أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / متى يغتنم العرب الفرص الضائعة لسد الفراغ في افغانستان بقلم : طلال بركات

متى يغتنم العرب الفرص الضائعة لسد الفراغ في افغانستان بقلم : طلال بركات

طالبان تعتبر منظمة دينية عقائدية عندما كانت خارج السلطة .. واليوم منظمة سياسية تقود الحكم في افغانستان الدولة التي رحلت منها امريكا مهزومة وتركتها تغرق في ظروف اقتصادية صعبة بعدما ثبت عدم صحة ما يقال ان امريكا انسحبت من افغانستان لكي تقوم بالضغط على ايران بل الحقيقة تركتها لتغرق في مشاكلها الداخلية وايضا ارادت التخلص من كاهل النفقات التي انهكت ميزانية الولايات المتحدة بسبب تواجد قواتها هناك على مدى سنين لذلك رحلت منهزمة ولم ترحل وفق مخطط له علاقة بإيران كما اعتقد البعض .. في الوقت الذي ولّد هذا الانسحاب المذل تداعيات في السياسية الدولية التي شجعت كثير من الدول على التمادي والتعنت دون حساب لمواقف دولية صارمة .. مما يعني ان امريكا تركت افغانستان وهي غارقة في وحل الازمات الخانقة دون الاخذ بنظر الاعتبار التزاماتها السياسية والاخلاقية في حل المشاكل الدولية التي غالبا ما تترك حلفائها او الدول التي تحتلها فريسة تلتهمها دول اخرى لانه كما هو معروف في سياسة الازمات ان اي دولة تمد يدها لدولة اخرى تعاني من ازمات ومشاكل اقتصادية لابد وان تميل سياسياً لتلك الدولة التي تمد لها يد العون، لذلك ايران المتخوفة من طالبان تحاول بخبثها التقرب من افغانستان لأجل أستمالتها لغرض الانكفاء من شرورها لما يوجد من خلافات سياسية وعقائدية مذهبية لذلك لم تقطع ايران شعرة معاوية واستمرت في مد جسور التعاون لفتح افاق جديدة لكي تذوّب جليد عدم الثقة بين البلدين من خلال تقاطر الوفود الايرانية الى افغانستان في السر والعلن من اجل بناء شبكة من العلاقات لتطوير ما تم تأسيسه من تغلغل ايراني في مختلف الاصعدة قبل الانسحاب الامريكي واستلام طالبان الحكم، مما يعني ان العلاقات الايرانية الافغانية مرت بمرحلتين ..
الاولى قبل استلام طالبان السلطة .. حيث عملت ايران على مد جسور  من العلاقات مع جهات عرقية سنية قبل الجهات الشيعة في افغانستان مثل الطاجيك السنية التي تتحدث بلغة تشبه الفارسية، وايضاً أقامت علاقات عرقية مع البشتون السنية التي تستولي اليوم على اغلب المناصب الحساسة في افغانستان وذلك للوصول إلى دوائر صنع القرار، وبعد ذلك عملت على تعزيز العلاقات المذهبية مع شيعة الهزارة عبر تقديم المنح المالية والدعم الاجتماعي لها. وبذلك استطاعت إيران اللعب على المتناقضات بين مكونات المجتمع الأفغاني السنية قبل الشيعية ليتسنى اختراق مؤسسات الدولة من اجل تعزيز نفوذها في افغانستان فكانت البداية اختراق المؤسسات التعليمية في كابل إدراكا منها بأن التعليم هو من يؤسس للمستقبل، فسارعت جامعات إيرانية إلى فتح فروع لها في العاصمة كابل ومدن اخرى ومنها جامعة «آزاد» الإسلامية التي تعتبر من أكثر الجامعات نشاطا في أفغانستان وقد أسست لها فروع في هرات ومدن أخرى وان غالبية المسؤولين الأفغان حاليا هم من الحاصلين على درجة الماجستير من هذه الجامعة، وايضاً تعتبر جامعة «خاتم النبيين» في كابل أبرز مجمع تعليمي ديني شيعي يقع في حي (دهمزنك) وهي منطقة استراتيجية في قلب العاصمة الأفغانية، علاوة على المنح التي قدمت الى آلاف الطلبة الشيعة الأفغان الذين يتلقون التعليم الديني في الجامعات والمدارس والحوزات الدينية الشيعية في كل من إيران والعراق وبالتحديد في مدن قم ومشهد والنجف .. وكذلك «جامعة المصطفى» التي لها فروع في كابل وباقي المدن الأفغانية الكبيرة وقد خرجت المئات من الطلبة وهم الآن يتقلدون مناصب رفيعة في الدولة .. هذا بالاضافة الى تأسيس مراكز صحية وفروع للمشافي الإيرانية في كابل وبلخ وهرات وحتى في مدينة جلال آباد شرق أفغانستان وكان الظاهر المعلن من وراء تأسيس هذه المراكز هو تقديم الخدمات الطبية للأفغان ومساعدة الأسر المحتاجة، غير أن الهدف الحقيقي لهذا التغلغل الإيراني من اجل إتاحة فرص متنوعة للتوسع المذهبي والاستخباراتي من خلال مئات الإيرانيين الذين توافدوا إلى هذا البلد بلباس الأطباء». ولا بد من الاشارة الى المشافي الإيرانية في افغانستان ومنها مستشفى النور في غرب كابل وكذلك مستشفى الزهراء في الضواحي الغربية من العاصمة .. اما الاكثر خطورة في هذا التغلغل القيام بتشكيل أجنحة عسكرية للأحزاب السياسية التي يتم تمويلها من قبل الحرس الثوري الايراني لتحقيق اهداف مشبوهة في التوقيت المناسب، حيث تم تشكيل لواء (الفاطمييون) غالبية مقاتليه من الأفغان اللاجئين في مخيمات اللجوء في إيران وتم إرسالهم إلى سوريا لمقاتلة المعارضة السورية هناك. وايضا تم استغلاله في تحقيق أهداف استراتيجية لصالح ايران في دول المنطقة ..

اما مرحلة بعد استلام طالبان الحكم في افغانستان ازداد تدفق الوفود الايرانية على كابل لتوطيد علاقاتها مع قادة طالبان لفتح صفحة جديدة معهم بعد الانسحاب الامريكي مستغلة الوضع الاقتصادي المتردي في البلد لتصبح هي وروسيا في مقدمة الممولين للحركة .. مما يعني ان ايران تتحرك وفق مصالحها السياسية بغض النظر عن الخلافات الدينية او المذهبية، فأين العرب من كل ما يحصل في افغانستان الذي يفترض عدم ترك ايران من استمالتها لصالح سياستها الخارجية ومشروعها التوسعي في المنطقة لانه كما هو معروف كل شيئ بثمن .. مما يعني ان غياب الدور العربي وخصوصا الدول الخليجية التي تمتلك الاموال الطائلة يفترض ان لا تبخل في مساعدة افغانستان كدولة اسلامية تتمتع بمزايا مهمة كموقع جغرافي وثروات طبيعية قابلة للاستثمار اضافة الى تقارب مذهبي بين الجانين خصوصاً وان اغلب قادة طالبان يجيدون اللغة العربية بطلاقة لانهم متمسكين بحفظ القرآن بالنطق الصحيح .. لهذة الاسباب ووفق منظور مسارات التوتر في المنطقة تبرز أهمية أفغانستان جيوسياسياً بالنسبة للشرق الأوسط بالاضافة الى كونها دولة حدودية مع إيران، يفترض التركيز على احتوائها عربياً في مواجهة اطماع إيران التوسعية واستثمارها استراتيجيا لحماية الامن القومي العربي ليتسنى جعل ايران داخل كماشة بين شرق الامة وغربها خصوصاً بعد التطورات الاخيرة التي حصلت في باكستان مع الاخذ بنظر الاعتبار قوة طالبان وامكاناتها من حيث شدة البأس والصبر على المواجهة وصمودها في مواجهة الاحتلال الامريكي لذلك يفترض ان يكون التعاطي مع هذا الموضوع ليس رد لفعل عابر حسب ما يستجد من ظروف وانما يجب ان يكون هناك مشروع عربي لدعم المناطق الاستراتيجية التي يكون لها تأثير جيوبوليتيك على المصالح القومية اي يفترض ان تنتشل الدول العربية الغنية الدول الشقيقة الفقيرة سواء عربية او اسلامية بدلاً من انتشالها من قبل اعداء العرب وتحولها الى خناجر مسمومة في خاصرة الامة كما هو الحال في لبنان العربي الذي كان قلعة الفكر العروبي الناهض في الامة والذي تم انتشاله من قبل المشروع الفارسي عن طريق امداد الاموال الى حرب الله الذي قام بتجنيد اغلب شيعة لبنان العرب للانخراط في ذلك المشروع وايضا حوثيين اليمن والقائمة تطول …. لذلك اليوم الفرصة مواتية لكسب افغانستان بعد التوترات الاخيرة مع ايران ولابد من السعي لسد الفراغ لصالح العرب بعد مد يد المساعدة لتكون عون للامة العربية بدلاً من استمالتها من قبل ايران لصالح مشروعها التوسعي المعادي للعرب .. فهل من عقل رشيد يدرك ذلك .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *