أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / حكماء العرب

حكماء العرب

بقلم؛ ضرغام الدباغ

أحدى مزايا العرب هو إجادة فن الحديث والكلام .. ويندر أن تكون أمة في التاريخ كالعرب تحفظ عن ظهر قلب عشرات ألوف أبيات الشعر، والحكم والأقوال والأمثال المتوارثة، والكثير منها ينطوي على حكم بليغة، تستحق أن يفكر فيها المرء ويأمل ويتلمس أبعادها. لماذا ..؟
يحتل الديوان، بمثابة صالة لاستقبال الضيوف، وإذا كان رعي المضيف(الديوان) كبير في قومه، أو له أهمية خاصة، كالشجاعة والكرم، وإسعاف حاجة الطالب، أو وهنا هذه فقرة مهمة : إن عرف عنه الحكمة والذكاء، فيقصده الناس للأاستشارة وطلب النصيحة، ويقال أن النصيحة كانت تقابل بهدية وهي جمل، وهذا دليل على أهمية الشورى والاستشارة حتى قبل الإسلام الذي ألزم الشورى لطالب الشورى والمستشار على حد السواء، وجعلها ركناً من أركان الدين.
وفي الديوان، أو المضيف، هناك آداب في جلوس المضايف، من حيث المكانة والسن، والأهمية الاجتماعية والسياسية والعسكرية للجالس في المضيف. ومن تلك قدرة الجالس على إدارة الحديث على أي صعيد كان، شعراً أو نثراً، ويتفنون في الألفاظ لناحية جزالة اللفظ، وجمال الكلمة، والجناس والطباق، وبحور الأدب والشعر.
ولكن من المهم أيضا، أن يكون مقدم الشورى والاستشارة على درجة عالية من بعد النظر والعمق في الرؤية، ولا يكتفي بالظواهر السطحية، بل ينظر إلى العواقب البعيدة الغير مرئية، وعلى دقة تشخيصه، فيشتهر بين قومة بالحكمة .. وقد يقال ويوصف بالدهاء … وقال الأصمعي وهو من فلاسفة العرب: الدهاة أربعة: معاوية للروية، وعمرو بن العاص للبديهة، والمغيرة ابن شعبة للمعضلة، وزياد لكل كبيرة وصغيرة.
ــ قيل أن العرب أرادوا يوماً أن يعلموا من هو أدهى حكمائهم فسألوا إثنان من عباقرة العرب كل على إنفراد ما هو شرطك في أخيار المكان (المنزل)
أجاب الأول وكان عمرو بن العاص :
” لا أدخل منزلاً لا أرى فيه مخرجاً “.
فتعجب الناس من ذكاء الرجل .. وأمتدحوه …!
أما الثاني وكان معاوية بن أبي سفيان فأجاب (وهو لا يعلم بخبر وإجابة الرجل الأول) :
” لا أدخل منزلاً ارى أني سأخرج منه …….! “.
هل هذه عبقرية .. أم ذكاء .. أم حنكة سياسية …..؟ وأراد يوماً أحد الأذكياء معرفة رأي أعرابي عن رأيه في الخلاف بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وحاكم الشام معوية بن أبي سفيان ولمن يمنح تأييده . فأجاب الأعرابي سجعاً ” الصلاة وراء علي أتم، واللقمة مع معاوية أدسم، والجلوس على التل أسلم “.
ــ وذات يوم جاء المغيرة فوجد معاوية في حالة من الهم والغم فسأله مالذي يخشاه ..؟ فأجابه معاوية : يا مغيرة .. ” هذا على أبو الحسن، فارس العرب والإسلام ..”
فأجابه المغير ” لا تبتأس يا أبا يزيد، الأمر في نهايته سيكون لك ”
” ويلك يا مغيرة .. هذا علي بن أبي طالب ..”
” نعم .. على ورع ويخاف الله، ويخشى مقابلة كل دق بابه، وأنت تفعل كل ما من شأنه أن يأتي بالملك لك ..أنت الفائز “.
ــ العرب كانوا يحكمون عقولهم، لذلك شاع عنهم ” شاوروا النساء وخالفوهن “لأن المرأة تفكر بعاطفتها وليس بعقلها .
ــ وقيل عن العرب “إذا أردت أن تعرف الصواب في موقف، أنظر لهواك، وخالفه “.
فمن أهم أشهر حكماء (دهاة) العرب، وما هي أخبارهم ………
ــ معاوية بن ابي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.
حكم أربعون سنة عشرون منها أميرا على الشام وعشرون خليفة للمسلمين وهو القائل وأشتهر بدهاء وحكمة في الرؤية و التدبير :
ــ لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت كانوا إذا مدوها أرخيتها وإذا أرخوها مددتها ..
ــ لا أستخدم سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أستخدم سوطي حين يكفيني صوتي.
ولعل أجمل كلام قيل في دهاء معاوية كلام عبد الله بن الزبير عندما قال : إنا كنا لنخوفه (يقصد معاوية) وما الليث على براثنه بأشجع منه فيتخوف لنا وإنا كنا لنخدعه وما ابن ليلة في الأرض أدهى منه فينخدع لنا .
كان لعبد الله بن الزبير(رض) مزرعة في المدينة مجاورة لمزرعة يملكها معاوية بن أبي سفيان(رض) خليفة المسلمين في دمشق..
وفي ذات يوم دخل عمال مزرعة معاوية إلى مزرعة ابن الزبير، وقد تكرر منهم ذلك في أيام سابقة، فغضب ابن الزبير وكتب لمعاوية في دمشق وقد كان بينهما عداوة قائلاً في كتابه: من عبدالله ابن الزبير إلى معاوية (ابن هند آكلة الأكباد) أما بعد..فإن عمالك دخلوا إلى مزرعتي، فمرهم بالخروج منها، أو فوالذي لا إله إلا هو ليكونن لي معك شأن!
فوصلت الرسالة لمعاوية، وكان من أحلم الناس، فقرأها.. ثم قال لابنه يزيد: ما رأيك في ابن الزبير أرسل لي يهددني ؟
فقال له ابنه يزيد: أرسل له جيشاً أوله عنده وآخره عندك يأتيك برأسه..
فقال معاوية: ” بل خيرٌ من ذلك زكاةً وأقربَ رُحماً “.
فكتب رسالة إلى عبدالله بن الزبير يقول فيها:
من معاوية بن أبي سفيان إلى عبدالله بن الزبير (ابن أسماء ذات النطاقين) أما بعد..
فوالله لو كانت الدنيا بيني وبينك لسلّمتها إليك ولو كانت مزرعتي من المدينة إلى دمشق لدفعتها إليك فإذا وصلك كتابي هذا فخذ مزرعتي إلى مزرعتك وعمّالي إلى عمّالك، فإن جنّة الله عرضها السموات والأرض …!
فلمّا قرأ ابن الزبير الرسالة بكى حتى بلّ لحيته بالدموع، وسافر إلى معاوية في دمشق وقبّل رأسه، وقال له: لا أعدمك الله حُلماً أحلّك في قريش هذا المحل.
ــ عمرو بن العاص بن وائل السهمي.
كان بضرب به المثل في الفطنة والدهاء والحزم وسرعة البديهة.هاجر الى رسول الله (ص) مسلما في أوائل سنة ثمان للهجرة .. بعثه رسول الله (ص) في غزوة ذات السلاسل و أرسله عمر بن الخطاب على رأس جيش لفتح بيت المقدس وكان في الرملة جمعا عظيما من جند الروم عليهم الأرطبون وهو أدهى الروم فكتب عمرو بن العاص الى عمر بن الخطاب بالخبر فلما جاء الكتاب الى عمر بن الخطاب قال : قد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب (يقصد عمرو بن العاص ) . ومن أقواله ….
· الكريم إذا جاع يصول، واللئيم إذا شبع.
· سد حاجة الكريم وأقمع اللئيم
· ليس العاقل من يعرف الخير، ولكنه إذا عرف أهون الشرين
· أبلغ الناس من كان راداً لهواه. إذا أشتبه عليك أمران فلم تدر في أيهما الصواب، فأنظر أقربهما إلى هواك فأجتنبه “.
·
· موت ألف من العلية، أقل ضرراً من ارتفاع واحد من السفلة.
ــ المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب الثقفي
من كبار الصحابة أولي الشجاعة والمكيدة شهد بيعة الرضوان كان رجلا طويلا مهيبا من دهاة العرب . يستشار في المعظلات. ولد في ثقيف/ الطائف ، وبها نشأ، وكان كثير الأسفار، أسلم عام الخندق بعدما قتل ثلاثة عشر رجلاً من بني مالك وفدوا معه على المقوقس في مصر، وأخذ أموالهم، فغرم دياتهم عمه عروة بن مسعود
كُني بـ أبو عيسى، ويقال: أبو عبد الله. من دهاة العرب وذوي آرائها وهو من كبار الصحابة أولي الشجاعة والمكيدة والدهاء، كان ضخم القامة، عَبل الذراعين، بعيد ما بين المنكبين، أصهب الشعر جعده، وكان لا يفرقه.
قال عنه الطبري ” كان لا يقع في أمر إلا وجد له مخرجاً ولا يلتبس عليه أمران إلا أظهر الرأي في أحدهما “. وقال عنه الحافظ الذهبي : ” من كبار الصحابة، أولي الشجاعة والمكيدة، شهد بيعة الرضوان، كان رجلا طِوالاً، مهيباً، ذهبت عينه يوم اليرموك، وقيل : يوم القادسية توفي في الكوفة سنة 50 للهجرة، وكان عمرهُ 70 سنة.
ــ زياد بن أبيه أو زياد بن سمية.
زياد بن أبيه أحد كبار قادة الفتح، وقد برزت مواهبه في فنون القيادة العسكرية الإدارة والحكم مع بداية الفتوحات في عهد عمر بن الخطاب. وقد تولى في عهد علي بن أبي طالب خراسان وتلك الأرجاء . واستمر مواليا لعلي ضد الأمويين، ولكن معاوية بن أبي سفيان أدرك بدهائه مقدرة وقابلية هذا الرجل واستدعاه إلى دمشق بعد أن كان قد اعتزل الحكم عقب اغتيال الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب، واستطاع استمالته وولاه الكوفة والحق إليها خراسان وسجستان. وكانت الاضطرابات تسود تلك الأرجاء والأمن فيها غير مستقر من أعمال سلب ونهب وفسق وفجور وقتل، بالإضافة إلى الأوضاع المتزعزعة سياسيا واجتماعيا.ويكتنف الغموض أصل هذا القائد (لذلك سمي بابن أبيه) ويقال أنه ابن غير شرعي لأبي سفيان، بحزمه ودهاءه بسط سيطرته وهيمنته على تلك الولايات، وفرض فيها سلطة وهيبة الدولة، توفي في الكوفة بمرض الطاعون في عام 53 هجرية/673 م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *