كتب صابر السكري
معالي الفريق الركن الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة
وزير الداخلية فى مملكة البحرين – رئيس الدورة الثالثة والثلاثين
لمجلس وزراء الداخلية العرب
صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف عبد عبد العزيز آل سعود
ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء
وزر الداخلية بالمملكة العربية السعودية
الرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب
أصحاب المعالي والسمو وزراء الداخلية،
معالي الدكتور محمد بن علي كومان
الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب
السيدات والسادة،
إنه لمن دواعي سروري أن أشارككم اليوم أشغال دورة جديدة من دورات مجلسكم الموقر، هذا الصرح العربي الكبير الذى ما فتئ يساهم فى توطيد عرى التعاون العربي على الصعيد الأمني ويضطلع بدور أساسي إلى جانب المجالس الوزارية الأخرى.
كما يُسعدني أن أتوجه باسمي وباسم جامعة الدول العربية بخالص التحية والتقدير إلى تونس العزيزة على استضافتها الكريمة لأعمال الدورة الرابعة والثلاثين لمجلس وزراء الداخلية العرب تحت الرعاية السامية لسيادة الرئيس محمد الباجي قائد السبسي.
كذلك أخص بالشكر والتقدير معالي الفريق الركن الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة وزير الداخلية بمملكة البحرين رئيس الدورة الثالثة والثلاثين لمجلس وزراء الداخلية العرب على الجهود القيمة التى بذلها طيلة فترة رئاسته، وأتقدم بأحر التهاني إلى معالى الوزير الهادي المجدوب وزير الداخلية بالجمهورية التونسية على توليه رئاسة الدورة الرابعة والثلاثين للمجلس، راجياً له التوفيق والسداد.
أصحاب السمو والمعالي والسعادة،
إن الظروفَ الأمنية المحيطة بالمنطقة، والمخاطر المُحدقة بها تضع أعباءً هائلة على كاهل أجهزة الأمن وإنفاذ القانون في الدول العربية.. ولا شك أن أحداث السنوات الست الماضية قد ضاعفت من التهديدات، بل وحملت لمجتمعاتنا أنواعاً جديدة من المخاطر.. فالجماعاتُ الإرهابية تمكّنت من استغلال حالة السيولة السياسية التي مرَّ بها الإقليم لتوجه ضرباتٍ عنيفة، وغير مسبوقة في مداها وشدتها.. فوجدنا الحدود تُقتَحم، والمُدن تسقط فريسة للعصابات الإجرامية، والأراضي يجري السيطرة عليها وتُنزع عنها أعلام الدول لترتفع مكانها رايات الخراب السوداء، في سابقة لم تشهد منطقتنا لها مثيلاً في تاريخها الحديث..
ليس ذلك فحسب، بل إن ظواهر الإرهاب والعنف تداخلت مع الجريمة المنظمة، والإتجار بالبشر، والتجارة غير المشروعة في الآثار، وغيرها من أشكال الخروج على القانون.. وبحيث تكونت شبكاتٌ خطيرة ومعُقدة تمزج بين عالمي الإرهاب والإجرام.. والأخطر أن هذه الشبكات صارت توظف أحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا الاتصال والمعلومات في تجنيد الأنصار، حتى اتسعت ساحة المواجهة لتشمل العالم من أقصاه إلى أقصاه.. وكان من شأن هذا كله أن يضعَ المؤسسات والأجهزة الأمنية في العالم العربي أمام تحديات غير مسبوقة في شدتها أو مداها .. ومن هنا تنبع أهمية الدورة الحالية لمجلسكم الموقر، سواء في توقيت عقدها، أو من حيث الموضوعات المُدرجة على جدول الأعمال، والتي تتناول باستفاضة وعمق كافة التحديات الأمنية التي تواجه بُلداننا..
إن تحقيق الأمن هو الغاية الأولى للحكومات جميعاً.. فمن دون الأمن لا تنمية ولا عمران.. ومن دون الأمن يستحيل أن تقوم حياةٌ ديمقراطية سليمة أو أن ينعم المواطن بحقوقه الإنسانية الأساسية، وعلى رأسها حقه في الحياة.. وحقه في أن يعيشَ آمناً على نفسه وأهله من الخوف.. وأخيراً، فإن توفر الأمن يُعد العامل الحاسم في جذب الاستثمارات الأجنبية التي تشتد حاجة بلادنا لها..
والحقيقةُ أن هذا كله يضع على كاهل رجال الأمن مسئولياتٍ جساماً، وأعباءً تفوق الطاقة.. فهم مطالبون بأن يحققوا الأمن للمواطن والمجتمع.. من دون أن يشعر المواطن بأنه مُقيدٌ في حريته أو مُحاصرٌ في معيشتِه .. وبغيرِ أن تتأثر حركة المجتمع الطبيعية فينعكس ذلك سلباً على الانتعاش الاقتصادي، أو يسحب من رصيد الحيوية المجتمعية…
إن النظرة الشاملة للأمن تقتضي تعاوناً وتنسيقاً وثيقاً ومتواصلاً بين أجهزة الضبط وإنفاذ القانون من ناحية، وبين العديد من المؤسسات والكيانات الرسمية وغير الرسمية من ناحية أخرى.. ومن هنا، فإنني أُثمِّن التعاون القائم بين مجلسكم الموقر والمجالس الوزارية العربية، وبخاصة مجلس وزراء العدل العرب.. خاصة في المجالات المتعلقة بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وإعداد قوانين نموذجية لمواجهة جرائم الاتجار بالأشخاص ومكافحة الفساد وما أثمره هذا التعاون من عقد الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي دخلت حيز النفاذ سنة 1999، والتي تعتبر سبقاً إقليمياً ومثالاً يحتذى به.
لقد شهدنا جميعاً كيف احتلت مكافحة الإرهاب مكاناً مُتقدماً في جميع البيانات الرسمية التي أدلى بها القادة العرب في قمة عمّان منذ أيام، فضلاً عن الإشارة الواضحة للإرهاب باعتباره واحداً من أخطر التهديدات التي تواجه العالم العربي في البيان الختامي عن القمة.. والحقيقة أن صلابة الإجماع العربي حول خطورة الإرهاب لا يفوقها سوى قوة الاقتناع بخطورة الفكر الذي يولده، وضرورة اقتلاع هذا الفكر من تربتنا، واجتثاثه من مُجتمعاتنا .. إن المسافة بين الفكر المتطرف والعُنف أقصر مما نظن.. ولا مجال لمُجابهة الإرهاب بينما جرثومته كامنة في ثنايا العقل، نائمة في خلايا المجتمع … لذلك فإن التحدي الحقيقي أمامنا ليس قاصراً على مُلاحقة المُخططات الشيطانية للإرهابيين واستباقها، وإنما القضاء على النهج الذي يؤدي إلى تفريخ المزيد منهم..
السادة الوزراء..
إن القضاء على الإرهاب والتطرف هو معركة عصرنا وتحدي زماننا.. وهي معركة طويلة مُضنية .. وتحدٍ نحن له أهلٌ بإذن الله.. الصراع مع العقل الإرهابي هو عملية بالغة التعقيد تتطلب تضافراً لكافة الجهود في المجتمع ومؤسسات الدولة .. الجهد الأمني يقع في القلب من هذه العملية.. ولكنه –كما تعلمون- ليس فقط جهداً بوليسياً أو عملاً استخباراتياً.. وإنما هو أيضاً سباق في الخيال.. من المهم أن يكون الخيال الأمني سابقاً قدر الإمكان للخيال الإجرامي والإرهابي.. لا يكفي توجيه الضربات لجماعات الإرهاب وعقوله المدبرة، وإنما مطلوبٌ أيضاً ردع هذه الجماعات بصورة تُقلص الدافع لدى أجيال الشباب للانضمام إليها… لابد أن يُدرك العقلُ الإرهابي أن إجرامه يذهب عبثاً، وأن شروره لا تؤثر في مسيرة المجتمعات.. ولا شك في أن المجتمعات ذاتها هي خط الدفاع الأول في هذه المعركة.. فلا فُرصة أمام جماعات الإرهاب والخراب إن لفظتها المُجتمعات، ولا سبيل أمامها إن انفض الناس عنها وتبرؤوا منها… وقد قالت مجتمعاتنا كلمتها بعد أن جربت وشاهدت ما ينطوي عليه هذا الفكر الضال والمُضل من نوازع الشر والتدمير، بل والعبث والجنون…
إن استقرار الأوضاع الأمنية في البلدان العربية لا يتحقق فقط بمُجابهة الإرهاب والفكر المتطرف.. فالإرهاب هو نوع خاص وخطير من الإجرام.. وهو يتغذى – كما تعرفون جميعاً- على الجريمة بكل فروعها .. ومن الأهمية أن تتواصل الجهود في مجال مُكافحة انتشار الجريمة، خاصة المنظمة منها والعابرة للحدود.. وهو ما يتطلب تنسيقاً وتعاوناً غير مسبوق بين الدول العربية بالنظر إلى تعقد أوجه النشاط الإجرامي في عالم اليوم، اعتماداً على تكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة التي أصبحت –للأسف- تُوظَفُ لخدمةِ الإجرام بصورةٍ لم نعهدها من قبل … ويهمني أن أُشير فى هذا الخصوص إلى أهمية البند المتعلق بالتحديات الأمنية فى المنطقة العربية والسبل الكفيلة بمعالجتها… كما أؤكد على أن السبيلَ الأنجع لمواجهةِ النشاطِ الإرهابي والإجرامي بكافةِ صورِه وأشكالِه هو مُضاعفةُ التنسيقِ العربيِّ-العربي .. خاصةَ في مجال تبادل المعلومات والخبرات الأمنية واستخلاص الدروس وتعميمها على كافة الأجهزة الأمنية تحقيقاً للنفع العام، وتلافياً لتكرار الأخطاء …
السادة الوزراء..
لقد شاركتُ مؤخراً في القمة العربية التي عُقدت بالبحر الميت.. والتي صدر عنها قرارٌ بشأن اجتماع الوزراء المعنيين بالشئون الاجتماعية في شرم الشيخ، مُتضمناً تشكيل لجنة تضم في عضويتها المجالس الوزارية العربية والمنظمات العربية المُتخصصة ذات الصلة.. بغرض إعداد دراسات لمُكافحة ظاهرة الإرهاب والتصدي لها.. وفي القريب العاجل، أنوي تنشيط عمل هذه اللجنة عبر اجتماعاتٍ تُشارك فيها وزارات الداخلية والعدل والإعلام، والشباب والشئون الاجتماعية.
ولا يفوتني أيضاً أن أُذكر مجلسكم الموقر بما أقرته القمة العربية الثامنة والعشرين في عمان بشأن تكليف مجلس وزراء الداخلية العربية بالاستعجال في البت في موضوع اتفاقية التأشيرة العربية الموحدة لأصحاب الأعمال والمُستثمرين العرب بين الدول العربية .. وهو موضوع، كما تعملون، ينطوي على تأثير كبير على حركة التجارة البينية بين الدول العربية، وبالتالي على رخائها وانتعاشها الاقتصادي.. وأتمنى أن يحظى بنظرِكم استجابةً لتوجيهات القادة العرب.
وفى ختام كلمتي لا يسعني إلا أن أعبر عن التقدير والشكر لمجلسكم الموقر على ما يبذله من جهد في الاضطلاع بمهامه وأنشطته من أجل رفعة العمل العربي المشترك فى المجال الأمني، وتحقيقاً للغاية المنشودة من وراء هذا الجهد ألا وهي تعزيز أمن المواطن العربي وسلامته وكرامته الإنسانية.
وفقكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،