أخبار عاجلة
الرئيسية / منوعات / «توكاتسو».. فكرة قابلة للتطبيق التعليم «المصرى» على النموذج«اليابانى»!

«توكاتسو».. فكرة قابلة للتطبيق التعليم «المصرى» على النموذج«اليابانى»!

لم تنهض دولة ما فى العالم إلا وكان العلم والتعليم هو أساس نهضتها وتقدمها، فاليابان التى دمرتها الحرب العالمية الثانية وأنهكت قواها- صارت من أقوى دول العالم اقتصاديا، وأكثرها تقدما وازدهارا، بفضل تطور نظامها التعليمى وتقدمها العلمي. ومن هنا اتجهت مصر فى إطار مشروعها التنموى الشامل- نحو الاستفادة من نموذج « توكاتسو» اليابانى فى التعليم، والذى يقوم على التنمية الشاملة للطفل، من خلال تشكيل وبناء شخصيته منذ الصغر، وتمكينه من ممارسة الأنشطة المختلفة، وتنمية مهاراته، عبر تجربة شملت 12 مدرسة بالقاهرة والكبري، لتصل إلى 212 مدرسة بحلول عام 2019.

نبدأ بمشروع المدارس المصرية اليابانية ، والذى يسعى كما تقول الدكتورة رشا سعد شرف مدير مشروع المدارس المصرية اليابانية ومنسق التعاون الدولى بوزارة التربية والتعليم – لتطبيق النموذج اليابانى المسمى «توكاتسو» ، من خلال تحقيق مفهوم التنمية الشاملة للطفل من جميع الجوانب، من حيث التركيز على التنمية الشاملة لشخصية الطفل المتمثلة فى سلوكياته، ومهاراته، وقيمه، واتجاهاته، بنفس درجة الأهمية لتنمية معارفه، ومعلوماته، ومهاراته العقلية. ومن ثم تنشئة مواطن صالح متزن ومنتج، ويحترم نفسه والآخرين ، ويقوم بأدواره فى المجتمع لما فيه صالحه الشخصى وصالح المجتمع ككل على حدٍ سواء. ويتحقق ذلك من خلال حزمة من الأنشطة المرتبطة بالمهارات الحياتية التى تدرج فى الممارسات اليومية داخل المدرسة، بالإضافة إلى عدد من الأنشطة « اللاصفية» التى قد تصل لأكثر من 200 نشاط يكتسب من خلالها الطلاب نواتج التعلم المستهدفة.

ويجرى حاليا تطبيق التجربة فى نحو 12 مدرسة فى محيط القاهرة الكبرى بالعام الدراسى الحالى 2016/2017، ومن المستهدف البدء فى تطبيقها أيضا فى 100 مدرسة اعتباراً من بداية العام الدراسى القادم 2017/2018 ، منها 45 مدرسة جديدة الإنشاء وفق معايير مطورة للمبنى المدرسى ، وتم وضعها بالتعاون مع الخبراء اليابانيين، بالإضافة إلى 55 مدرسة قائمة بالفعل ، وتم اختيارها بناءً على عدد من المعايير التى تسمح بتطبيق الأنشطة المستهدفة للمشروع.

وبشكل عام، يستهدف المشروع وفقا للدكتورة رشا شرف- تطبيق التجربة فى جميع محافظات الجمهورية ، والتركيز على الأماكن ذات الكثافات السكانية المرتفعة ، ويتراوح عدد المدارس بكل محافظة (جديدة وقائمة) من ثلاث إلى خمس مدارس وفق حجم السكان بها، مشيرة إلى أن المشروع يستهدف ابتعاث 550 معلما للحصول على التدريب المكثف فى اليابان، بالإضافة إلى تنفيذ برامج تدريبية لمدربين معتمدين بواسطة خبراء يابانيين بمصر، والاستعانة بدورات تدريبية متعددة المستويات بالمدارس، والإدارات، من خلال تفعيل دور وحدات التدريب بالمدارس.

تشمل التجربة كما تقول مدير مشروع المدارس المصرية اليابانية ومنسق التعاون الدولى بوزارة التربية والتعليم – الاستفادة من النموذج اليابانى فى عدد محدود من المدارس المصرية، بشرط ألا تزيد كثافة الفصول فيها على 40 طالبا، فى مراحل تعليمية محددة تبدأ من الحضانة وحتى المرحلة الإعدادية، بعيدا عن المناهج المقررة، مع الاقتداء بالنموذج اليابانى فى ترسيخ ثقافة الحوار المتبادل بين المعلم والطلاب، وإكسابهم مهارات القيادة، وإتاحة الفرصة أمامهم لاكتساب مهارات حياتية تفيدهم فى مستقبلهم ومجتمعهم، وكذلك تدريب الطالب على اختيار الجوانب التطبيقية المتعلقة بالمنهج الدراسي، والعمل على ترسيخ ثقافة التعاون فيما بينهم، وكذلك ترسيخ ثقافة نظافة الفصول فى شخصيتهم، من خلال مشاركتهم فى نظافتها، وهى الفكرة التى لاقت اعتراضا فى البداية من أولياء الأمور، معتقدين أن مشاركة أبنائهم فى تنظيف الفصول، تمثل إهانة لهم، فى حين نراها عملية إيجابية تعلمهم النظافة والكرامة وليس الإهانة، إلى جانب تدريب المعلمين والطلاب على احترام الوقت، وممارسة الأنشطة المختلفة ومن بينها النشاط الرياضي، واحتساب 50% من التقييم فى المدارس محل تجربة المدارس المصرية اليابانية- على الأنشطة، بعد أن كان نظام التقييم يعتمد بنسبة 100% على المناهج، ومن المستهدف التوسع فى التجربة لتشمل 212 مدرسة فى نهاية عام 2019.

انتهى رأى مديرة المشروع د. رشا شرف.. ويبقى السؤال: كيف يرى خبراء التعليم التجربة اليابانية؟.. وهل يمكن فعلا الاستفادة منها فى نظام التعليم المصري؟

من حيث المبدأ ، لا يجد الدكتور سامى نصار عميد كلية الدراسات التربوية سابقا- غضاضة فى الاستفادة من تجارب دول أخرى فى مجال التعليم، فاليابان أرسلت بعثة لمصر أيام حكم محمد على فى القرن الـ 19 للاطلاع على التجربة المصرية فى التعليم، وتكمن الاستفادة من تجارب الآخرين فى إمكانية الاستفادة من عناصر يمكن من خلالها تطوير العملية التعليمية، فنحن نعيش فى عالم مترابط، والمعرفة الإنسانية تكاد تكون واحدة، ومن ثم فإن نقل نموذج بحذافيره غير مطلوب، لأنه لن يؤدى إلى تحقيق النتيجة المرجوة، لأن تأخذ شيئا من بيئته الأصلية لتزرعه فى بيئة أخرى مختلفة الظروف والمفاهيم والإمكانات المادية والبشرية، لكن لا غضاضة فى الاستعانة بعنصر أو عدة عناصر تكون ملائمة لظروفنا وثقافتنا وإمكاناتنا المادية والبشرية، فالتعليم فى أى دولة جزء من ثقافة المجتمع وهويته، وتاريخه، وهو مرتبط بذلك كله، وهنا أتذكر تجربة مهاتير محمد فى ماليزيا، حيث طور تدريس مناهج العلوم والرياضيات، والكيمياء، والأحياء.

لكن هنا فى مصر، يعانى النظام التعليمى مشكلات عديدة ومتراكمة على مدى قرون عديدة، ولاشك أن تطويره يحتاج إلى مقومات عديدة من بينها ضرورة تحسين وتطوير وإصلاح أحوال التعليم الأساسى بمرحلتيه الابتدائية والإعدادية، كما ينبغى تطوير التعليم الثانوى العام والفني، بحيث تكون مرحلة واحدة، يختار فيها الطالب المسار الذى سيسلكه، وكلها تؤدى للتعليم الجامعي، وكذلك ينبغى تطوير البنية التحتية للتعليم(الأبنية التعليمية،وتجهيزات ومعامل، وغرف وسائط مجهزة)، وكذلك من الضرورى التوسع فى إنشاء الجامعات، وخلخلة كثافة الفصول، والتوجه بقوة نجو التعليم الإلكتروني، لكننا سنصطدم بضعف الإمكانات المادية والبشرية، لاسيما أن نسبة كبيرة من ميزانية التعليم تذهب للمرتبات، ومن الأهمية التوسع فى تطبيق نظام «التابلت» وتفعيله بالمدارس، وتحسين الأحوال المعيشية للمعلمين، وتثقيفهم، وتزويدهم بأحدث طرق التدريس، ولابد أن تكون هناك إرادة واضحة ليكون التعليم مشروع مصر القومى خلال السنوات القادمة، وينبغى أن يتعلم الطالب طرق الحصول على المعلومة، بحيث يفكر فيها ويحللها، وينتقدها، لترسيخ ثقافة التفكير والإبداع والتأمل والتحليل، بدلا من ثقافة الحفظ والتلقين التى ساهمت فى تراجع مستوى الخريجين.

وبالرغم من تقدم نظام التعليم فى اليابان، إلا أن الدكتور محمد المفتى أستاذ المناهج بجامعة عين شمس- يرفض استيراد أو استنساخ نماذج للتعليم من دول أخري، حتى لو ثبت نجاحها، فتلك النظم نجحت فى ظل مناخ ملائم، من حيث توفير الإمكانات المادية والبشرية، وتطوير المناهج وتدريب المعلم، وارتباط ذلك كله بمدى تقبل أولياء الأمور للنظام التعليم وتفاعلهم معه. ومن ثم لا يمكن استيراد نظام تعليمى ناجح فى دولة ما ونضمن له النجاح فى مصر، دون أن نهيئ له جميع الوسائل التى تضمن له النجاح بالفعل، إنما يمكن الاستفادة من أنظمة تعليمية متطورة وناجحة كالتى وضعتها العديد من الدول المتقدمة، ويمكن فقط الاسترشاد بها فى التوجهات العامة، فنظام التعليم فى اليابان مثلا- يركز على القيم الأخلاقية، واحترام المعلم، وكذلك احترام العلاقة بين المعلم والمتعلم، ومشاركة المتعلم فى العملية التعليمية، من خلال مساعدته فى البحث عن المعلومة فى مصادر المعرفة المختلفة، والأخذ بكل وسائل التكنولوجيا فى التعليم، وقد وفرت اليابان كل الوسائل التى ساهمت فى تطور العلمية التعليمية، ووضعت جميع الإمكانات المادية والبشرية فى خدمة العلم والتعليم، ومن ثم علينا قبل أن ننظر لتجارب الدولة الأخرى المتقدمة فى مجال التعليم، أن نعمل على تطوير البنية الأساسية للتعليم ( المدارس، والمعلم، والمناهج، والتكنولوجيا، والإنفاق، والتدريب)، مشيرا إلى أن وزارة التربية والتعليم تجتهد، وتحاول، إذ تسعى للاستفادة من النموذج اليابانى فى عدد محدود من المدارس، ولا غبار فى ذلك، بشرط أن توفر لتلك المدارس المناخ والإمكانات اللازمة للتطبيق، لكنها إذا أرادت تعميم التجربة، فسوف تصطدم بعدم كفاية الإمكانات، وتراجع مستوى المعلم، وسوء حالة المدارس والمناهج، والتى بالرغم من محاولات تطويرها- إلا أنها مازالت تقليدية، تهتم بالمعلومة، بصرف النظر عن فهمها، أو تطبيقها، وتشجع على الحفظ والتلقين لا على الإبداع والتفكير، كما تعانى المناهج من الحشو والتكرار، هى مناهج قائمة على المعرفة، بينما هناك مناهج عديدة يمكن تطبيقها كالمناهج القائمة على المشكلات، والتى تكسب الطالب القدرة على التفكير وإيجاد حلول للمشكلات، والاعتماد على النفس، وهناك المناهج القائمة على المفاهيم الكبري، كمفهوم الطاقة، ويمكن مناقشتها من زوايا عديدة كالفيزياء، والكيمياء، والرياضيات، وعلوم التغذية، ما يؤدى لاتساع أفق المتعلم، ويفيده فى حياته العملية، وقد عملت فى لجان مع 5 وزراء سابقين للتعليم، لكنهم كانوا يضعون مقترحاتنا جانبا، وبشكل عام، يمكن الاستفادة من التوجهات العامة للنظام اليابانى فى التعليم، وتوظيف التكنولوجيات الحديثة فى خدمة العملية التعليمية، لكن يبقى السؤال: هل هناك نية خالصة لتطوير التعليم؟.. أما أننا سنظل ندور فى دائرة مغلقة؟.. صحيح أن هناك محاولات لتطوير المناهج لكنها لا تؤتى ثمارها بالشكل المأمول والمتوقع، ولو كانت الوزارة استعانت بالخبراء والمتخصصين فى التربية خلال العصور السابقة، لكانت المناهج قد تطورت بالصورة اللائقة والمناسبة للعصر.

◙ المعلم اليابانى.. مكانة مرموقة

يحظى المعلم فى اليابان باحترام وتقدير ومكانة اجتماعية مرموقة، ويتضح ذلك من خلال النظرة الاجتماعية المرموقة لهم، وكذلك المرتبات المغرية التى توفر له حياة مستقرة كريمة، ويتساوى فى ذلك المعلمون والمعلمات. ويتضح ذلك أيضا من خلال التهافت على شغل هذه الوظيفة المرموقة فى المجتمع. فمعظم هؤلاء المعلمين هم من خريجى الجامعات، ولكنهم لا يحصلون على هذه الوظيفة إلا بعد اجتياز اختبارات قبول شاقة، تحريرية وشفوية. وبالطبع نسبة التنافس على هذه الوظيفة شديدة أيضًا، وهم بشكل عام يعكسون نظرة المجتمع إليهم، ويعكسون أيضًا صورة الالتزام وروح الجماعة والتفانى فى العمل عند اليابانيين. فهم إلى جانب عملهم فى المدرسة وقيامهم بتدريبات ودراسات، لرفع مستوياتهم العلمية، يهتمون بدقائق الأمور الخاصة بتلاميذهم، كما يقوم المعلمون بزيارات دورية إلى منازل التلاميذ أو الطلاب للاطمئنان على المناخ العام لاستذكار التلاميذ من ناحية، ومن ناحية أخرى يؤكدون أهمية التواصل مع الأسرة، وكذلك أهمية دورها المتكامل مع المدرسة.

◙ « توكاتسو» .. سر التطوير

يقوم التعليم اليابانى منذ زمن بعيد على التنمية الشاملة للطفل ، حيث يضم المنهج الدراسى الرسمى فى اليابان حصصا لتعليم الطفل الشامل، من خلال الأنشطة الخاصة (توكوبيتسو كاتسودو) والتى تدعى اختصارا توكّاتسو ، حيث يعمل نظام التعليم فى اليابان على ضمان تنمية متوازنة لكل من الفكر والفضيلة والجسد، لضمان متين للكفاءة الأكاديمية (تاشكانا غاكوريوكو) والعواطف الغنية (يوتاكانا كوكورو) والنمو البدنى الصحى (سوكوياكانا كارادا). وتعد حصة النشاطات الخاصة « توكاتسو»، أحد العناصر المركزية فى معايير تعليم الطفل الشامل فى المنهج الدراسى اليابانى ، حيث تضم العديد من النشاطات غير الأكاديمية كالغذاء والنشاطات الرياضية والهوايات ونوادى الطلبة، وتشكل نشاطات التوكّاتسو عنصرا دائما فى المنهج الدراسى الرسمي.

◙ التعليم بالتكنولوجيا

تستعين اليابان بالتكنولوجيا الحديثة فى التعليم، فالعديد من الفصول الدراسية مزودة بأجهزة الكمبيوتر، لكى يستخدمها الطلاب للتعامل مع شبكة الإنترنت، وتفعيل مبدأ التعليم الذاتى الفعال، كما توفر المدارس اليابانية للمعلمين العديد من التقنيات التى تساعدهم فى توصيل المعلومات للطلاب، مثل السبورات البيضاء التفاعلية، كما يتم استخدام الألعاب كوسيلة لتوصيل المعلومات، وتشجيع المنافسة بين الطلاب، بالإضافة لاستخدام «الروبوت» داخل الفصول الدراسية، لتعليم الأطفال اللغات المختلفة ، إلى جانب الاستعانة بأنظمة ذكية لتوصيل الأمور المعقدة، باستخدام التكنولوجيات المختلفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *