بقلم: صلاح المختار
8-ان الدعم الغربي للتدخل التركي لدعم اذربيجان كان جزء اساسيا من خطة امريكية واضحة وهي ان السماح لخارطة كيان قومي تركي تمتد الى القوقاز وتصل لشرق الصين حيث مقاطة الاوغور المسلمة فيها وهي مقاطعة تثار حولها المعلومات الكثيرة واصول سكانها تركية يجعل التوسع القومي التركي فيه مصلحة امريكية واضحة مادام الصراع الرئيس في العالم اليوم هو بين امريكا والصين ،ومن مظاهر المصلحة الستراتيجية الامريكية في قيام كيان قومي تركي اقليمي توفر امكانية اكبر للضغط بواسطته على الصين لان تواصل اتهام الصين بأضطهاد الايغور سيجبر الكيان التركي الاقليمي المجاور للصين على زيادة دعمه للايغور وهو من بين اهم اهداف امريكا. اضافة لذلك فان وجود تحالف دول من اصول تركية سوف يشكل حزاما اخرا للضغط على روسيا وهي مصلحة ستراتيجية امريكية،اذا:دعم امريكا لانتصار اذربيجان هو في واقعه مصلحة مشتركة تركية وامريكية لانه عامل ضغط اضافي على الصين وروسيا معا.
9- القوميه الفارسيه واهدافها الاستعمارية هي التي حددت موقف نظام الملالي من ازمة ناغورني كاراباخ فمن المعروف ان عدد نفوس دولة اذربيجان حوالي عشرة ملايين اذري بينما عدد نفوس اذربيجان التي ضمت الى ايران قسرا بعد تقسيم اذربيجان يبلغ اكثر من عشرين مليون نسمة وهذا الواقع السكاني هو القنبلة الاخطر على الكيان الايراني ومستقبله لان الاذريين عددهم مقارب لنفوس الفرس، كما انه اكثر من عدد نفوس الاذريين في جمهوية اذربيجان، وبما ان الاصول القومية تبقى اقوى من التقسيمات المصطنعة والمفروضة بقرارات دولية جائرة فان ما يرعب القوميين الفرس هو وجود كتلة سكانية اذرية تحت سلطتهم على صلة قومية حية وقوية بدولة اذرية اصبحت مرتبطة بتركيا وليس بها ،وهذا يساعد على اشتعال نيران الاستقلال داخل الاذريين في اسرائيل الشرقية وتتصاعد دعوتهم للاندماج مع اخوانهم الاذريين في جمهورية اذربيجان ، وعندها سوف تقسم ايران حتما نتيجة فقدان اكثر من عشرين مليون منها، بل ان تداعيات ذلك اخطر بكثير لان اندماج اذربيجان الايرانية حاليا بجمهورية اذربيجان سوف يعزز النزعات الاستقلالية لبقية القوميات الواقعة تحت طغيان الاستعمار الايراني مثل العرب والبلوش والاكراد وهكذا تسجل نهاية دولة مصطنعة سميت ايران وكانت تسمى بلاد فارس حتى عشرينات القرن الماضي!
ان الملاحظة السابقة تشكل السبب الاهم في دعم اسرائيل الشرقية لارمينيا ضد اذربيجان وهو حماية المصلحة القومية الفارسية اولا وثانيا وعاشرا وليس دعم الشيعة، فقد ضحى نظام الملالي بشيعة جمهورية اذربيجان البالغ عددهم اكثر من عشرة ملايين شيعي وعرضهم للانقلاب على المذهب بعد ان اثبت ان من يروج له ويدعي حمايته لايهتم الا بمصالحه القومية وان التشيع وحماية الشيعة في العالم ليس الا غطاء للتوسع الاستعماري للقومية الفارسية كما تبثت التجربة العملية في العراق واذربيجان وغيرهما، ولو كان الاسلام والتشيع هما الالتزام الفعلي للنظام لوقف الى جانب المسلم الشيعي ضد الارمني ولوقف الى جانب الشيعة العراقيين ضد افقارهم المبرمج واذلالهم وقتلهم بالجملة
10-يبقى سؤال مهم اخر وهو :هل للتنافس القومي بين الاتراك والفرس للسيطرة على المجال الحيوي لهما دور في دعم اسرائيل الشرقية ارمينيا بينما دعمت تركيا السنية اذربيجان الشيعية؟ مما لاشك فيه ان التنافس الاقليمي التركي الفارسي قديم وجوهري والحروب بين الترك السلاجقة والفرس بكافة سلالاتهم واسماءهم انما كان صراعا من اجل السيطرة على المحيط الاقليمي لهما والاستحواذ على موارده، وكانت كل مرحلة تشهد تبريرات متغيرة لدعم راي الطرفين، فرغم الدين المشترك وهو الاسلام الا ان التاريخ شهد اصرار الطرفين الفارسي والتركي على التوسع على حساب الطرف الاخر . ورغم ما نراه الان من توافق ستراتيجي ايراني تركي ووقوف تركيا الى جانب اسرائيل الشرقية في اخطر مرحلة في تاريخ المنطقة الا انه اتفاق مرحلي بين نظامين يواجهان مشاكل معقدة رغم انهما ينفذان مخططاتهما الامبراطورية الهادفة الى السيطرة المنفردة على المجال الحيوي لهما. والحقيقة السابقة تفسر احد اهم اسباب دعم اسرائيل الشرقية لارمينيا لان تعزز قوة تركيا في النهاية سوف يمكنها من الاستحواذ على حصة الاسد من المجال الحيوي، فالتحالف الستراتيجي الحالي بينهما مرحلي وما ان تحين لحظة تحديد من يسيطر فعلا على الاقليم سوف تتجدد (حروب الصفويين والعثمانيين) مجددا .
نستخلص مما سبق اهم الدروس من حرب ناغورني كاراباخ:
1-ان الحقوق القومية ومهما طال الزمن على سلبها لاتموت وتبقى حية تنتظر فرصة النهوض مجددا فتغير انتفاضتها كافة المعادلات المفروضة بالقوة ،وهذه الحقيقة ترعب نظام الملالي لان الفرس المسيطرين على البلد يتراوح عددهم بين 20 و25% من السكان والبقية قوميات مضطهدة تحت الاستعمار الفارسي ، كما انه يرعب الكيان الصهيوني لان الحق الفلسطيني هو حق قومي عربي في المقام الاول وهو لن يموت حتى لو قمع كما يجري الان، وسيأتي الوقت الذي نرى فيه المستعمرين الصهاينة يهربون من مستعمراتهم عائدين الى بلدانهم الاصلية كما رأينا الارمن يهربون من ناغورني كاراباخ ويحرقون بيوتهم كي لايتركوا شيئا للاذريين ! القاعدة الثابت والتي لاتتغير هي ان صراعات الحقوق القومية لاتنتهي حتى وان اخمدت مؤقتا.
2- الاهداف القومية ذات الطبيعة التوسعية على حساب قوميات اخرى، كالقومية الفارسية التي بنت قوتها ونجاحاتها على غزو اراضي القوميات الاخرى وابرزها القومية العربية خصوصا في العراق ، تفولذ مشاعر الرفض لها لدى ابناء القوميات المعرضة للغزو وتوحد صفوفها للمقاومة التامة كما كان الحال في زمن الشاه الذي اراد التوسع الجغرافي على حساب العرب تحت غطاء قومي فارسي صريح ،وهو ما عزز الحصانة العربية ضده فافشلت المشروع القومي الفارسي في تلك المرحلة .من هنا فان القوميون الفرس وبدعم من الغرب والصهيونية غيروا الغطاء التوسعي :فبدلا من علنية الاهداف القومية الفارسية فان الدين والطائفة يمكنهما تحقيق نتائج مهمة في الساحات نظرا للتداخل الديني والطائفي بين العرب والفرس، وهو ما حصل عندما تبنى الغرب والصهيونية الخمينية بصفتها البديل الناجح لنظام الشاه لاختراق العرب وتدمير اقطارهم اعتمادا على كتل سكانية عربية لكنها موالية للفرس تحت غطاء المرجعيات الطائفية. في قضبة ناغورني كاراباخ وانتفاضة تشرين العراقية ثبت ان نظام الملالي من خميني الى خامنئي هو قومي في جوهره وان الطائفة والدين هما غطاء لاخفاء الاهداف الاستعمارية الايرانية بدليل موقف نظام الملالي من كلا الحدثين كما اوضحنا. لقد سقط الغطاء الطائفي عن وجه اسرائيل الشرقية ونظام الملالي وظهر الوجه الحقيقي له وهو وجه القومية الفارسية الطامعة في غزو الاقطار العربية وتفريسها وانهاء عروبتها .
3- ربما يستخدم البعض لرفض ماورد في دراستنا بالقول (ان علي خامنئي اصله اذربيجاني وهو المرجع الاعلى لنا،) وهذا المنطق فاسد تماما لان المهم ليس الاصل القومي وانما الممارسة الفعلية للشخص فكثيرا مانرى كتلا او افرادا من قوميات معينة يهاجرون ويكتسبون جنسيات اخرى يغالون في تعبيرهم عن هويتهم المكتسبة فبعض العرب الذين اكتسبوا الجنسية الامريكية مثلا يغالون في امركتهم ولكي يثبت انه امريكي فانه يتبنى مواقف معادية للعرب اكثر من الامريكي من اصل اوربي، فالجنسية الجديدة تبقى مهزوزة في سايكلوجيا المجنس، فلا يجد وسيلة لاثبات صلابة هويته الجديدة الا التطرف، وعلي خامنئي مثل علي شمخاني الاول من اصل اذري والثاني من اصل عربي احوازي لكن الاول اكثر عداء للاذريين من الفرس الاصليين انفسهم، بينما الثاني متطرف في عدائه للعرب خصوصا اهله في الاحواز المحتلة .
وهنا نرى ان احد اهم اسباب اختيار علي خامنئي بديلا عن خميني رغم الاعتراف العام واعترافه هو شخصيا بانه لاتتوفر فيه شروط الامامة هو اصله الاذري والذي يجعله خاضعا للابتزاز القومي الفارسي لانه ليس فارسي بالاصل وانما هو فارسي بالاكتساب فالسيطرة عليه من قبل مجمع رجال الدين تتم بسهولة اكبر من السيطرة على امام فارسي عنيد يلغي ادوار بقية رجال الدين ، وهو الدرس الذي تعلمه هؤلاء من تجارب تولي خميني الامامة وكان مثل خامنئي فلم تكن تتوفر فيه شروط الامامة ولكنه منح لقب اية الله لانقاذه من حكم الاعدام في زمن الشاه ، وتبين انه عنيد جدا عندما تولى السلطة وحرم رجال الدين من ادوارهم وكانت اصوله الهندية احد اهم اسباب عناده.
خلاصة الخلاصات: القومية وجود ثابت ودائم ولا يزول مهما ظهر انه ضعف او حيّد فتلك مرحلة وهن مؤقتة،ولكن الجسد القومي يستعيد عافيته عند اول اطلاقة نهوض فتتغير المعادلات كلها وناغورني كاراباخ مثال مهم يؤكد لنا بان فلسطين والاحواز وغيرهما من اراضينا المحتلة ستعود لاهلها حتما.
[email protected]