أخبار عاجلة
الرئيسية / منوعات / بريطانيا تبدأ طريق «وداع» الاتحاد الأوروبى

بريطانيا تبدأ طريق «وداع» الاتحاد الأوروبى

بدأت بريطانيا طريق «اللاعودة» لمغادرة الاتحاد الأوروبى وذلك بعدما أزال البرلمان أول عقبة تشريعية أمام عملية الخروج، بتصويت غالبية النواب على قانون تقدمت به حكومة تيريزا ماى يفتح الطريق أمام الحكومة لتفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة فى مارس المقبل لبدء مفاوضات الخروج رسميا مع الاتحاد الأوروبى.

ومع أن القرار أجيز بغالبية 498 صوتا مقابل 114، إلا أن هذا لا يخفى حجم الخلافات والتخوفات داخل البرلمان. فغالبية أعضاء البرلمان لم تدعم الخروج من أوروبا أصلا، وسعت خلال الإستفتاء في يونيو الماضي لإقناع الناخبين التصويت بالبقاء. وعكست الأجواء في البرلمان حالة الانقسام وسط الطبقة السياسية وصعوبة اللحظة بالنسبة للكثيرين خاصة الذين دعموا المشروع الأوروبى منذ البداية وبينهم النائب المخضرم في حزب المحافظين كينث كلارك الذى دافع بقوة عن قيم المشروع الأوروبى وما قدمه للعالم خلال الخمسين عاما الماضية ودور بريطانيا فيه، مستسلما بقلب ثقيل لامتثال البرلمان لنتيجة التصويت الشعبى.

وسيكون على حكومة ماى تقديم قانون أخر أمام البرلمان أكثر تفصيلا حول ملامح وأهداف واستراتيجيات مفاوضات الخروج، وذلك بعدما قضت المحكمة الدستورية البريطانية أن البرلمان، وليس الحكومة له سيادة تمرير كل ما له علاقة بمسار الخروج من الاتحاد الأوروبى.

حضرت ماى تصويت البرلمان وسط وزرائها المتحمسين للخروج من الاتحاد، لكنها بالكاد كانت لحظة انتصار. فهناك الآلاف من ساعات المفاوضات الشاقة المقبلة والعشرات من القوانين التي سيكون على البرلمان تغييرها، وتعقيدات قانونية وسياسية واقتصادية. وليس من المعروف كيف سيؤثر كل ذلك على بريطانيا وأوضاعها الداخلية وعلاقاتها الخارجية.

فبريطانيا تحتاج إلي بناء علاقات تجارية بديلة تحل محل السوق الأوروبى الموحد الذى قررت حكومة ماى الخروج منه لأن البقاء داخله يعنى استمرار تدفق الهجرة. وفى محاولاتها إيجاد بديل تجارى، سارعت ماى إلى أمريكا للقاء الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب، وإلى تركيا للقاء الرئيس التركى رجب طيب أردوغان.

لكن النتائج داخليا كانت مكلفة بالنسبة لها. فالبرلمان البريطاني أعلن أنه سيناقش رسميا عريضة وقع عليها نحو مليونى شخص تطالب بإلغاء زيارة ترامب المرتقبة إلى بريطانيا أو تخفيض درجتها من «زيارة دولة» إلى زيارة عادية بسبب قراره منع مواطنى سبع دول إسلامية من دخول أمريكا لدواع أمنية. فيما وجهت المنظمات الإنسانية والحقوقية البريطانية انتقادات حادة لرئيسة الوزراء بسبب مساعيها للتقارب مع أردوغان برغم التدهور الحاد فى أوضاع حقوق الإنسان فى تركيا.

لكن ماى تسير على حبل مشدود، فهى من ناحية لا تريد علاقات تحالف مثيرة للجدل، لكنها من ناحية أخرى تحتاج إلى إيجاد بدائل للسوق الأوروبى. ومع أنها لا شك تشعر بالارتياح للاقتراب من ترامب أكثر من اللازم فى ضوء شعبيته الضعيفة بريطانيا وأوروبيا، ولا تريد أن تبدو كـ«غريق متعلق بالقشة» الأمريكية، إلا أنها تريد وعوده وتطميناته لتوقيع اتفاقية تجارة حرة بين البلدين بمجرد خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبى.

كما تفضل ماى أن تظل بريطانيا الشريك الأول لأمريكا سياسيا واستراتيجيا، لكنها تريد أن تبقى على مسافة من واشنطن بسبب التباينات في عدد من القضايا من بينها العلاقة مع روسيا والاتفاق النووى الإيراني وقضايا المناخ والتجارة الحرة. ومع أن تيريزا ماى لديها الكثير من الانتقادات لمشروع الوحدة الأوروبية، لكنها لا تريد أن توضع فى سلة واحدة مع ترامب الذى وصف الاتحاد الأوروبى بإنه «قاطرة للطموحات الألمانية». فخلال اعلانها لاستراتيجية الخروج من أوروبا قالت: «نريد أن ينجح الاتحاد الأوروبى ونريد لدوله الرخاء والازدهار»، فيما توقع ترامب أن تقضى الموجه الشعبوية على المشروع الأوروبى كله. بعبارة أخرى تحتاج بريطانيا إلى دعم إدارة ترامب، لكنها لن تثق فيه 100%. لكن وبرغم الخلافات والاختلافات، هناك مشتركات بين ترامب وماى. فشعار ترامب الأساسي «أمريكا أولا» الذى شكل حجر الأساس في حملته الانتخابية وأوصله للرئاسة، لا يعادله عالميا إلا «بريطانيا أولا» المبدأ الذى قاد بريطانيا للخروج من الإتحاد الأوروبى لتطبيق سياسات تتواءم مع مصالحها الوطنية فيما يتعلق بالهجرة والقوانين والحدود. لقاءات تيريزا ماى إذن مع الأعضاء الجمهوريين فى الكونجرس الأمريكي، ومحادثاتها فى واشنطن مع ترامب كانت ربما واحدة من أغرب لقاءات القمة بين مسؤولى الدولتين، بأولوياتهما المتناقضة ورؤيتهما المتضاربة.

فماى توجهت إلى امريكا وسط تحذيرات بريطانية من أن «تتساهل أكثر من اللازم» مع الرئيس الأمريكي الجديد، ومطالب أن تتحدث معه بصراحة حول مخاوف لندن من خطابه حول الانعزالية، والمهاجرين، والنساء، والأقليات، ولعبه على «الاسلاموفوبيا». وهذه لغة نادرا جدا ما استخدمت فى بريطانيا ضد رئيس أمريكى. إلا أنها عادت لتجد عاصفة فى انتظارها، ومظاهرات من لندن إلى مانشيستر، وعريضة مليونية، وانتقادات حادة بسبب ما اعتبره الكثيرين «فشلها الذريع» فى إدانة قرار ترامب منع دخول المسلمين من 7 دول شرق أوسطية» وفشلها اجمالا فى التعبير عن الاختلافات بين لندن وواشنطن فى الكثير من القضايا بالصراحة التى يعبر بها مثلا قادة فرنسا وألمانيا عن تلك الانتقادات.

ويقول مالكوم ريفكند وزير الخارجية البريطانى السابق وأحد أبرز وجوه حزب المحافظين الحاكم:»هناك الكثير من البريطانيين متوترين وقلقين جدا من دونالد ترامب كرئيس لأمريكا… أنا واحد منهم ولا أتردد فى الافصاح عن هذا». فبريطانيا العظمى لا تريد أن يجبرها الخروج من الإتحاد الأوروبى على الصمت على ما تقوم به أمريكا «مخافة اغضابها».

فى أول يوم له فى البيت الأبيض، أعاد ترامب تمثال رئيس الوزراء البريطاني الراحل ونيستون تشرشل للمكتب البيضاوى بعدما كان الرئيس السابق باراك أوباما وضعه فى غرفة أخرى، ليضع تمثال لمارتن لوثر كينج مكانه، وذلك فى إشارة إلى تثمين ترامب لـ»العلاقة الخاصة» مع لندن، لكن ثقة البريطانيين فيه هشة، واعجابهم به محدود والكثيرون يتوقعون «طريقا وعرا» ملئ بالمطبات فى العلاقات عبر الأطلسى بسبب صعوبة التنبؤ بمواقف ترامب وميله للمواجهة. وبقدر ما تحتاج ماى تطمينات ترامب، بقدر ما تدرك أنها لا تستطيع التقرب أكثر من اللازم، فهذا قد يساء فهمه فى بروكسل وقد يترتب عليه تشدد أوروبى فى المفاوضات المقبلة للخروج من الإتحاد.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *