أخبار عاجلة
الرئيسية / عربي / ما صلة النضال السلمي بالتطبيع الشعبي؟ صلاح المختار

ما صلة النضال السلمي بالتطبيع الشعبي؟ صلاح المختار

اثناء توقيع اتفاقيات كامب ديفيد من قبل الرئيس المصري انور السادات ورئيس الوزراء الصهيوني مناحيم بيجن فى عام 1978 ؟ قال الرئيس الامريكي جيمي كارتر: اليوم وقعنا اتفاقية سلام الحكومات ولكن الاهم منه هو سلام الشعوب فلا مستقبل لسلام الحكومات بلا تحقيق سلام الشعوب. كان كارتر يعرف ان الشعوب اذا عارضت بجدية فان اي اتفاق لن يطبق وسيبقى علاقات حكومية سطحية. وبالفعل فان عمليات الاعتراف وان تكررت بين حكومات عربية والكيان الكيان الصهيوني الا ان الشعب العربي بقي رافضا للتطبيع الشعبي بقوة رغم مرور 44 عاما على توقيع تلك الاتفاقيات.فحتى الان يرفض الشعب العربي في مصر والاردن التطبيع باصرار، وانخراط حكومات عربية اخرى في التطبيع لم يؤدي الا الى المزيد من الاصرار الشعبي على رفض التطبيع،وظهر ذلك جليا اثناء مونديال قطر الاخير حيث برزت اكبر تظاهرة عربية ضد التطبيع، وكان الفريق المغربي متحمسا في رفضه للتطبيع ورفع علم فلسطين احتفالا بانتصاراته الباهرة الى جانب علم المغرب.
خطوات تحقيق تطبيع شعبي عربي مع الكيان الصهيوني :
1- كان ما سمي تضليلا (الربيع العربي) اكبر قابلة ولدّت نمطا جديدا من العمل (الثوري) المسيطر عليه مخابراتيا،وربما يتسائل البعض:كيف يمكن للعمل (الثوري) ان تقوده مخابرات معادية لامتنا؟ الجواب: عبر اختطاف الاهداف الحبيبة على قلوب الجماهير واعداد نخبة مجندة مخابراتيا لقيادة العمل الثوري (مثل مجموعة وائل غنيم وحركة 26 ابريل في مصر)وليس القوى الوطنية المعروفة وبذلك تستطيع هذه النخبة وبدعم مخابراتي شامل دفع الانتفاضات الشعبية في المسار المطلوب مخابراتيا وليس تحقيق اهداف الشعب، وفي كل الاحوال فان القوة الضاربة هي الجماهير التي تندفع لتحقيق اهدافها ولكن لاتستطيع اكتشاف ان من يقودها ادوات المخابرات المعادية الا بعد فوات الاوان ! الاوضاع اللاانسانية والكارثية للشعب العربي لم تكن سوى محاولات امريكية وصهيونية هدفها تركيع الشعب العربي.
2-وفي ذروة كوارثنا وتشرذم قوانا تطرح برامج نضال جديدة تبدو لطيفة ظاهريا، علماء النفس والاطباء وخبراء المخابرات والمفكرين الغربيين والصهاينة وضعوا الخطط المدروسة وكانت ابرزها نظرية ضابط المخابرات الامريكية جين شارب القائمة على (رفض العنف واعتماد النضال السلمي الديمقراطي) في اسقاط الحكومات، وانتجت نظريته (الثورات البرتقالية) في جورجيا واوكرانيا وغيرها، وبعد ذلك وصلت الى تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا والعراق ولبنان واخيرا الى السودان،وكان شعارها الطاغي هو (سلمية…سلمية …سلمية) وكانت الملايين تهتف سلمية ولكنها كانت تجهل ما الذي تخبئه هذه السلمية لها !
انظروا فقط الى نتائج السلمية ستجدون انها اما الكوارث الشاملة مثلما يحدث في العراق وسوريا واليمن وليبيا، او ازمات طاحنة تفرم الحياة السهلة للجماهير وتضعها تحت ضغوط لاتطاق من الغلاء والمشاكل السياسية والطائفية مثلما يحدث في تونس ولبنان ومصر والسودان،او استكلاب الكيان الصهيوني في فلسطين،او تنمر دول الجوار غير العربية مثل اثيوبيا التي تستخدم حرب المياه لزيادة ازمات مصر والسودان خطورة ! هل هذه الاوضاع نتاج ذلك المخطط الامريكي والصهيوني؟ نعم انه الرد العقابي على رفض الشعب العربي التطبيع مع الكيان الصهيوني والاستسلام لامريكا.
3- لنأخذ السودان مثلا لنرى كم كانت سلمية الانتفاضة الشعبية مناسبة لخلاص السودان : بعد ثلاثة اعوام من الانتفاضة وصل السودان الى حالة اسوأ مما كان عليه قبل الانتفاضة! هل هذا كان مقصودا ؟ نعم وبكل تأكيد، فالنظام بقي كما هو باستثناء اقصاء راسه وبضعة افراد معه، بينما حراس النظام تصدروا قيادة السودان المنتفض، واصبح خيار المنتفضين قاسيا: اما قبول الوضع الحالي الذي يسيطر عليه العسكر حتى لو تسلم المدنيون الحكم ظاهريا، او استمرار عملية شرذمة السودان وانفصال اجزاء اخرى ، والكارثة الاكبر هي انه عندما سيقبل الوضع الحالي فان عجلة تدمير السودان ستستمر بالدوران مرة اخرى بعد توقف مؤقت، وصولا لانهاء السودان الذي نعرفه وهو الهدف الحقيقي، المخفي،لان انتفاضة سلمية تقودها مجموعات متناقضة ربطها قاسم مشترك هو اسقاط النظام ولكنها تختلف حول بقية الامور وتتبنى النضال السلمي الديمقراطي فقط، طبقا لمفهوم جين شارب هو الذي زج الانتفاضة في مقتل.
ان الوضع المعقد يحتاج للجمع بين السلمية والعنف الثوري في مرحلة ما،لان غياب الحسم بالعنف الثوري الجماهيري او ادواته العسكرية يبقي قبضة العسكر قوية فتتعمق الازمات وتنتهي بتقسيم السودان،وهو ما نراه الان حيث تشرذمت قوى الحرية والتغيير.ان استمرار عدم الحسم وتعاظم سيطرة العسكر مقابل تشرذم قوى الحرية والتغيير وتعب الجماهير بعد 3 سنوات من انتفاضة لم تحقق اهدافها بل تحقق العكس وهو زيادة معاناتها يوصل الى نتيجة واحدة وهي اجبار الكتل الجماهيرية على قبول حلول مناقضة لقناعاتها. هنا نرى ترجمة كلام كارتر عن نجاح التطبيع فقط عندما يقبله الشعب! وكل ذلك لان قوى الحرية والتغيير رفضت اللجوء لاستخدام ادواتها العسكرية للحسم في لحظة الذروة لايقاف عجلة الدم عن الدوران بالسيطرة على الحكم.
وهنا اذا قارنا سلبيات الانقلاب العسكري الوطني الذي ينهي الصراع ، بسلبيات تواصل انتفاضة سلمية باهضة الثمن وبلا امل في الانتصار الحاسم فعليا نرى ان الانقلاب العسكري اقل سلبيات لانه ينهي حمام الدم والخراب الكارثيين ويوفر سلطة قوية مدعومة من الجماهير تستطيع تنفيذ برنامج التغيير، وهذا ما حصل في العراق عندما قامت ثورة 17 تموز عام 1968 .
هل عرفتم الان خطورة ان يظهر السيد علي الريح السنهوري كتلميذ وفي لضابط المخابرات الامريكية جين شارب عندما كرر القول (نحن في حزب البعث نرفض العنف ونتمسك بالنضال السلمي الديمقراطي)؟ رغم اننا نعرف ان الاحتلال لايخرج الا بالقوة،وهذا الخط المرتد يمثل الصورة الانموذجية للتطبيع الشعبي كما اراده كارتر في السبعينيات، لان التخلي عن المقاومة المسلحة هو المقدمة الحتمية لبقاء الاحتلال الصهيوني والامريكي والايراني، ومن مظاهر الوقاحة هو ان صحيفة السنهوري (الهدف) أجرت مقابلة مع شخص فلسطيني يتحدث عن كل شيء في فلسطين الا المقاومة المسلحة لسبب بسيط هو ان جبهة التحرير العربية التي سطا على قيادتها شخص مجند من قبل الموساد ولذلك باع سلاحها وصادر الاموال لعائلته والتزم بدقة بكل تعليمات الموساد ، وهذا الشخص من ازلام السنهوري! بل ان وقاحة السنهوري، وهو وحده الذي يستطيع فرض الاسئلة على الصحيفة لطرحها، تصل حدا لايمكن تجاهله حينما يسأل المحرر ذلك الفلسطيني عن رأيه في نظرية تعدد القضايا المركزية للعرب وهل هي صحيحة ام خاطئة !؟
ان ذلك تراجع واضح عن الموقف المركزي للحزب الذي اكد بان العرب لم تعد لديهم قضية مركزية واحدة هي فلسطين بعد فرض كوارث اشد تدميرا من كارثة فلسطين على العراق وسوريا واليمن وليبيا ، وهذا الموقف وضحه الرفيق الامين العام للحزب عزة ابراهيم رحمه الله في عدة رسائل عممت على الجهاز الحزبي طوال السنوات السابقة لرحيله، وكان السيد السنهوري يرفضها سرا لخشيته من رد فعل الحزب وامينه العام، ولكن الان يتجرأ على المجاهرة برفضها.وهذا الرفض احد اهم اشكال التطبيع الشعبي لان العودة لنظرية ان القضية المركزية الوحيدة للعرب هي فلسطين تعني عدة امور خطيرة منها : ترك العراق وسوريا واليمن وليبيا تسحق دون دعم الشعب العربي لها ،تحت غطاء ان كل الجهود مسخرة لخدمة قضية العرب المركزية في فلسطين ولايجوز تشتيت الجهود بدعم غيرها، وهذا بالضبط هو الموقف الايراني والصهيوني لان القضية الفلسطينية الان ليست هي محور الصراع الرئيس ومحوره الحالي هو الصراع لتغيير هوية العراق وسوريا واليمن وليبيا، فاذا ركزنا كل دعمنا للقضية الفلسطينية فاننا ندعم تقسيم العراق وسوريا واليمن وليبيا !
والاخطر ان دعم القضية الفلسطينية لن يؤدي الى خدمتها الان لان البندقية سبق تعطيلها وصار الاستسلام هو الموقف السائد بين اغلب المنظمات الفلسطينية، اي اننا ندعم قضية مؤجلة الحسم في فلسطين ولكننا نتخلى عن قضايا تفور كالبركان في العراق وسوريا واليمن وليبيا ! هل ترون الذكاء المخابراتي في هذه الخطة؟ وهل ترون كم ان السيد السنهوري يخدم المخططات الاسرائيلية والايرانية والامريكية ويلحق ضررا فادحا بفلسطين والعراق وسوريا واليمن وليبيا؟ فهل يوجد تطبيع شعبي اوضح واخطر من هذا ؟
ان الردة الوطنية للسنهوري تتجسد في دعوته للنضال السلمي الديمقراطي وترك الكفاح المسلح، وهذا خروج متعمد عن موقف البعث والذي حدده القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق بقوله ان فلسطين لاتحررها الحكومات بل يحررها الكفاع الشعبي المسلح، من هنا فان موقف السنهوري ليس الا قبول للحل الصهيوني-الامريكي، والذي يترجم على انه محاولة لاجتثاث البعث من داخله. وهكذا نرى ان السنهوري يعمل بهستيريا لكسر طوق العزلة عن التطبيع الحكومي بالتطبيع الشعبي مع الصهيونية وامريكا واسرائيل الشرقية،والتطبيع الشعبي اخطر بمراحل من التطبيع الحكومي لان الاخير سيجد دعما جماهيرا كان يفتقر اليه طوال 44 عاما مضت، فيتعزز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *