قلق، ألم، تحجر الدمعة في العيون .. مشاعرمختلطة يعيشها كل أب وأم عاجزين عن توفير حضانة لطفلهم الذي طالما انتظروا قدومه للدنيا ليزف الفرحة الي قلوبهم.. ولكنهم فجأة يجدون أنفسهم مكتوفي الأيدي عاجزين عن إنقاذ رضيعهم نظرا لتفاقم مشكلة نقص الحضانات.
هذه اللحظات القاسية عايشها أحمد عادل نجار – عندما شعرت زوجته بآلام الولادة وهرع حينها لإنقاذها إلا أن الأطباء أخبروه بعدم توافر حضانة فذهب إلي مستشفي آخر ، ونار القلق بدأت تحرق قلبه فالجنين علي وشك النزول والأم لم تعد تقوي علي تحمل الألم فنصحه بعض أقاربه بالذهاب إلي مستشفي آخر لكن المشهد تكرر حيث أكد الأطباء عدم توافر حضانة وتكررت محاولات عديدة باءت بالفشل في الحصول علي حضانة حكومية !! وأسعار الخاص قد تصل الي 1000 جنيه في الليلة ، وهو ما يفوق قدراته بالقطع فاضطر الي توقيع إقرار في أحد المستشفيات علي ولادة زوجته مع تحمله المسئولية في إيجاد حضانة لطفله لينهي عذاب الأم ، لكنه بدأ رحلة عذاب أخري وهو ينتظر في كل لحظة الخبر المشئوم ، خاصة ان رضيعه ولد برئة ضعيفة ويحتاج الي أكسجين ، ومرت الدقائق ساعات حتي رحل الرضيع واخذ معه فرحة والديه
يؤكد الدكتور عادل شفيق استشاري طب الأطفال المبتسرين أن الأطفال حديثي الولادة يحتاجون الحضانات لأسباب قبل الولادة أو أثناءها أو بعدها فالأسباب التي تسبق الولادة ترجع إلي أن الطفل لا يأخذ فترة نموه كاملة ففترة الحمل الطبيعية من 36 إلي 40 أسبوعا فإذا ولد في الأسبوع 25 أو 28 يعد طفلا ناقص النمو ويحتاج الي حضانة، وإذا كانت الأم مصابة بالسكر أو تعرضت لميكروب فيتأثر الجنين، وإذا حدثت صعوبة أثناء الولادة يحدث نقص أكسجين للطفل، كذلك عدم اكتمال الجهاز التنفسي فهناك مادة بالرئة لا تكتمل الا بعد 32 أسبوعا تسمي بالغشاء الزجاجي إذا ولد الطفل قبل اكتمالها يحتاج إلي حضانة ، وهناك مشاكل بعد الولادة كالتهاب في المسالك البولية للام فيولد الطفل عنده تلوث دموي ،أو يكون مصابا بالصفرا يدخل الطفل حديث الولادة علي أثرها الحضانة .وأرجع سبب مشكلة نقص الحضانات إلي قلة عدد المستشفيات الحكومية فمستشفي الزاوية الحمراء به 17 حضانة ولكن تم إغلاقها بسبب سقوط سقف الحضانات منذ 5 سنوات ولم يتم ترميمه أو إصلاحه، كذلك مستشفي المنيرة تم إغلاق واحدة والأخري تعمل نصف تشغيل، ومستشفي الخليفة وبولاق تم إغلاقه لتهالك المباني ، والحضانات الموجودة التابعة لوزارة الصحة عددها قليل لا يتعدي 100 حضانة في مستشفيات المنيرة والخازندارة وشبرا العام ومنشية البكري . ويؤكد شفيق أن ثمن المحضن قد يصل الي 170 ألف جنيه بجانب أجهزة المحاليل 12 ألف جنيه والأكسجين الذي لا يقل عن 40 ألف جنيه وجهاز التنفس الصناعي 400 ألف جنيه ، وجهاز الصفراء وجهاز الأملاح في الدم والمعمل ومونيتور لقياس الوظائف الحيوية لا يقل عن 120 ألف جنيه ووحدة تعمل للطوارئ 3 ملايين جنيه .
تبرعات وفوائد
ويري أن تبرعات رجال الأعمال ، واستغناء البنوك عن جزء من فوائدها لصالح شراء محضن وأجهزة ملحقة به سيحل أزمة نقص العدد ، كذلك توفير العدد المناسب من التمريض وزيادة الحافز لجذبهم للعمل فالممرضة كانت تحصل علي 95 قرشا في النوبتجية تم رفعها إلي 18 جنيها، أما في القطاع الخاص فتحصل علي 200 جنيه ، فالحل يكمن في استقطاب خريجات دبلوم التجارة وعمل دورات تدريبية لهن لمدة 6 أشهر وإعطائهن شهادة لممارسة المهنة ، وسبق وان قامت مستشفيات قصر العيني بتطبيق تلك التجربة ونجحت فيها.
ووفقا للدكتور خالد الخطيب رئيس الإدارة المركزية للرعاية الحرجة والعاجلة فإن مشكلة الحضانات ترجع في المقام الأول إلي عدم وجود إدارة معنية بقسم الحضانات في وزارة الصحة ترصد عدد الحضانات علي مستوي الجمهورية فهذا الجزء الفني الخطير بمثابة الرعاية المركزة مع الفارق أن الرعاية بها مريض يسمعه الطبيب ويعرف ما يؤلمه ، أما الحضانة ففيها طفل رضيع لا يستطيع الكلام ، إنما اجتهاد الطبيب يكون شخصيا بناء علي التحاليل والكشف الذي قام بإجرائه ، مؤكدا أن وحدة الرعاية العاجلة كانت مسئولة عن مرفق الإسعاف حتي عام 2010 وجزء بسيط للطوارئ وبعد استقلالها أصبحت هيئة الإسعاف ، ومن حينها أصبحت العربات جديدة ومجهزة والمسعفون مدربون.
ويشير إلي أن هناك أطفالا يحتاجون إلي محضن فقط يشمل غذاء وحرارة وهناك من لديه عيوب خلقية او مشاكل في القلب فيحتاج الي جهاز التنفس لذلك تدريب الأطباء والتمريض أمر مهم إلا انه عمل شاق وغير مجز ، وعلي الرغم من ان قانون كادر الأطباء وضع حافزا للتخصصات الحرجة كالطوارئ والرعاية والحروق والسموم والحضانات وبنوك الدم والتخدير مابين 250 الي 1000 جنيه بنسبة 100 إلي 300 % من اساسي المرتب إلا أنها غير مجزية فكثير من طلبة الطب الآن يبتعدون عن الالتحاق بتلك التخصصات الشاقة غير المجزية ، أما التمريض فهو عصب المكان ، فالطبيب يضع خريطة العلاج والتمريض هو المسئول عن تنفيذها ، لذلك يجب أن يكون لهم حافز مادي مجزي .
ويطالب الوزارة ومجلس الشعب بدراسة قرار زيادة الحافز للعاملين بالرعاة الحرجة خاصة وان الطبيب بها يحصل علي 40 جنيها علي مدار 24 يوم عمل ولكن السؤال اذا صدر قرار بعمل ميزانية تشمل 10 مليارات جنيه للرعاية الحرجة فماذا بعد شراء الاجهزة ؟ فالأقسام الحرجة لها أفراد معينون يعملون بها عندهم مواهب خاصة فإذا اتخذ قرارا خاطئا سيضيع حياة إنسان فكثير من الاطباء الآن يعزف عن الالتحاق بتلك الأقسام الصعبة لأنهم يرون انهم يتعرضون لمشاكل صحية .
توافر الاشتراطات
ويوضح الدكتور ممدوح الهادي رئيس الإدارة المركزية للمؤسسات العلاجية غير الحكومية والتراخيص ان قرار غلق الحضانات الخاصة يأتي من خلال عدم توافر الاشتراطات اللازمة لتشغيل الحضانة سواء صحية أو تجهيزية، فإذا تم إعطاء مكان ما ترخيصا بتشغيل 5 حضانات واثبت انه يشغل 10 فيتم إزالة الحضانات غير المثبتة علي الترخيص نظرا لعدم الالتزام بما جاء بالرخصة أو يأتي الغلق لعدم استيفاء التجهيزات اللازمة كعدم وجود مونيتور أو جهاز ضغط الأكسجين أو أجهزة التنفس بعدد مناسب مع الحضانات الموجودة كذلك اذا وجد مخالفة لاشتراطات مكافحة العدوي، خاصة ان أطفال الحضانات يتعرضون للإصابة بالأمراض بسهولة لعدم وجود مناعة لديهم
مؤكدا انه في يونيو الماضي تم غلق 70 حضانة من اجمالي 375 حضانة تم التفتيش عليهم من خلال لجان المديرية للمعاينة ففي كل محافظة مدير لإدارة العلاج الحر مسئول عن جميع المنشآت الطبية في المحافظة. مشيرا إلي أن القانون نص علي ثلاثة انواع للعقاب اذا ثبت وجود مخالفة في الحضانات وهي الغلق أو تحرير محضر شرطة ويتحول لقضية ، والعقاب الثالث هو الإنذار إذا ثبت ان المخالفات سهلة وبسيطة يمكن حلها كعدم وجود سلات النفايات الطبية أو عطل في أحد الأجهزة فنعطي مهلة أسبوعا للتأكد من إزالة المخالفات.
العجز في العدد
ويؤكد الدكتور هشام شيحة رئيس قطاع الطب العلاجي سابقا ان عدد المواليد في مصر كل عام 2.5 مليون تقريبا يحتاج منهم حضانات من 5 الي 10 % اي بنسبة 150 الي 250 ألف طفل ، مشيرا الي ان الطفل يحتاج من 3 ايام الي أسبوع داخل الحضانة حسب حالته موضحا انه في الفترة منذ عام 2008 الي 2012 كان العجز في عدد الحضانات حوالي 50% خاصة وان مستشفيات وزارة الصحة لا تعمل وحدها فهناك المستشفيات الجامعية والقوات المسلحة والخاصة .
السبب الرئيسي
ويؤكد دكتور محمد مراد مدير مستشفي الجلاء للولادة ان مشكلة التمريض في مصرترجع إلي نظرة المجتمع فهمنة التمريض بمصر لا تقدر التقدير اللازم لذلك أصبح هناك إحجام عن العمل فيها بعكس ما يحدث في شتي دول العالم التي تلزم باحترام وتقدير مهنة التمريض ، علما بأن أساس تقديم الخدمة الطبية في كل الأقسام هو التمريض لأنه الموجود بجوار المريض طوال الوقت وهو الذي يقدم الرعاية الطبية المطلوبة علي مدار 24 ساعة لذلك للتغلب علي مشكلة نقص الحضانات يجب زيادة الكوادر ثم زيادة عدد الحضانات.
ويوضح مراد ان المستشفي بها 22 حضانة في القسم المجاني يدعمها التأمين الصحي و 8 بالقسم الاقتصادي سعر الليلة بها 250 جنيها شامل العلاج والإشراف الطبي وهو ارخص كثيرا من القطاع الخاص الخارجي وتعمل بها ممرضة لكل ثلاث حضانات للمحضن العادي اما الحضانات الملحق بها جهاز التنفس الصناعي فتعمل ممرضة لكل حضانتين أما في قسم العزل فتعمل ممرضة لكل حضانة، مشيرا الي ان ميزانية وزارة الصحة تغطي نفقات الأجهزة ومستلزمات التشغيل، بالاضافة الي مساهمة القسم الاقتصادي فيما ينقص فهناك صندوق لتحسين الخدمة يسهم في الصرف علي القسم المجاني وهناك ادارة هندسية تشرف علي صيانة الاجهزة وتغيرها.