بقلم: صلاح المختار
9-بعد نشر الجزء 3 من هذه الدراسة تم التأكيد الرسمي الامريكي من قبل طرفي صراع الفيل والحمار على ان القوات الامريكية سوف تسحب مما يسمى( الشرق الاوسط) ويقصد بذلك العراق وغيره، والسبب كما قال وزير الدفاع الامريكي الجديد وكالة في اول ايام تسلمه المسؤولية هو (الملل من الحروب)! والاكثر مدعاة للسخرية هو ان ترامب ناقش توجيه ضربات للمنشأت النووية الايرانية مع مساعديه ونصحوه بعدم القيام بذلك فتراجع، لكنه،ويا للمفارقة، لم يتراجع عن اصراره على ان الانتخابات زورت!هذه هي اللعبة التي نشعر بالدهشة لان هناك من مازال يصدقها ويعول عليها رغم انها لعبة مكشوفة حتى للسذج ، فهي عملية تضليل عمرها عمرها اربعة عقود من المصارعة الحرة الامريكية، ولو كان هناك وعي ولو بحدوده الدنيا لعرف من يشاهد هذا النوع من المصارعة انها اتفاق مسبق على النتائج! هذا الموقف الامريكي لم يكن مفاجئة لان ترامب امضى اربعة اعوام وهو يهدد بضرب اسرائيل الشرقية لكنه لم يفعل لان اسمها اسرائيل ايضا مثل توأمها الغربي وكلاهما يشكلان المطرقة والسندان لتدمير الاقطار العربية وتقسيمها والغاء هويتها الوطنية، وهذه وظيفتها الاساسية كما رأيناها في واقع المنطقة، فهل يمكن لاي عقل ناضج تصور امكانية تدمير اهم ادوات الغرب والصهيونية في تدمير الاقطار العربية ؟
اما عن سحب القوات الامريكية فقبله اوباما قرر سحب القوات وتم ذلك وكانت النتيجة كارثية على العراق وشعبه لان هدفه المباشر كان تمكين نظام الملالي من اكمال ما بدأته امريكا وهو تدمير العراق دولة ومجتمعا وانسانا ،فهل تكرار تأكيد قرار السحب له صلة بما اكدته انتفاضة تشرين من حقائق ابرزها ان المخطط الصهيو-امريكي- ايراني قد سقط نهائيا بعد ان اصطدم بجدار اللحمة الوطنية وعجز عن اختراقه فكان لابد من تغيير اساليب التدمير المنظم في خطة افشال الدولة ؟
اولا وقبل كل شيء يجب لفت الانظار الى ان السبب الذي قدمه وزير الدفاع وكالة وهو الملل من الحروب تسويق ساذج فهو يعلم كعسكري مخضرم بان القرارات العظمى كالانسحاب العسكري ليس قرار الرئيس، وانما هو بالاساس قرار المؤسسة المسيطرة وعندما تتخذ قرارا بشن الحرب او احتلال بلد معين فانها تعرف ان الهدف يجب ان ينفذ بمراحل متعاقبة ومتكاملة، وان فشلت واحدة تستبدل باخرى حتى الوصول للهدف، والانسحاب بسبب الملل ليس صحيحا فقرار الانسحاب، ونكرر هنا ما سبق تأكيده، بدأه الرئيس اوباما عندما سحب قواته من العراق في نهاية عام 2011 وكان احد اهم الاسباب الحقيقية هو ترك التفاعلات في العراق تأخذ مجراها (الكيماوي) بعد اجتثاث مؤسسات الدولة خصوصا القوى الامنية، ففي دولة غابت قواها الامنية والعسكرية واداوت الضبط فيها تنتشر العصابات وتملأ الفراغ فتبدأ عملية تحلل كافة عناصر الدولة وهو المطلوب للوصول الى تحلل المجتمع ثم الفرد، وتحلل الفرد يعني تحديدا وقوعه في مستنقع التخلي عن قيمه العليا وضوابطة التقليدية وهو ما يسمح بتفتيت المجتمع تمهيدا لتقسيم الدولة.
وقرار انسحاب عام 2011 يدخل في هذا الاطار وما اعقبه يؤكد ذلك فقد ادخل العراق نفقا رهيبا بظلامه ووحشيته وما نراه الان هو بسبب ذلك الانسحاب فلو لم تنسحب القوات الامريكية لبقي الصراع محكوما ببعض الضوابط ومنها ان امريكا لاسباب تتعلق بدستورها وقوانينها غير قادرة على ممارسة ما عملته اسرائيل الشرقية ونغولها في العراق وسوريا واليمن ولبنان من جرائم بشعة ومنها القتل الجماعي وعمليات التعذيب السادية لالاف الناس ونهب الدولة وايصال تجويع الناس حدا لايطاق مما دفع لهجرة الملايين وهي حركات سكانية تقترن بظهور انواع كثيرة من التغييرات النفسية والاخلاقية …الخ، وتلك هي ادوات تفكيك الدولة والمجتمع والتدمير المبرمج لقواعد قيامهما، لذلك وكّل اوباما اسرائيل الشرقية للقيام بهذ الدور .
والان وبعد الصدمة الخطيرة التي سببتها الانتفاضة العراقية، والتي اثبتت فشل المراهنة الامريكية والايرانية والصهيونية على وجود انقسامات طائفية عميقة تسمح بأستثمارها لتفكيك الدولة ثم المجتمع واخيرا الفرد، بتأكيدها حقيقة صلبة وهي ان اللحمة الوطنية في العراق كانت اصيلة ولم تتأثر بالصراعات بين كتل سياسية باسم الطائفة وكان تفجر الانتفاضة في جنوب ووسط العراق هو الدليل الحاسم على وحدة شعب العراق غير القابلة للتفكيك بعدما عانى الشعب من ويلات غير مسبوقة لو تعرضت لجزء بسيط منها فرنسا او بريطانيا مثلا لتفككتا في شهور، اما امريكا فسوف تتفكك باسابيع وربما ايام.
وهكذا لم تعد الحسابات السابقة لغزو العراق والقائمة على المراهنة على الطائفية في تفكيك الدولة والمجتمع والفرد صحيحة وكان يجب ان يعاد النظر فيها، واهم خطوة هي اشعال المزيد من الفتن ومن نوع اخر كي تتواصل عملية تفكيك الدولة والمجتمع، ومنها تغيير الوجوه والشعارات والاهداف الظاهرية، فكانت ورزاة الكاظمي هي بداية تلك الخطة التفكيكية الجديدة للمجتمع العراقي بشعاراتها التي سرقتها من الانتفاضة، وباللجوء لتكبيل العراق بقيود خطيرة من الديون الخارجية لايجاد مبررات قانونية لابقاء العراق تابعا او مقيدا وكان الاقتراض لدفع الرواتب خطوة مهمة في هذا الاتجاه .والعجز عن توفير الرواتب بذاته خطة متعمدة لتعميق افقار شعب العراق واذلاله بصورة غير مسبوقة وهي عملية لايمكن تبريرها باي شكل بعد 17 عاما من الغزو واستمرار النهب المنظم للمال العام رغم تواصل تدفق عشرات المليارات كل عام على ميزانية الدولة ،وذلك من اهم اساليب تفكيك الدولة والمجتمع فكلما زاد الفقر انحدرت اخلاق الناس وزاد عدد من يسقط في بؤر الفساد والافساد المنظم وهي عملية مطلوبة لاجل انهاء العراق بتدمير هويته الوطنية الجامعة.هنا نرى كيف ان تكرار الاعلان عن الانسحاب العسكري هو لعبة تقوم على بعث الامل بالخلاص لدى الشعب العراقي ولكنه امل كاذب لان ما يعقبه هو اليأس الاعمق وزيادة جعل العراقيين يأكلون بعضهم ،فالتجويع قاتل ولايرحم، والاذلال النفسي يفجر كل نزعات الانتقام المخفي.
10- الا يؤدي سحب القوات الامريكيه من العراق الى تعزيز الدور الايراني فيه؟ وكيف يتم ذلك؟ للجواب من الضروري التذكير بما يلي:
أ-الانسحاب الامريكي من العراق يؤدي تلقائيا الى تعزيز قبضة الاحتلال الايراني على العراق بصورة غير مسبوقة فما حصل طوال السنوات السابقة من الاحتلال الايراني سيبدو سهلا بمخاطره وعذاباته مقارنة بالحالة التي ستسود بعد الانسحاب ، وهذه بديهية متوقعة .
ب-سوف تستغله اسرائيل الشرقية لاثبات ان الانسحاب كان نتيجة الضغوط الايرانية على القوات الامريكية والتي مورست بواسطة ميليشياتها التي كانت تطلق صواريخ على السفارة الامريكية وقاعدة عين الاسد وهو ما سيجعل الميليشيات والجهات الموالية لاسرائيل الشرقية تعده (انتصارا كبيرا لايران) وبالتالي ستتعمق عدوانيتهم وجرائمهم و تتعزز تبعيتهم للفرس وتتسع محاولاتهم تغيير سكان العراق وغيره.
ج- في الداخل سوف تخف الصراعات التي اخترقت حتى (الحرس الثوري)،عماد النظام،وتتراجع امكانية حصول تغيير من داخل النظام او خارجه وكان ذلك ممكنا، وكذلك في الخارج فمن راهن على دعم امريكا له في سعيه لاسقاط النظام او حتى تغيير وجوهه سوف يتراجع لان امريكا اثبتت وبتكرار ان لديها الاستعداد للتراجع عما اتفقت عليه،وهذه النتيجة جزء من متطلبات منع انتهاء الدور الايراني الاقليمي التخريبي.
د-ان التصعيد الامريكي ضد طهران اثناء ادارة ترامب كان من بين اهدافه كما اشرنا سابقا توريط دول الخليج العربي خصوصا السعودية والامارات في مواقف جريئة ضد طهران ولهذا فان الانسحاب الامريكي وعدم ضرب اسرائيل الشرقية سيترك هذه الاقطار بمواجهة الاخيرة وهي اكثر حقدا واصرارا على الانتقام اضافة لتعزيز تمسكها بمطامعها الاقليمية،وبما ان هذه الاقطار بدون عراق قوي عاجزة عن حماية نفسها فان الكوارث الاتية ستكون بؤرها حواضر عربية اخرى.يتبع.
Almukhtar44@gmail/com