بقلم: صلاح المختار
11- وبالنسبة للقضية الفلسطينية فان جو بايدن اتى ليكرس ما قام به ترامب ومن سبقه ثم يكمل خطوات صهينة فلسطين، فبعد تنفيذ ترامب لقرار نقل السفارة الامريكية الى القدس العربية، والغاء حق العودة وتخلي امريكا عن التزاماتها الاممية طبقا لقرار 242 الصادر عن مجلس الامن خصوصا(مبادلة الارض بالسلام)، بتبنى ترامب موقف الصهيونية القائم على (مبادلة السلام بالسلام) اي لاتراجع ولا انسحاب من الاراضي التي احتلت في عام 1967، ودعم ترامب لضم الجولان السوري المحتل الى الكيان الصهيوني ،بعد هذه الخطوات فان بايدن سيعمل في اطار مشروع الوطن البديل او مشروع شارون، وهو ينطوي على انهاء الكيان الاردني واقامة الكيان الفلسطيني في شرق الاردن،وضم قسم من الضفة الغربية له وترحيل عرب 48 الى الدولة الفلسطينية للمحافظة على (يهودية اسرائيل)،وتوطينهم في غرب العراق وربط الكيان الفلسطيني بصلة كونفدرالية مع اسرائيل الغربية.اما غزة فعلى الارجح سيعاد ضمها الى مصر.
هذه الخطوات التي قام بها ترامب بقرار امريكي مركزي لم يتخذه الا شكليا لانه مدير تنفيذي والقرار النهائي يتخذه من يتحكم بامريكا وهو ملاك المال، من هنا فان بايدن لن يلغي تلك الخطوات كما قد يعتقد البعض، لكن دوره المحدد له كصهيوني متطرف،كما يقول متفاخرا،لايختلف عن ترامب وسوف يطرح خطة الدولتين ويفرضه على الحكام العرب وهدفه المباشر هو تشجيع المزيد منهم على الانبطاح للكيان الصهيوني والتخلي عن الحقوق الفلسطينية الثابتة، خصوصا اذا اقترن ذلك باعتبار الاردن هو فلسطين، والتلويح بالغاء الاردن هو انذار لبقية الحكام العرب المترددين. ومن الدروس الواجب تذكرها انه رغم اعتراف السادات باسرائيل الغربية وتطبيعه سياسيا معها فاننا نرى مصر تتعرض لتخريب صهيوني مخطط ومستمر زراعيا وصناعيا وثقافيا ونفسيا واقتصاديا وباصرار ليس غريبا على المخطط الصهيوني وهو امر كان معروفا بالتفاصيل مسبقا.
والانبطاح المتزايد من حكام عرب هو نتاج الرغبة المسبقة في ارضاء اي رئيس امريكي دون استخلاص اي درس مما تفعله الصهيونية وكيانها مع مصر والاردن اللذان اعترفا بكيانها ومع ذلك يتواصل العداء لهما وتخريبهما اقتصاديا وامنيا وغير ذلك،فهم لم يترددوا في الاقدام على خطوة اسوأ من خطوة السادات وهي الاستسلام المجاني ليس لاسرائيل الغربية فقط بل للحركة الصهيونية بكافة اهدافها التوسعية ارضا وثقافة وهوية وتقاليدا وحقوقا، فالسادات اكتفى بخطوة الاعتراف ثم التطيبيع الرسمي وواصل ذلك حسني مبارك دون الضغط الفعال لتحقيق تطبيع شعبي ،بينما المعترفون الجدد تجاوزوا السادات بمراحل ووصلت صهينتهم حد حذف ايات قرأنية من المناهج الدراسية وتغييرها واستنساخ الروايات الصهيونية عن تاريخنا وتبنيها وهي روايات مزورة علنا ومرفوضة حتى في الغرب من اوساط موضوعية، وتغيير قوانين الاحوال الشخصية بصورة تقفز فوق واقع المنطقة وتقاليدها!بل ان الصهينة وصلت بهؤلاء حد ان اعلاميين خليجيين سقطوا في مستنقع فقدان الشرف عندما قاموا بتغيير الوقائع المادية والتاريخية والتراث بتعمدهم تبني الاكاذيب الصهيونية المفضوحة فنسبوا الاكلات الفلسطينية والزي الفلسطيني لاسرائيل الغربية!
واحد اهم الدروس المستخلصة من اداء ادارة ترامب هي ان ما حققته من خطوات دخل في اطار الثوابت الامريكية التي لاتتغير، وهكذا تتواصل خطوات المخطط الصهيو-غربي، وحل الدولتين مشروع صهيوني بالكامل مناقض لحقوق العرب المشروعة لانه لا يقوم على تأسيس دولة فلسطينية مستقلة بل اقامة كيان تابع ومنطقة عزل buffer zone تحمي الكيان الصهيوني وتعزز دوره الاقليمي للاسباب التالية :
أ-فهو كيان مجرد من السلاح وقواته المسلحة ليست اكثر من شرطة محلية.
ب- والاخطر انه حاجز يفصل الكيان الصهيوني على بقية العرب buffer zone يعطي هذا الكيان فرص حماية نفسه بوجود كيان سكاني عربي محيّد وعلى العرب اختراقة اولا للوصول الى منطقة الكيان الصهيوني وهي عملية تسمح زمنيا بأرسال اكثر من انذار له ، فتستعد اسرائيل الغربية لاي خطر يهددها،فالكيان الفلسطيني ستراتيجيا احد اهم المصدات الستراتيجية لحماية الكيان الصهيوني.
ج-كما انه معبر للسلع الاسرائيلية الى بقية الاقطار العربية وقد تحمل السلع الصهيونية اسم فلسطين لخداع العرب،وهذا الهدف جوهري لان بقاء اسرائيل الغربية رهن بفتح الاسواق العربية لها واستخدام اليد العاملة العربية والمواد الخام العربية والا ستخنق وبالتالي تضمحل تلقائيا حتى بدون حروب.
د-واعلان كيان فلسطيني سيصبح بنظر العالم استعادة للحقوق الثابتة للشعب العربي الفلسطيني فيعزل العرب دوليا اذا حاولوا استعادة حقوقهم في فلسطين وتتكرس ما سميت ب(الشرعية الاسرائيلية).
ه- ولذلك وهذا هو الاهم فالكيان الفلسطيني المخطط اقامته سيكون عبارة عن اداة اسرائيلية للتجسس واختراق العرب وقمع المقاومة الفلسطينية …الخ.
وهكذا نرى ان مشروع الدولتين الذي تبناه بايدن ليس الا مشروعا صهيونيا اصليا ولا يعيد للعرب اي حق بل انه يكبل العرب بقيود اضافية تصعّب نضالهم من اجل حقوقهم في فلسطين التاريخية ويمنح الصهاينة فرص التوسع الاقليمي سواء بالنفوذ او الاحتلال، مثلما يضمن ازدهار الصناعة والزراعة الاسرائيلية. وهنا نرى كيف ان بايدن سيكمل ما قام به ترامب ويكرسه مثلما قام ترامب باكمال ماقام به من سبقوه من رؤوساء امريكا تنفيذا لخطة امريكية موضوعة من عقود وتنفذ بمراحل ويقوم كل رئيس بتنفيذ خطة مرحلية توضع له.
12-ان تقارب قوة الحمار والفيل في الكونغرس والانقسام الخطير وغير المسبوق منذ الحرب الاهلية الامريكية سيزيد من شلل امريكا الداخلي والخارجي ويعمق ازمتها العامة نظرا للافتقار للقدرة على الحسم بقرارات متفق عليها وسريعة وهيمنة طباع الحمار والفيل على من يدير امريكا، فالصراع غير الودي هو البديل المتوفر لمبدأ كان ثابتا في العلاقات الامريكية الداخلية وهو الاجماع الوطني (patriotic consensus) الذي يحترم عندما تكون لامريكا مصلحة في خطوة ما فيتفق الحمار والفيل على قرار مشترك خدمة لامريكا، وكان ذلك في فترة صعود امريكا احد اهم مصادر قوتها الداخلية والخارجية لانه يوفر تنازلات متبادلة من الحمار والفيل من اجل تقدم امريكا وفوزها، اما الان فالحمار الديمقراطي حرن والفيل الجمهوري سكن وبينهما خندق ولايلتقيان! وتلك مرحلة جديدة في تاريخ امريكا لن تنتهي مفاعيلها ولا يمكن السيطرة عليها والمؤشرات تؤكد بان امريكا في حالة هبوط متسارع .
13-وحالة امريكا العرجاء والعوراء في عالم تتبدل فيه موازين القوى بسرعة وثبات وتغيب منه الحقوق والقوانين وتسود اعراف القوة الغاشمة فقط ادخلت العالم في سباق اشد خطورة على (اقاليم العالم المتنازع عليها) بين كباره! او التي كانت من حصة امريكا حصرا والان اخذت تتجه لتأمين بديل يحميها من غدر امريكا مثل تقارب السعودية مع الصين وروسيا منذ عهد اوباما ،او بقرار امريكي مثل تخلي امريكا عن موقفها التقليدي تجاه دول الخليج العربي مع انها كانت اهم مناطق العالم ستراتيجيا وعدها مبدأ كارتر جزء من الامن القومي الامريكي! وهذه المتغيرات الكبيرة نطاق التغلغل الصيني والروسي والاوربي وتزيد فرص التحرر الوطني اذا عرفت القيادات الوطنية كيف تغتنم الفرص،وتزيد الكوارث في حالة فقدان القيادات الواعية والمقتدرة. ويمكن تأكيد ان المستفيد اقليميا من هذه التبدلات هي اسرائيل الشرقية وتركيا واسرائيل الغربية .يتبع.