تحت عنوان: “اندماج المهاجرين.. الحديث أيضًا عن النجاحات”، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية في افتتاحيتها إنه أصبح من الشائع، في النقاش السياسي الفرنسي، التأكيد على أن “مصعد” إدماج المهاجرين لم يعد يعمل، على أي حال ليس كما كان الحال حين كان الوافدون الجدد بولنديين أو إيطاليين أو إسبان أو برتغاليين.
هذا الرابط المشترك موضع شك لأنه “يَنسى” مجموع الصراعات والرفض وأحيانًا المآسي التي رافقت موجات الهجرة في الماضي. خاصة وأن الخطاب حول “الفشل الرهيب للاندماج” لا يصمد أمام اختبار أو امتحان الحاضر، بالاستناد إلى إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية (Insee) بدلا من روح العصر والاستراتيجيات السياسية.
وأضافت “لوموند” القول في هذه الافتتاحية إنه بالتأكيد أن الصورة الاجتماعية التي رسمها الإحصائيون في ملف “المهاجرون وأحفاد المهاجرين في فرنسا“، الذي نُشر يوم الخميس الماضي، لم تكن وردية بالكامل.
فالأرقام قدرت عدد المهاجرين في فرنسا عام 2021 بنحو 7 ملايين أي 10.3% من السكان، ويعد متوسط حياتهم أقل بنسبة 22% من متوسط حياة بقية الشعب، ومعدل فقرهم النقدي أعلى بمرتين، وهم الأبعد عن سوق العمل، لا سيما إذا كانوا من أصل غير أوروبي، وفي كثير من الأحيان أقل تأهيلاً، وعاطلين عن العمل بشكل أكبر، ويعيشون في مساكن مزدحمة، وأحدث الوافدين من الأفارقة هم الأكثر معاناة.. كل ذلك بحسب هذه الدراسة الديمغرافية الجديدة للمعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية (Insee) والتي ترصد لأول مرة منذ عقد من الزمن تطور الهجرة على مدى عدة أجيال.
لكن الصورة تتغير عندما ننظر إلى أحفاد المهاجرين، توضح “لوموند” استناداً دائماً إلى إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية (Insee) الجديدة، أن المهاجرين مع بقائهم في المتوسط أكثر حرمانًا اجتماعيًا من بقية الشعب، وإذا كانت مجموعات معينة- المنحدرة من المغرب العربي على وجه الخصوص- تعاني من ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض الأجور والتمييز في سوق العمل، فإن المفاجأة تأتي من حقيقة أنه، بشكل عام، المستوى التعليمي لهؤلاء الأطفال من المهاجرين وتوزيعهم حسب الفئة الاجتماعية والمهنية قريب جدا من المتوسط الوطني.
فثلث بنات وأبناء العمال المهاجرين يصبحون كوادر أو يمارسون مهن متوسطة. هذا الصعود الاجتماعي الواضح، نتيجة للارتفاع الحاد في مستوى التعليم، يقترن باختلاط سريع إلى حد ما. وأكثر من واحد من كل اثنين من أحفاد المهاجرين لديه والد غير مهاجر. ويزداد الاختلاط عبر الأجيال.. وبعيدًا عن التهديدات المزعومة بالغزو، فإن الهجرة، على حد تعبير الديموغرافي فرانسوا هيران، “ليست تدخلاً واسع النطاق، بل هي ضخ دائم”.
على النقيض من ذلك، تقول “لوموند”، فإن كل هذه البيانات أولاً تشجع على إعادة إطلاق سياسة اندماج قوية- الإسكان والتعليم ومكافحة التمييز- والتي أصبحت اليوم وراء المناقشات حول تدفقات الهجرة، والتي تعد ضرورية أيضًا.
يثير مجموع البيانات التي قدمتها INSEE – بالمناسبة دون الحاجة إلى “إحصائيات عرقية” – أسئلة حول أهمية الخطابات الكاريكاتورية حول الاندماج، والتي تعمل على تبرير كراهية الأجانب، وصعوبة الدولة في تقييم إنجازاتها. فكوارث الاندماج التي أظهرتها بشكل مأساوي هجمات الإسلاميين لا ينبغي أن تحجب الاتجاهات العامة المشجعة. في هذا الموضوع، السذاجة تشكل خطرا، وتشويه الذات أيضا، تختتم “لوموند”.