تحاول الدوائر السياسية والدبلوماسية فى العاصمة الأمريكية خصوصا بعد زيارة انجيلا ميركل مستشارة ألمانيا واشنطن أن تحدد ملامح توجهات ادارة «ترامب» فى التعامل مع دول العالم والقضايا الخارجية. فمن جهة ترى دوائر سياسية ـ مقربة من الادارة ـ أن «أمريكا أولا» كانت السبب فى مجئ ترامب لحكم البلاد وبالتالى ما يصدر من البيت الأبيض بشكل عام يعكس التزام الرئيس الأمريكى الجديد بما وعد وتعهد به فى معركته الانتخابية.
ولذلك من الضرورى أن تتم إعادة النظر فى ملفات العلاقات مع جميع دول العالم دون التقيد بما كان .. وبما كان تحديدا ليس فى صالح أمريكا. فى المقابل ترى دوائر سياسية دبلوماسية أخرى أن ما يعلن عنه ترامب وادارته – وأحيانا بنبرة حادة – يعد ليس فقط تصحيحا لمسار قائم بل تقويض وهدم لما تم تحقيقه وانجازه عبر عشرات السنوات ومن خلال إدارات مختلفة ـ سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية.
ومثلما تختلف آراء المراقبين ـ الأمريكيين والألمان حول ما تحقق وما لم يتحقق فى لقاء ترامب ـ ميركل هكذا تتباين التعليقات والتحليلات الأمريكية والآسيوية حول الجولة الآسيوية لـ «ديكس تيلرسون» وزير الخارجية الأمريكى، وما تمت قراءته واستقراؤه فى تصريحات الوزير القليلة خاصة فيما يتعلق بلغة فيها «توعد» أو«تهديد» فى أثناء التوجه بالحديث عن كوريا الشمالية.. فى حين نجد خلال زيارة الوزير للصين لغة فيها «تعهد» لتعاون أكبر و«تفهم» لطبيعة التحديات الحالية فى منطقة شرق آسيا ـ
ولم يتوقف خلال الأيام الماضية الجدل المثار عن الميزانية الجديدة المطروحة من جانب الادارة وما لحق من قطع يصل الى 28٪ من ميزانية الخارجية الأمريكية وبرنامج المساعدات خاصة أن المطروح يمس أيضا إسهام الولايات المتحدة من خلال الأمم المتحدة فى برامج دولية تسهم فى مواجهة كوارث انسانية على امتداد العالم. أنصار الادارة يرون أن واشنطن يجب ألا تمول أو أن تتحمل الجزء الأكبر من ميزانية منظمات دولية تحركها فى الأساس وتديرها دول لها سياسات وتوجهات معادية لأمريكا وإسرائيل ـ حسب توصيف هؤلاء من أنصار ترامب. وبالتأكيد لن يحسم هذا الامر فى أيام، خاصة أن قيادات عسكرية أمريكية لم تتردد فى تأكيد أهمية وضرورة مواجهة الكوارث العالمية والأزمات الدولية وأيضا الاهتمام بالمشروعات التنموية المستدامة. وذلك لأنها تعتبر ـ ان عاجلا أو آجلا ـ قضايا تمس الأمن القومى الأمريكى من قريب أو بعيد. وفى سياق متصل لم تتردد دوائر مقربة من الادارة فى مواصلة حديثها المتكرر عن حتمية اعادة النظر أو اعادة صياغة العلاقة مع الأمم المتحدة. وأنها ترى أمرا غريبا ومرفوضا أن تمشى أمريكا حسب أجندة الأمم المتحدة فى حين أن العكس هو المطلوب والمنتظر. ولا شك أن «جون بولتون» مندوب أمريكا لدى الأمم المتحدة فى عهد «بوش الابن» كان ولا يزال من أبرز من يرفعوا هذا الشعار والمطلب الجماهيرى!.
وتبقى الشرق الأوسط بملفاتها المتعددة وأزماتها المتفاقمة موضع اهتمام المراقبين فى واشنطن وأيضا مصدر لحيرتهم خاصة أن تصريحات الادارة وتحركاتها فى الفترة الماضية تثير التساؤلات أكثر من أنها تقدم الاجابات، حيث يظل التصدى للارهاب و«داعش» هو الهدف الرئيسى المعلن وان اختلفت الطرق والأساليب للتوصل الى هذا الهدف ـ حسب التصريحات والتقارير الصحفية، فإلادارة تسعى الى تحالفات ومشاركات أمنية عسكرية مع دول المنطقة ـ وتحديدا مصر والسعودية للقضاء على داعش واحتواء الخطر الايرانى فى المنطقة. التلميح المستمر الى امكانية تحقيق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين لم يتوقف مع الاشارة الدائمة الى الدور الذى قد يلعبه صهر الرئيس »جاريد كوشنر« فى هذا الصدد. ولا شك أن ما قيل حتى الآن فى هذا الأمر مجرد تكهنات أو توهمات يراها البعض وفقا لمصالحهم وأمنياتهم. المؤتمر السنوى لـ«ايباك» المنعقد قريبا فى واشنطن بالتأكيد سوف يطرح بشكل أو آخر ما تريده اسرائيل ولوبى أنصارها من الادارة الجديدة وأجندة تعاملها مع الشرق الأوسط.
ادارة ترامب بلا شك تريد أن تقول وأن تثبت أنها ليست مثل ادارة أوباما فى تعاملها مع الشرق الأوسط وشركائها الأساسيين فى المنطقة. وتسعى لتأكيد ذلك من خلال تشاوراتها العسكرية والسياسية مع دول المنطقة. ان قضايا المنطقة، تفاقمت وتراجع الدور الأمريكى فى المنطقة بشكل ملحوظ .. وهذا أمر لا يمكن السكوت عليه أو عدم اتخاذ أى خطوة لتصحيحه ـ كما قال أكثر من مسئول عسكرى أمريكى سابق. وعلى أمريكا أن تستعيد وتؤكد دورها ونفوذها وهيبتها فى المنطقة والعالم كله.