“طرد سفير إسرائيل في الأردن” … مجرد قرار غير ملزم للحكومة، لكن ليس من الصنف الذي يمكن تجاهله تماما عندما يتخذه مجلس النواب الأردني بالإجماع وليس بالأغلبية فقط.
والقرار تملك الحكومة تحديد آلية التعامل معه، لكن الأهم من مضمونه وظرفه الزمني هو التصويت عليه، ولأول مرة تماما.
سمح رئيس المجلس أحمد الصفدي بالتصويت على القرار.. هذا بحد ذاته إشارة ضمنية إلى أن مربّع القرار في الدولة الأردنية يشترك بوضوح في التصعيد المنهجي ردا على استفزازات وزراء اليمين الإسرائيليين، والتي كان آخرها بتوقيع وزير مالية الكيان، بتسلئيل سموتريتش في حادثة باريس الشهيرة.
ما سمح به الصفدي أيضا ليس ذلك فقط، ففي الموقع وضمن حسابات سياسية مغرقة في الدقة، دخل النواب والوزراء قبة البرلمان صباح الأربعاء ليجدوا خارطة للأردن وفلسطين مزروعة على جسد المنصة الرئيسية لمجلس النواب، في رسالة ذكية ضمنيا بأن التصعيد البرلماني الشعبي وارد أيضا ردا على اليمين الإسرائيلي.
تلك الخارطة في برلمان الأردن، رُسمت عليها فلسطين بأكملها، والمملكة الأردنية الهاشمية مع علم الأردن وفلسطين التاريخية، وبدون دولة الاحتلال برمّتها، في خطوة أيضا محسوبة بالتأكيد؛ لأن من قرّرها هو الأمانة العامة لمجلس النواب المنتخب شعبيا.
وفي لحظة اعتراض غربية أو إسرائيلية، يمكن القول بأن تلك خارطة الشعب الأردني ردا على خارطة الوزير سموتريتش.
بكل حال، مناخ التصعيد كان صاخبا تحت قبة البرلمان، فالنائب خليل عطية قرأ الفاتحة على أرواح شهداء معركة الكرامة من رجال الجيش العربي، وبالنص على أرواح الفدائيين، ردا على من وصفه بالوزير الإسرائيلي المستجلب.
تلك أيضا إشارة أخرى، فقد تكون من المرات النادرة جدا التي تذكر فيها بمحاضر البرلمان الرسمية عبارة “الفدائيين الفلسطينيين”.
اشتعلت أجواء البرلمان الأردني ضمن عملية مدروسة بكل تأكيد لاحتواء غضبة الشارع، والبقاء في السيطرة على الإيقاع، ولأن القصر الملكي الأردني ووفقا لأبرز للمصادر، يشارك شعبه ونخبته الغضب بعد حادثة خارطة باريس المستفزة.
وفيما بدأت دبلوماسية الاحتواء للموقف الأردني أمريكيا وأوروبيا وإسرائيليا، تزداد الاشتراطات والتعقيدات. وبدأت القوى السياسية في عمّان تتحدث عن غضبة شعبية عارمة محتملة يوم الجمعة المقبل، في ثاني أيام شهر رمضان المبارك.
في المقابل، قالت الخارجية الأردنية، مرتين على الأقل في يومين، إن إجراءات جديدة ستُتخذ، في إشارة إلى أن الأردن قرر بعد خارطة سموتريتش المواجهة والاشتباك، وإخضاع حكومة نتنياهو فيما يخصّه على الأقل، بانتظار بيان رسمي أو قيد غير علني في استعراض حقيقي لقوة الورقة الأردنية في عمق المعادلة الإسرائيلية.
بالتوازي، التصعيد وبكل اللهجات يعكس الغضب والشارع الأردني محتقن ومتوتر.
وكل البيانات الصادرة تطالب حكومته بالتحرك ووزير الداخلية الأسبق سمير الحباشنة، وعلى شاشة قناة الجزيرة طالب البادية والمخيم والقرية والمدينة بتخزين السلاح والذخائر في دعوة نادرة جدا ما صدرت على لسان وزير سابق عدة مرات، وبصورة تظهر حجم هواجس ومخاوف نخب العشائر الأردنية.
الموقف صعب ومعقد، والإشارات القادمة لعمّان من بقايا المعادلة العميقة في الكيان الإسرائيلي لا تبدو مطمئنة حتى الآن، ولا ضامنة بأي قدر لسيناريو ضبط جنوح اليمين الإسرائيلي، إما على صعيد التهدئة أو على صعيد تجنب سيناريو الحافة، وانهيار النظام القانوني في الأراضي المحتلة.