المحدّدة، مثل المطالبة بأنّ يكون الهيكل القيادي وإطار المسائلة والزيّ الرسمي والظروف التي يتم فيها الإعتقال والإحتجاز، واضحاً في منظومة الأمن وكلّ الأجهزة التي لها سلطة الإعتقال والإحتجاز، بما في ذلك في الحشد الشعبي، ومطالبته بنزع سلاح الجماعات المسلّحة العاملة خارج هيكل القيادة الرسمي، إلاّ أنّ هنالك حاجة ماسة للسيطرة على الميليشيات التي تتمتع بهيمنة كبيرة. وهذا هو جوهر المشكلة التي لا يركزّ عليها تقرير يونامي: تأثير الميليشيات في المشهد السياسي العراقي. فالأحزاب السياسية ترتبط بالميليشيات وهذا ما يؤثر على عمل السلطتين التشريعية والقضائية. ويرى المركز أن العدالة الحقيقية لا يمكن أن تتحقق إلاّ من قبل حكومة خالية من نفوذ الميليشيات.
خلص التقرير إلى استنتاج خاطئ يقلّل من دور قوات الأمن الحكومية في الانتهاكات، عندما استندت البعثة الى بعض اقوال من التقتهم والذين “لم يوحوا بتورّط قوات الأمن العراقية” على حدّ تعبيرالتقرير. وهذا أمر يناقض التقرير نفسه، فقد لوحظ أن “33 شخصاً اعتقلتهم واحتجزتهم قوات الأمن العراقية، لم يتصلوا أو لم يمكنّوهم الاتصال بأسرهم أثناء احتجازهم”.ويستند هذا الاستنتاج أيضاً إلى ملاحظة مفادها أنّه “لم تتمّ إحالة أيّ من الذين تمت مقابلتهم إلى قاضي تحقيق أو كان بإمكانهم الاتصال بمحامين أو عائلاتهم”، وهو ما حدا بالبعثة إلى إستبعاد تدخل الحكومة. هذا المنطق غير دقيق على أقل تقدير.
في كلّ السنوات السابقة، كانت الإعتقالات التعسفيّة، والإعدامات خارج نطاق القضاء والإغتيالات السرّية، ممارسات معروفة تقوم بها السلطات الحكومية الفاسدة. ثم يجب أنّ لا ننسى أن الحكومة تعتبر أنّ “الميليشيات” جزءاً لا يتجزء من أجهزتها، وهي من تتولى تمويلها وتجهيزها بالسلاح؟ فأيّ أدلّة أكثر من ذلك على الإنتهاكات الحكوميّة. وبالتالي فهي وأجهزتها الأمنيّة مسؤولةعن إنتهاكات الميليشيات مسؤوليّة مباشرة.
ولم يقمّ مركز جنيف الدولي للعدالة بمراجعة أدلّة على قيام المليشيات بضرب المتظاهرين أمام قوات الأمن فحسب، بل أنّ التقرير نفسه يوضّح عدم قيام الحكومة بالتحقيق في عمليات الاختطاف وتحديد مكان الضحايا، على الرغم من أن العائلات قدّمت شكاوى رسمية.
وعلى هذا النحو ، يجدّد المركز دعوته إلى بعثة الأمم المتحدة المساعدة للعراق، والأمم المتحدّة بشكل عام، لإتخاذ موقف أكثر صرامةً تجاه حكومة العراق، للكفّ عن ممارساتها وإنتهاكاتها القمعيّة حيث تُظهر لهجة التقرير استرضاءً للحكومة في الوقت الذي يشير الى عدم وجود ما يكفي من أدلّة لإدانة أفعالها وإهمالها المتعمّد.
إن الخلاصة الرئيسية التي تُستمدّ من تقرير بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق من خلال القراءة بين سطور هي أن انتهاكات حقوق الإنسان في العراق ستستمر في ظلّ الإفلات من العقاب الراسخ، مع القليل من الجهود من جانب الحكومة العراقية لضمان المساءلة والعدالة عن الانتهاكات الجسيمة. لذلك ، يكرّر مركز جنيف الدولي للعدالة دعوته للأمم المتحدّة لقيام بعملٍ جادّ من أجل إنهاء حالة الإفلات من العقاب في العراق، وذلك بإنشاء محكمة دولية مستقلّة لمحاكمة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان منذ عام 2003. مثل هذا العمل الدولي هو السبيل الوحيد لتحقيق العدالة الحقيقية في العراق.