أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / تقليعة جديدة في السياسة

تقليعة جديدة في السياسة

بقلم: ضرغام الدباغ

 

نلاحظ أن تقليعة (مودة) جديدة تسري في السياسة (الشرقية والعراقية غالباً لأننا ما نزال في عصر فتاح الفال وأخذ الخيرة) والتقليعة (المودة) الجديدة هي شيوع كلمات لا تصلح إلا في مراسيم (المشاية) حين نذهب لطلب يد فتاة، من قبيل : والله خوش ولد … أو … أيده مو أله … أو … الميز ماله .. منا لهناك …! والله والنعم منه ..! أخو أخيته ..! وما شابه من تعابير ومصطلحات قد تصلح لمراسيم طلب يد بنت من أهلها، أو الدعوة لعزيمة عشاء ..! ولكن لا تصلح بتاتاً في السياسة، وما بالك أن الحديث يدور عن قائد سياسي .! للدخول في معركة نحتاج قائد صلب شرس، وليس خوش ولد ..!
في السياسة هناك ثلاث صفات حتمية لا خلاف ولا جدال فيها، يحب توفرها في المراتب القيادية في العمل السياسي :
1. القدرات الفكرية والثقافية: ثقافة تمنحه عمق الرؤية للمشكلات والأزمات.
2. التاريخ النضالي: أثبات القدرات عبر التجارب النضالية والسياسية.
3. القدرة والخبرة التنظيمية: تمرس في التنظيم والقيادات الصغرى بحلقاتها وفقراتها، صعوداً.
بتقديري من تنقصه إحدى هذه الصفات الثلاث، لو يستريح في بيته يرتاح ويريح العباد والبلاد منه أفضل وأشرف له وللناس… ومن تنقصه صفة من هذه أو تتوفر عنده ولكن بنزر يسير، فهو كالطاولة أو الكرسي غير المستقر، أو الأستكان غير متقن الصنع يتراقص في الصحن، أو رجل يتعكز في سيره، يختل توازنه بسرعة، أو عند ما نحتاج منه الثبات في الرؤية يظهر العجز. وقائد كهذا حين يتعثر في عمله، سيلجأ إلى الإجراءات الغير تنظيمية ونضالية، وفي مقدمتها التكتل، وإشاعة الأستزلام، ومن صفات الأشخاص القياديين الناقصي الأهلية، أنه يحيط نفسه بالدرجة الأولى بأشخاص يضمن ولاءهم له، أو يضمن عدم قدرتهم على الحركة لنقص في مقدرتهم الحركية والقيادية، وضعف جذورهم السياسية، ومثل هؤلاء الأشخاص ليست لهم جذور سواء بين القواعد أو بين الجماهير، ولا يتمتعون بأي مزايا أو صفات سوى قبول ورضا القيادة عنهم (خوش ولد)، وهكذا يتسلل الضعف الهشاشة إلى الحلقات القيادية، وإذا تواصلت هذه التقاليد التي لا علاقة لها بالعمل النضالي والسياسي، فأسرع إلى أقرب مغسلة وأغسل يديك.
في أوضاع كهذه تتراجع صفة العمل السياسي بشقيه: الثوري أو العمل في الاحزاب الديمقراطية، وتتراجع ثقة الجماهير بالحزب، وتتراجع قدرة الحزب على الرؤية والتشخيص الدقيق للمواقف والأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ويصبح الحزب عبارة عن لافتة (كيافطة دكان)، وشعار عريض خالي من المضمون الفكري، والسياسي، ويفتقر إلى القدرة على تحريك الجماهير.
أما في العمل الحكومي، فالكارثة تطل علينا بصور بشعة، عندما ترى وزير مالية أو اقتصاد لا يعرف معنى الدخل القومي، وأعتقد بأرجحية عالية (واعتقادي ناجم عن تجربة)، أن مسؤولين كبار في العمل السياسي والدولة لا يفقهون شيئاً عن اقتصاد النفط الذي هو العمود الفقري للأقتصاد الوطني، وأجزم أن مسؤولين سياسيين كبار لا يعرفون معنى مصطلح “الاحتياط النفطي”، وهناك من تولى رئاسة الوزراء وهو لا يعرف أبجديات العمل في الدولة، وشخصياً أعرف وزير في وزارة اختصاصية مهمة، هو ووكيل وزارته، لا يعرفان كلمة واحدة ماذا يعني العمل في الوزارة حتى بأبجديات العمل…. وأجزم أن هناك رئيس الوزراء حين يتلقى تقريراً لا يقرأه، وإذا قرأه لا يفهمه، وعلى الأرجح لا يسعه لأن يفهم، لأنه ليس في وارد خططه أن يعمل …
والكارثة في وزارة الخارجية مثلاً أكبر، فأي غلطة داخل البلد يرتكبها وزير وحتى رئيس وزراء يمكن تصليحها (بصعوبة وتكاليف)، ولكن السفير في الدولة الأجنبية لا يكون بوسعه إصلاح غلطته، وبربك ماذا يفعل وزير خارجية لا يعرف شيئاً من أبسط قواعد العمل الدبلوماسي … ولا أبالغ مطلقاً … فقد حدث أن ألتقيت دبلوماسياً عراقيا، سألته إذا كانت الطائرة العراقية لا تأتي للبلد الذي كنا فيه، كيف ترسلون الحقيبة الدبلوماسية للمركز ..؟ فأجابني كل براءة .. أي مركز ..؟ فتصورت أن مصطلحا جديداً في العمل فقلت له مركز الوزارة ..! فقال ماذا تقصد بالحقيبة ..؟
بالله عليكم إذا كان دبلوماسي لا يعلم ما هي الحقيبة … كيف بوسعك أن تتكلم معه ..؟ فالجماعة يراسلون الوزارة بالإيميل ويجوز بالواتساب …! …! حتى الدبلوماسي بدرجة سفير لا يمتلك قدرة كتابة تقرير سياسي يستحق القراءة ماذا يفعل ..؟ كيف تدير وزارة مهمة شؤونها ..وكيف تدار الدولة، وهنا أتوجه بالسؤال لكل قارئ كيف تتوقع أن تتقدم البلاد ..؟ بل لنقلب السؤال .. إذا عجزت الدولة والحكومة وكل هذه المسميات وتحولت إلى هياكل من الكارتون، هل تتوقع أن نحرز تقدماً ….؟ في عالم ملئ بالذئاب وحكومات تسعى ليل نهار لرفع كفاءة موظفيها وكوادرها …
تصل إلى قناعة، ” اللي يكول الصدك طاقيته مزروفة ” لا أحد يحب اللي يتكلم بصراحة، ولا أحد يحبذ العمل مع شخص دماغه مليان، لأنه يظهر عوراتهم حفاة عراة ..!
عندما تسأل عن مؤهلات شخص وتجربته وخبراته العملية ، فيقال لك بكلمتين ” خوش ولد ” .. المطلوب أن تنفجر من الغيظ … وعندما تذكرة بأمر مهم يجيبك ” ما عبالي ..! ” …. ومطلوب منك أن تحتمل مثل هؤلاء الجهلة الخوش ولد،
يقول الفيلسوف البريطاني برنارد شو ” لا يعلم أصحاب العقول الكبيرة، أي ذعر يلحقونه بأصحاب العقول الصغيرة “.
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *