بقلم: الشيخ أحمد تركى
كنت أمشى بسيارتى المتواضعة فى بعض طرق القاهرة العامرة ومعى صديقى نتجاذب أطراف الحوار ، فإذا ينبهر جداً بموديل سيارة فارهة تمر بجانبنا ،،،
ولم التفت الى انبهاره بالسيارة المجاورة فهذا طبيعى ،، تسعى النفس البشرية دائماً إلى حب التملك والرفاهية وهذا لا يتعارض مع الإسلام فى شيء بنص الآية الكريمة
” ولا تنس نصيبك من الدنيا ”
إنما استفزازي من صديقى حول أسفه على حاله بسبب شعوره الواهم بان كل الناس افضل منه وهو أقلهم حظاً وسعادة ،،
هم يتمرغون فى النعم بينما هو يكابد الفقر والعوز !!
فكان هذا الحوار ،،
صديقى : هما دول الناس اللى عايشين ،،،
أنا : وانت مش عايش ؟!
صديقى : لا طبعا ً ،، أنا لا أسكن فى فيلا ،، ولا أمتلك أرصدة فى البنوك ، ولا أستطيع التنزه فى أوروبا وأماكن الرفاهية فى العالم ، الخ الخ
أنا : ومن قال لك أن من يمتلك ذلك فقط هو من يعش سعيداً ؟
الفقر يا صديقى أنواع ،،،،
فقر الحب والسعادة وهذا لا يرتبط بالمال ،،
فقد يكون الإنسان ثرياً ويملك مال قارون ولكنه صعلوك فى الحب والسعادة وراحة البال ،،،
وقد يملك قوت يومه ويعيش فى كهف ولكن دافيء المشاعر ويتمتع بما يريد الأثرياء شراءه ويعجزون !!
إن صاحب المال يا صديقى يستطيع شراء السرير من ذهب ولكنه لا يستطع شراء النوم العميق ،،،
يستطيع تملك كل الرفاهيات ولكنه لا يعجز عن شراء راحة البال وحب الله وحب الناس ودفيء عزوة العائلة والأصدقاء والإنسانية ،،
أما تعلم يا صديقى أن قارون خرج على قومه فى زينته فخراً وتكبراً على الناس فقال بعض قومه مقالاً هو فى مضمونه مثل ما ذكرت !! وهم لا يعلمون أنهم فى الأصل أكثر حظاً من قارون ،،
قال تعالى : ” إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴿76﴾ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴿77﴾ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴿78﴾ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴿79﴾ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا مَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴿80﴾ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ﴿81﴾ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴿82﴾ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴿83﴾. سورة القصص.
أما تعلم يا صديقى أن سيدنا عمر بن الخطاب دخل على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده نائماً على حصير وقد أثّر الحصير فى جسده الشريف فبكى عمر شفقة على النبى وقال : يا رسول الله ، كسرى وقيصر يتنعمون فى الحرير والحلل وانت تنام على حصير ؟
فابتسم النبى صلى الله عليه وسلم ابتسامة من يعرف الحقيقة ،،، وقال : يا عمر لهم الدنيا ولنا الآخرة
إن فقر المال هو أهون أنواع الفقر يا صديقى
وأشد أنواع الفقر هو فقر الحب الذى يعيش صاحبه فى الحياة بأزمات نفسية بينه وبين الله وبينه وبين الناس وحتى بينه وبين نفسه !!!
كاره للناس وهم يكرهونه ،،، لا يعرف معنى الحب ولا يعرف معنى الثقة ،،،
وأشد أنواع الفقر أيضاً ،،، فقر الإنسانية الذي يعيش فيه كثير من الناس وقد نزع الله من قلوبهم الرحمة والرأفة وحرمو متعة السعادة ومتعة العطاء ومتعة الحب !!
وقد عبّر النبى صلى الله عليه وسلم عن هذه المعانى كلها فى أحاديث شريفة :
قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: مَنْ أَصبح مِنكُمْ آمِنًا في سِرْبِهِ، مُعَافًى في جَسدِه، عِندهُ قُوتُ يَومِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحذافِيرِها رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» رواه البخارى
قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: انْظُرُوا إِلَى منْ أَسفَل منْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هَوَ فَوقَكُم فهُوَ أَجْدرُ أَن لاَ تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَليْكُمْ” متفقٌ عَلَيْهِ
صديقى : ياااااااه يا شيخ أحمد ،، الدين جميل جداااااا.
أنا : الدين جميل ، والدنيا جميلة ، لأن مصدرهما الله الجميل الذى يحب الجمال ،،،
والإنسان بإمكانه إسعاد نفسه فى الدنيا والآخرة ،، والله يريدنا كذلك ،،،
قال تعالى : وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) سورة القصص.
اجعل هذه الآية قانونك فى الحياة بينك وبين نفسك
إن التزمت بها رزقك الله السعادة وراحة البال فى الدنيا ورزقك الجنة فى الآخرة.
وان فرطت فى نصيبك من الدنيا عشت فقيراً حتى ولو تملكت مال قارون ،،،
وان فرطت فى الإحسان عشت ستطغى فى الأرض !
وعلى قدر ما كان هذا الحوار بمثابة نزع فتيل قنبلة نفسية داخل صديقى وظهرت على وجهه علامات الرضا والأريحية ،،، على قدر ما كنت أنا أحوج إليه من أى أحد آخر وكأن الله رزقنى بصديقى ومرور السيارة الفارهة بجانبى لأسمع صوت ضميرى
والله الموفق والمستعان.