بعد عقود من سيطرة البيض على مواقع القيادة ومؤسسات الأعمال الكبرى ومعاناة النساء الأفريقيات من التهميش والإنكار لدورهن في عالم السياسة والأعمال لا سيما الغربي منها ، أقدمت شركة “ناسبيرز” التي تعد أكبر شركات أفريقيا جنوب الصحراء من حيث القيمة السوقية على خطوة تاريخية مزدوجة باختيارها “امرأة سوداء” رئيسًا جديدًا لمجلس إدارة مجموعتها في جنوب أفريقيا ولتصبح بذلك فوثي ماهانيلي-دابينجوا أول امرأة وأول شخصية سوداء تتولى هذا المنصب الرفيع في شركة هيمن عليها سلسلة طويلة من المدراء الرجال من أصحاب البشرة البيضاء طوال عمر الشركة البالغ 104 أعوام منذ حقبة الفصل العنصري (الأبارتيد) في جنوب أفريقيا.
وبتوليها هذا المنصب ، كسرت فوثي ماهانيلي- دابنجوا، البالغة من العمر 48 عامًا – ذلك الطوق الحديدي الذي فُرض على منصب رئيس مجلس إدارة شركة “ناسبيرز- جنوب أفريقيا” لتشرع في إدارة الأعمال والأنشطة اليومية ولتقود توجهات الشركة الرامية إلى تحقيق رهانات ناجحة من وراء زيادة الاستثمارات التكنولوجية في أفريقيا.
يأتي تعيين امرأة سوداء لإدارة شركة أعمال مهمة بمنزلة اعتذار قادم من الماضي البعيد لشركة “ناسبيرز” التي طالما دعمت ممارسات الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ، في عام 2015 أطلقت شركة “ناسبيرز”- التي يصل عمرها الآن 104 أعوام- اعتذارًا عن دورها الجوهري من خلال الصحف والوسائل الإعلامية التابعة لها في دعم حكومة الفصل العنصري وممارساتها التمييزية ضد السكان السود في جنوب أفريقيا.
تتمتع شركة “ناسبيرز” بخبرة استثمارية واسعة شهدت بذلك تجربتها الذاتية والأسواق والخبراء حين اشترت في عام 2011 حصة قيمتها 32 مليون دولار في أسهم عملاق الإنترنت الصيني “تينسينت”، وهي الحصة التي قفزت قيمتها في الوقت الراهن لتصبح أكبر من 100 مليار دولار.
ومن المهام الكبرى والجوهرية التي تنتظر المديرة السوداء ، إدارة العملية الانتقالية في وقت تتهيأ “ناسبيرز” لإدراج أصولها الدولية في البورصة الأوروبية للأوراق المالية “يورونيكست”التي يقع مقرها في أمستردام ، حيث تتوقع مجموعة “ناسبيرز” الأم أن تصبح “بروسوس” وهو اسم ذراعها الجديد لدى إدراجها المزمع في سبتمبر المقبل، أكبر مجموعة لخدمات الإنترنت مدرجة في أوروبا من حيث قيمة الأصول.
ويحمل إدراج أسهم “بروسوس” في أوروبا آمالًا عريضة بالوصول إلى خزان كبير من رؤوس الأموال في أوروبا بما يعد بإمكانية تضييق الفارق بين القيمة السوقية لشركة “ناسبيرز” وحصتها في شركة “تينسينت” الصينية العملاقة للإنترتت.
ويرى مراقبون أن إدراج “ناسبيرز” لأصولها الدولية خارج جنوب أفريقيا ومن ثم تقليص هيمنتها على بورصة جوهانسبرج للأوراق المالية، ربما سيقلص من بعض الرصيد السياسي الذي تتمتع به الشركة في البلاد غير أن المديرة السمراء الجديدة، فوثي ماهانيلي- دابنجوا، لديها “مستثمر مهم وخبرة واسعة”، إذ إنها ستجلب معها إلى المنصب مزايا علاقات عمل طويلة ربطتها مع الرئيس الجنوب الأفريقي سيريل رامافوزا حين تولت منصب المديرة التنفيذية لـ”مجموعة شاندوكا” الشركة الاستثمارية التي أسسها بنفسه الرئيس رامافوزا، كما تمتعت بمناصب كبرى في مؤسسة سيريل رامافوزا وشركة تشغيل الهاتف المحمول “فوداكوم جروب”.
وتعهدت “ناسبيرز”، التي دخلت في استثمار برأسمال مشترك في الهند خلال السنوات الأخيرة، بضخ استثمارات تزيد على مليار دولار خلال العام الجاري ، ورغم تلك الخبرة الكبيرة التي راكمتها الشركة فإنها تكافح وتجد صعوبة ملحوظة في اتخاذ رهانات صائبة وقرارات سليمة بشأن الاستثمار في الشركات التكنولوجية داخل القارة الأفريقية.
وبمجرد تعيينها في مطلع يوليو الجاري، شرعت فوثي ماهانيلي دابنجوا في قيادة مسيرة “ناسبيرز” في مشروع تكنولوجي للشركات الناشئة بقيمة 314 مليون دولار، والذي فازت به الشركة في أكتوبر الماضي. كما ستشرف السيدة الأفريقية دابنجوا على “معامل ناسبيرز”، وهي مبادرة مساعدة شباب العاطلين في جنوب أفريقيا على اكتساب المهارات وتعيين الأثر الاجتماعي لذلك.